إن لله عبادا والوه بالعبادة‏,‏ فوالاهم الله تعالي بالرعاية‏,‏ وحباهم بالعناية‏,‏ ألا وهم أولياء الله الصالحون الذين ذكرهم القرآن الكريم وبين أنهم لا خوف عليهم في الدنيا‏,‏

ولا خوف عليهم في الآخرة, ولا هم يحزنون في الدنيا ولا هم يحزنون في الآخرة, لأنهم جمعوا بين الإيمان وتقوي الله, وقد بشرهم رب العزة سبحانه وتعالي, فقال الله سبحانه:

(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون, الذين آمنوا وكانوا يتقون, لهم البشري في الحياة الدنيا وفي الآخرة, لا تبديل لكلمات الله).
وقد أعلن رب العزة سبحانه وتعالي الحرب علي من يعادي أولياءه, وكما أعلن الحرب علي أكلة الربا في قوله تعالي:( فأذنوا بحرب من الله).
أعلن الحرب علي أعداء الأولياء الصالحين, فقال الله تعالي في الحديث القدسي:( من عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب, وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه, ولايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها, ولئن سألني لأعطينه, ولئن استعاذ بي لأعيذنه).

فبين الحديث أن أولياء الله في عناية الله ورعايته, وأن الذي يعاديهم يؤذنه الله بحرب من عنده, كما بين الحديث أن أعظم ما يتقرب به العباد هو ما افترضه عليهم, وأن التقرب بكثرة النوافل طريق إلي محبة الله, وأن الذي يحظي بحب الله كان سمعه محفوظا من كل مكروه, وكان بصره محفوظا من النظر إلي المحرمات, وكانت يده مصونة عن العدوان, وكانت رجله محفوظة من المشي إلي ما حرم الله, بل كانت جوارحه محفوظة بحفظ الله سبحانه وتعالي, وكان الله عونا له في كل مقاصده.

ومن المعلوم أن صحبة الصالحين والأولياء المقربين فيها سعادة للإنسان, وهناءة له وأمن له.
ولقد ذكر القرآن الكريم بعض نماذج الأولياء الصالحين, وهم أهل الكهف, وكيف أن الكلب لما صحبهم ذكر في القرآن لصحبته الصالحين, حيث قال الله تعالي:( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم, ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب, ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم, قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل).
فيلاحظ أن الكلب ذكر في القرآن لأنه صحب أهل التقوي والإيمان من أولياء الله الصالحين, أي أن صحبة الصالحين, والأولياء المقربين تعلي شأن من يصحبهم, فإذا كان الكلب سعد بصحبة الصالحين, فما بالنا حين يصحب الإنسان المؤمن أولياء الله تعالي؟
قيل تشقي بحب آل النبي.. قلت: هذا كلام غاو شقي, فاز كلب بحب أصحاب كهف, أفأشقي بحب آل النبي؟!
ومن الكرامات التي ذكرها القرآن الكريم, كرامة للسيدة مريم, حيث كانت تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء, وفاكهة الشتاء في الصيف, وكلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا, قال يا مريم أني لك هذا, قالت: هو من عند الله, إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.

وعندما قال لها:( وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا), نزل لها الرطب في غير وقته كرامة لها.
كما ذكر القرآن الكريم بعض الكرامات, فقد ورد في السنة النبوية الشريفة, وفي كتب الأثر بعض الكرامات, فمن ذلك الكرامة التي حدثت مع بعض الصحابة وهما: أسيد وعباد, عندما رجعا من عند رسول الله صلي الله عليه وسلم مساء في ليلة مظلمة, وكان مع كل منهما سوط, فأضاء لهما كالمصباح كرامة من الله سبحانه وتعالي لهما.

وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الملهمين والمحدثين كما أخبر رسول الله صلي الله عليه وسلم بشأنه, حيث قال صلي الله عليه وسلم:( لقد كان في الأمم من قبلكم يحدثون, فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر), ولذلك كانت له كرامته مع سارية عندما كان يخطب في المدينة, وكان سارية يقود الجيش, وكاد جيش الأعداء يتغلب علي جيش المسلمين, فسمع سارية نداء عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقول له: يا سارية الجبل الجبل, فسمع سارية نداء عمر, رغم ما كان بينهما من مسافة شاسعة, لكن الله تعالي أوصل صوت عمر إلي سارية فلاذ بالجبل, ونجا من العدو, وتحقق النصر بإذن الله سبحانه وتعالي, ولما سأل الناس سيدنا عمر بن الخطاب وقالوا له: لقد قلت عند خطبتك كلاما لم نفهمه, قلت: يا سارية الجبل الجبل فأجابهم بأنه كان قد خطر في قلبه أن جيش المسلمين بقيادة سارية كاد يحيط به جيش العدو, ولو لاذ بالجبل لنجا من العدو, ولما جاء سارية وسألوه, أخبرهم بأنه لما سمع صوت عمر يقول: يا سارية الجبل الجبل, وأنه لما لاذ بالجبل نجا من شر العدو, وتحقق النصر لجيش المسلمين بإذن الله تعالي.

وهكذا نري أن الله تعالي كما اختص الرسل بالمعجزات, أكرم أولياءه الصالحين بالكرامات عونا لهم, وإكراما لما قدموه من صالح الأعمال, فهم لا خوف عليهم في الدنيا ولا في الآخرة( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

وقد أكرم الله تعالي أرض الكنانة, بكوكبة مباركة من الأولياء الصالحين, ومن آل بيت النبي الكريم, عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم, كما أكرم الله أرض الكنانة بكوكبة من العلماء العاملين الذين أدوا الأمانة الإلهية علي أكمل وجه داخل أروقة الأزهر الشريف منارة الإسلام, وخارج مصر بما حملوه من أشرف تراث في الوجود, ولا شك أن وطنا كهذا لا يرتاب إنسان ومعه عقله أن الله تعالي حافظه, ومحقق له الأمن إن شاء الله مهما مر به من فتن, ومهما هبت عليه رياح الشر والابتلاء, فإن الله سبحانه وتعالي وعد بالأمن أرض الكنانة, وسجل القرآن الكريم الخالد الأمن لمصر, حيث قال الله سبحانه وتعالي:( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين).