كان للقذافي أن يحتفل بمرور نصف قرن على وصوله إلى السلطة، لكن نظامه "الفريد"، تقوّض واندثر عام 2011، ومع ذلك يتشبث أنصاره بالماضي ويقيمون ما يشبه الدولة الافتراضية.

انتهى نظام القذافي بعد حرب استمرت نحو 10 شهور، وكان المعول الأساس الذي قوّض "جماهيرية" القذافي الخضراء بيد حلف الناتو، وقتل الرجل الذي وصل إلى الحكم في سن السابعة والعشرين بطريقة بشعة بعد أن سلم الناتو بقايا رتله لخصومه عقب ترصده والإغارة عليه في ضواحي سرت، كما تم إعدام عدد من حراسه ومرافقيه على الفور في تلك المناسبة الدموية.
 
لا يزال خصومه الذين فشلوا في بناء بديل للدولة، بل انحدروا بها وبمقدراتها إلى هاوية من الفوضى العارمة، يصرون على أنه كان دكتاتورا وأنه مسؤول حتى عما يجري الآن، لكن أنصاره وهم كثر وخاصة في جنوب البلاد لهم رأي آخر، نقيض كل ما يقال عنه من سوء وما يحمل من تهم، ودليلهم الواقع المزري، وخاصة انتهاك سيادة البلد وفقدان الأمن وسوء الأحوال المعيشية وتهتك النسيج الاجتماعي بعد غيابه.
 
يتمسك أنصار الزعيم الليبي الراحل بالعلم الأخضر، ويرددون شعاراته ويحيون ذكراه وذكرى "الفاتح من سبتمبر"، الانقلاب العسكري الذي أوصله إلى مقاليد الأمور في البلاد قبل نصف قرن بالتمام والكمال.
اللافت أن شريحة واسعة من أنصار القذافي تراهن على نجله سيف الإسلام، على الرغم من غيابه التام وانقطاع أثره بعد الإعلان عن إطلاق سراحه بموجب قانون للعفو العام منذ يونيو عام 2017 وينتظر هؤلاء سيف الإسلام القذافي على أمل أن يعيد الأمور إلى نصابها ويعيد إليهم ماضيا لا يرون فيه إلا ما يتوهج.
 
وفيما ينتقد البعض بشدة هذا النوع من "الحنين" إلى الماضي، ويراه علامة على التخلف الاجتماعي، يتفهم البعض الآخر دوافعه وأسبابه، وفي المحصلة تزداد الهوة بين الخصمين اللدودين وتتسع لأسباب عديدة أهمها، أن معنويات أنصار القذافي تتعزز مع تزايد الفوضى واستفحال الأزمات في البلاد، بمقابل تشبث أنصار ما يعرف بثورة فبراير بحلم الحرية والديمقراطية وبعالم لم يولد بعد.
 
المفارقة الكبرى في الحالة الليبية أن هذين الطرفين المتناقضين بينهما قاسم مشترك يتمثل في التشبث بنوع من الواقع المتخيل، فأنصار القذافي يعيشون في شرنقة دولة بادت، فيما ينحاز أنصار فبراير إلى دولة أخرى مفترضة لا علاقة لها بالواقع المعاش.
 
 

وهكذا يمكن القول إن أشباح القذافي تلاحق بقوة قاتليه وتظهر في أكثر من لبوس لتقض مضجع سدنة الحكومتين في غرب البلاد وشرقها.. كما أن أنصار القذافي أيضا تطاردهم أشباح "فبراير" وتنغص عليهم عيشهم وحتى "فرحتهم" بالذكرى الخمسين لما يعدونها ثورة بالملاحقة والحظر وحتى المداهمة وإطلاق النار، ناهيك عن اضطرار الآلاف منهم إلى الهجرة والإقامة منذ سنين في المنافي وخاصة في مصر وتونس.