مدحت بشاي
Medhatbe9@gmail.com
 
حول " نرجسية الاختلاف " يقول العالم " فرويد " فى نظريته ، ما يشير إلى أن الاختلافات البينية مهما كانت بسيطة، فإننا نجعل منها مرتكزاً هاماً فى التركيبة الإنسانية الشخصية بعكس ما تم التعارف عليه عند أصحاب شعار                " مُلاك الحقيقة المطلقة " ، وعليه فإن اعترافنا بأهمية الاختلافات و تقدير وجودها ودون بخس حق المختلف لإقامة شكل من التواصل الحميم المفيد والمثمر، هنا فقط تبدو أهمية انضباط عمل الإعلام بشكل عام ، والإعلام الدينى بشكل خاص لدعم فكرة القبول بالتنوع وإدارة آلياته بموضوعية ومنهجية معتبرة..
 
وعليه فإن توهم إمكانية التوصل لعملية اندماج وطنية دون دعم وجود ثقافة الاختلاف بين كل قوى جماعات الفكر والعمل السياسى كارثة تحيق بعملية السلام الاجتماعى والتوافق الإنسانى.
 
 
وهنا يبرز دور مؤسسات إنتاج الإعلام الدينى والكيانات التثقيفية الدينية وكليات وأقسام الإعلام بالجامعات فى دعم وتأهيل منتسبيها بثقافة دينية كافية وكفيلة باستحقاق تولى مهمة التغيير والتجديد للوعى العام بداية بفتح مساحات التنوير بجرأة لا تقترب من صحيح وثوابت الأديان إلا بالتعريف بها واحترام تعاليمها، ونبذ فكرة إنشاء نوافذ إعلامية بغرض التبشير والكرازة المسيحية أو الدعوة الإسلامية دون السؤال المنطقى لرجالها " هل تعرفتم جيدًا على واقع وطبيعة وتاريخ من تبشرون ومن تدعون بالضبط ، ولما لا نأمل في تغيير أهدافها لتكون في اتجاه الإرشاد الروحى والتوعوى، ولا إيه؟ "
 
لابد من إعلان رفض التوجه الغريب فى العمل على تعظيم عقائد أديان ومذاهب عبر الإلحاح على تقزيم وإهانة الأديان والمذاهب الأخرى من خلال عقد مقارنات مثيرة للشارع المصرى الذى بات جاهزاً للاشتعال السريع بعد تغيير المكون الفطرى للإنسان المصرى على مدى الحقب الأخيرة نتيجة هبوب رياح طائفية مقيتة واردة من بلاد الثقافات البدوية الصحراوية ، وانتشار غباوات تشويه صحيح الأديان.
 
لقد تابعنا عبر العديد من وسائط الميديا المختلفة ( للأسف )  تخصيص برامج إذاعية وتليفزيونية ومطبوعات ودوريات صحفية وصفخات ومواقع الكترونية لشن حملات شرسة لتكفير الناس وتسويد عيشتهم، وكأننا ما كنا يوماً أهلاً لاعتناق الإسلام أو المسيحية ، ولا يشغلنا بحق دعم ثقافة دينية طبيعية واقعية خكيمة بشكل موضوعى ومنهجى، فيصل بنا الحال فى النهاية ــ على سبيل المثال ـــ أن يخرج أمين عام للجامعة العربية سابق بتصريح يؤكد فيه أن للأقباط 3 كتب مقدسة لكل من الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت كتاب، وتغضب الكنيسة ويعتذر الدبلوماسى المثقف الكبير!!!
 
ولا شك، أن الواقع يؤكد أن التأثير المباشر عبر وسائط الإعلام الحديثة يصل بإيقاع أسرع وأنجع للوجدان وتحريك للفطرة الإنسانية ، وهنا نشأت ــ للأسف ــ تجارة رابحة مضمونة النجاح للعب بالعقول، فبتنا نتابع ــ على سبيل المثال ــ برامج السهرة التليفزيونية التى تمتد حتى ساعات النهار الأولى معتمدة على خيارات الإثارة التى تدعو لحواراتها ضيوفاً بعينهم المعروف عنهم الشطط والصوت العالى الجاهل القادر على جذب عيون ووجدان العامة عبر خطاب شعبوى، فضلاً عن اختيار موضوعات الحلقات التى تلعب على وتر نبذ عقائد الآخر أو متابعة قضايا وأحداث لجرائم طائفية بحوار أشد طائفية وجهلًا بالعقائد وبطبيعة وتاريخ شعبنا العظيم !!
 
وببساطة كده لما يكون الكلام والرسالة الإعلامية منوط بها تقديم نص دينى تكمن خطورة ربط النص المقدس بالقائم على تقديمه وتقديسه هو الآخر اعتماداً على إجادته بتمكن التواصل والإقناع وتحقيق القدر الهائل من التفاعل الإيجابى مع الناس، وهنا تسهل عملية توظيف الدين فى دعم توجه سياسى أو ثقافى واجتماعى ما عبر خطابات مشوهة خطيرة للأسف، من خلال تقويل الدين ما لم يدع إليه، أو انتصار لرأى ما لمعارضة نظام بمبالغة مريضة أو مداهنة حاكم فتكون الخطورة حالة.
 
لقد بات على مؤسساتنا الدينية وأجهزتها الإعلامية وكليات الإعلام أن تعمل جميعها جاهدة للقيام بدورها الروحى المأمول والمستنير إذا كانت بحق تنتوى القيام بإثراء الفطرة الإنسانية وإصلاح الفكر الدينى لدى البشر، ومن ثم تجويد أسس الحياة على الأرض بإدارة واعية مستنيرة تعتمد قبول التنوع.