الكنيسة على أعتاب ميلاد الله المخلص بين الكاريزما والمؤسسة

(أما أن الأوان بأن يقود اللاهوتيون ويتلهوت القادة !)أفلاطون بتصرف. 
 
الأب أثناسيوس حنين 
هى الحياة الجديدة التى جاء من أجلها المسيح فى الجسد لكى ما يشركنا فى حياة الثالوث حسب تعبير بولس فى رسالته الى سكان العاصمة الامبراطورية روما "وان كان روح الذى أقام يسوع من الأموات ساكنا فيكم فالذى أقام المسيح من الأموات سيقيم أجسادكم المائتة بروحه الساكن فيكم" رومية 8 :11 .وحسب القديس أثناسيوس والذى يرى أن صيرورة الله انسانا  هو "لكى نتأله نحن ".
 
 هكذا بدأت وهكذا أرادها وعاشها تلاميذ السيد  قديما . ولكن أتت رياح الادارة والروتين والكسل العقلى والجفاف اللاهوتى وكراهية النسك والتجرد والعزوبية الكاذبة وبرود المحبة ’ بما لم  تشتهيه سفينة الخلاص ’ أى الكنيسة الخالدة ’ كما سماها احد اللاهوتيين المصريين .
 
اعترفت  الكنيسة الأولى بيسوع المسيح ربنا ومخلصنا وبالله فى ثالوث ’ المسيحى يعتمد ليس فقط شريكا فى موت المسيح "متى 28 :19 " ’ بل وأيضا باسم الأب والابن والروح القدس .
 
من هنا عاش المسيحيون الأوائل فى حرية الروح وعفوية الابداع وقوة الحضور فى شئون الأرض .
 
لم يكن المسيحيون "أهل كتاب " ولا "أهل بيت الله " ’ وفى اعتقادى بأنه أبان القرن السابع الميلادى ’ لاحظ العرب الأذكياء مدى تقوقع المسيحيين حول كتابهم بعد أن عصفت بهم الانشقاقات ’ وانغلاقهم فى كنائسهم بعد أن صارت دكاكين دينية يسعى كل منها للبقاء ’وهنا صار البقاء للأمكر و للأقوى عتاديا وماليا وتحالفا مع السلطة وليس للأصلح لاهوتيا والأنضج روحيا والاكثر استقامة ايمانيا واخلاقيا  وحينما لاحظ العرب هذا (البازل المسيحى)’أرادوا تكريم النصارى (اتباع الناصرى وليسوا أزلام المؤسسة) بتسميتهم بأهل الكتاب وبأهل بيت الله .
 
هذه شهادة من الذين هم من خارج عن مدى الانغلاق الذى أصاب المسيحيين وانحباسهم فى بيوتهم وفى كتابهم ! هذا لم يصنعه العرب بل وجدوه وأستثمروه أحسن  استثمار !. هذا لم يكن من البدء ’ اذا ولد المسيحيون كأهل روح الله . وهذه قضية كبيرة شغلت الكنيسة من الميسالينيين مرورا بالمونتنانيين ووصولا الى الخمسينيين .
 
اذ ضاق هؤلاء جميعا ذرعا بالقنوات الادارية التى تعددت فى كنيسة الروح القدس بلا روح ومأسست الكنيسة وكادت أن تطفئ الروح فيها . وقف هؤلاء جميعا ’ كل بطريقته وحججه ’ ضد مأسسة الكاريزما . السؤال الواقعى ’ القديم والمعاصر ’ فى أن ’ والذى طرحه عالم اللاهوت الالمانى والمتخصص فى تاريخ الكنيسة الاولى باسيل شتودير فى كتابه المرجعية الكبيرة "الله مخلص ’الفداء بالايمان فى الكنيسة الاولى " ’ هو : هل تحتاج الكاريزما الى قنوات ومؤسسات تضبطها وتنظمها ؟
 
وهل من علاقة بين عفوية وانطلاق الروح وبين المؤسسة ؟ أدى هذا الصراع ’ ككل صراع ’ الى ظهور فئتين ’ فئة الخاريسماتيكيين وفئة الاداريين . الحقيقة هى أن هذه الانفصام وهذه الازدواجية بين الكاريسما تيكيين والادارة ’ أو بين النعمة والخدمة ’ لم تكن من البدء هكذا !نرى فى سفر الأعمال بأن خدام الموائد وخدام الكلمة ’ أى المبشرين واللاهوتيين والأداريين ’ وبلغة أخرى ’ أهل البشارة " اذهب ايمانك خلصك " والسكان الدائمون لمكاتب الفتوى الادارية  "عدى علينا بكرة يا سيد " ! كانا كلاهما خارسماتيكيا . وبلغة لاهوتى  انجيلى ظريف " كان السفرجية فى الكنيسة الاولى مملوئون من الروح القدس ".ظهرت المشكلة فى كنيسة كورنثوس بين الشباب الخارسماتيكيين الذين لا يحدهم ضوابط روتينية ’ وبين الشيوخ .اذا أتينا الى الرهبنة الناشئة ’ نرى انطلاقة الروح وظهور الكاريزما والقرأة الذكية لعلامات الزمان  بعفوية وبلا قيود فى حياة المتوحد انطونيوس المصرى أذ أخرجه الروح الى البرية ليجرب من ابليس كسيده .
 
كانت ايام النسك النارى والذى كان به الراهب المتوحد يتحكم روحيا وخاريسماتيكيا من صومعته   الحقيرة فى ضمائر الناس أكثر من الامبراطور من قصره المنيف .
 
هذا لا يعنى بأية حال غياب التنظيم والادارة والضبط والربط ’ ولكنها تصير خاريزما اذا ما تمت على يد اللاهوتيين الروحيين والكارزماتيكيين . فنجد اللاهوتى الأوروبى  باسيليوس والناسك المصرى باخوميوس يقومان بمبادرات لوضع "شكمانات" تصبط اندفاع الروح النارى والابداعات ’ ذلك الروح الحر والذى يهب أينما  ووقتما يشاء !. والشكمان التى يستعملها الواد بلية الميكانيكى جارنا هو فعل فرنسي "ايشابير" وتعنى " أجد مخرج لطاقات كبيرة كامنة تبحث عن مخرج " والأسم منها "أيشابمون" ومنها اخذها بلية الميكانيكى ’ وعربها وصيرها "شوكمان" .
 
هكذا العلاقة بين الخاريسما والابداع والعفوية وبين الانضباط ’ العلاقة بين الطاقة التى تحرك السيارة وبين تنظيمها وليس كبتها ضجرا أو حسدا أو تشتيتها والا احترقت السيارة بمن فيها من الميكانيكية المزيفين والمرتزقة والغير الفاهمين والاميين والتى ’ وحسب حسب روايات الاصدقاء ’ صاروا هم اسياد الساحة فى المحروسة !. والذى يضع يده على الشوكمان لمنع الطاقة من الخروج لن يعطل شئ بل ستحترق يداه ومعها خططه التعطيلية . شرط أن تكون السيارة ع الزيروا ! قلبا نقيا اخلق فى يا الله !. يوستينوس اللاهوتى والشهيد وهو يشرح للمثقفين  اليونانيين منظومة العمل داخل كنيسة المسيحيين والتى يقوم بها ثالوث الاسقف اللاهوتى الخارسماتيكى والشعب الساجد بالروح والعبادات التى تطلق الابداعات.
 
هذه الامور  كانت تتم حسب يوستينوس  :"...بعفوية وبالروح وحسب الطاقة ". بدأت المشكلة والانفصام حينما تمأسس ثالوث الكاريزمة وانتظمت وصارت كتبا ونصوصا ومناسبات رأها البعض مملة وطويلة وروتينية ومملة . لهذا يسعى اللاهوتيون والليتورجيون فى الكثير من الكنائس القديمة الأيام الى العودة بالعبادات الى الحيوية والحرية والعفوية الاولى .
 
يسمونه "الاصلاح الليتورجى" وهذه لا يتم عشوائيا أو شكليا والا فالنهاية أسواء بل علميا ولاهوتيا وتاريخيا لسد الفجوة بين "كما كان" و"هكذا يكون" فى المسيح الواحد والا وقعت الكنيسة فريسة للفريسية الجديدة وهنا لن يقود الخارسماتيكيون الكنيسة بل سيقودها عميان  يقودون عميان و يقعان كلاهما فى حفرة تساؤلات الناس المصيرية (اليوم !) وتجنب الحلول العشوائية والظرفية لقضايا مصيرية لا يتصدى لها الا العارفون من اللاهوتيين المتألهى العقول والعامرة قلوبهم بالتسامح والفهم والحب والخبرة. لنأتى الى عظات مكاريوس عن الروح القدس والتى شكك تنابلة السلطان فى صحتها ونسبتها الى اللاهوتى القبطى لأنها نارية وعفوية ومكلفة "أعط دما ’ تأخذ روحا "ولكنها غير فوضوية !تعبر الرسائل عن حس كنسى عفوى ’ هذا لا يمنع الروح من ان يعطى لباسيليوس الكبير خطابا عن الروح القديس يشتمل تعابيرا فلسفية تناسب الأكثر ثقافة من مثقفى عصره . هذا كله لم يمنع ظهور تطرفات من كلا الفريقين على مستوى الحياة المسيحية اليومية ’ فلقد ذهب بعض المتروحنين وليس الروحانيون الى منع التناول من يد كاهن متزوج !وكما بكى بعض رهبان برية شيهيت حزنا بعد أن سمعوا ولأول مرة الموسيقى الصوتية اى الالحان وترتيل المزامير فى الكنيسة ’ بينما الكتابات المسيحية الاولى تشهد بأن المضجع والحب والسعادة الزوجية غير نجسة ! وكل شئ طاهر للطاهرين .
 
لا يمكن العودة الى الوحدة بين النعمة والقانون الا بالعودة الى الأساس الخرستولووجى- المسيحيانى  لعمل الروح القدس . أى أن نرى تفاصيل عمل الروح والكلمة من خلال التفاصيل اليومية أى شئون الحياة وأن ننموا مثله وفيه فى الروح والقامة أمام الله والناس . كأس ماء بارد بروح يسوعية.
الأباء أى أبائنا وأمهاتنا وأهلنا ’ أهل روح الله ’ صنعوا لاهوتا للروح القدس وبالروح القدس أى روح التعقل والابداع والذكاء الساجد ’وسط أعتى عالمين من الثقافات الكونية والمتناقضة والتى يسيطر على كل منهما مرض الانفصام وفيروس الثنائيات التى لا صلح بينهما ولا لقاء  وهما العالم العبرانى والعالم الهيللينى .
 
تمركزت الثنائية العبرانية -اليهودية فى العالم الحاضر والعالم الأتى ’ بينما قامت الثنائية اليونانية على عالم الحقيقة وعالم المثل . صار الخلاص فى اليهودية هو انتظار العالم الأتى من خلال المؤسسة الدينية وقوانين الشريعة "الناموس أى النوموس أى القانون والشريعة" وهذا يفسر صدامهم الدائم مع يسوع .بينما الخلاص عند اليونانيين هو التحرر  الواقعى  من الحواس والتى هى سجن النفس وهذا يفسر صدامها مع علماء الكنيسة بالرغم من محاولات الصلح . جاء حضور وميلاد يسوع مصالحة بين الثقافات الواقعى منها والرؤؤى واشرق نور معرفة الصلح وصلح المعرفة للعالم . ألا جعله الروح واقعا جديدا فى الكنيسة المعاصرة أو الكنائس المعاصرة .