دندراوى الهوارى
انتاب عددا من مشايخ الأزهر غضب كبير من أحداث مسلسل «ممالك النار» واعتبروه تشويها لما يعتبرونه فتحا عثمانيا لمصر، حيث فوجئ الجميع بإذاعة القرآن الكريم تستضيف أزهريًا، هاجم المسلسل بعنف، وانبرى مدافعا عن سليم الأول، واعتبره فاتحا عظيما تفوق فتوحاته كل فتوحات «خالد بن الوليد»..!!
 
بعض مشايخ الأزهر، يرون سفاحا ولصا، أحد أبرز المبشرين للدين الإسلامى، وأن غزوه للقاهرة، فتحا مبينا، وكأن مصر كانت بلدا الكفر والإلحاد، وليس بلد الأزهر منارة الدين الإسلامى، والتى دافعت بأبنائها عن الإسلام أمام زحف التتار والصليبيين، وهو تزوير وقح للتاريخ، وانتهاك صارخ لأنساب المفاهيم، لا يمكن قبوله.
 
هؤلاء المشايخ، الذين يدسون أنوفهم فى كل قضية مثارة، دون علم، لا يعتدون بما دونه المؤرخ المصرى الذى عايش الغزو العثمانى لمصر «محمد بن إياس» فى كتابه «بدائع الزهور» من أن ابن عثمان انتهك حرمة مصر وما خرج منها حتى غنم أموالهم وقتل أبطالها ويَتمَ أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها.
ووصف ابن إياس سليم الأول قائلا: « كان رجلا سيئ الخلق سفاكا للدماء شديد الغضب».. كما سطر ما قاله سليم الأول فى مجلسه: إذا دخلت مصر أحرق بيوتها قاطبة وألعب فى أهلها بالسيف.
 
وبالفعل نفذ سليم الأول ما وعد به عند غزوه للقاهرة، حيث يقول ابن إياس: «إن العثمانية طفشت فى جميع الحارات والأماكن، وحطوا غيظهم فى العبيد والغلمان والعوام وغيرهم.. ولعبوا فيهم بالسيف، وراح الصالح بالطالح، وربما عوقب من لا ذنب له، فصارت جثثهم مرمية فى الطرقات من باب زويلة إلى الرميلة، ومن الرميلة إلى الصليبية إلى قناطر السباع إلى الناصرية إلى مصر العتيقة.. فكان مقدار من قتل فى هذه الواقعة من بولاق إلى الجزيرة الوسطى إلى الصليبية فوق العشرة آلاف إنسان فى مدة هذه الأربعة أيام، ولولا لطف الله تعالى لفنى أهل مصر قاطبة بالسيف.. كما أن جنوده كانوا يطيحون فى رأس المصريين بالسيف، متى رأوا أحد المماليك ضربوا عنقه حتى داخل الجوامع والمدارس والزوايا».
 
ويروى المؤرخ المصرى رواية أخرى للاستعباد الذى مارسه العثمانيون ضد المصريين قائلا: «فى يوم اضطربت أحوال القاهرة، وصارت أرباب الأدراك تقف على أبواب المدينة ويمسكون الناس من رئيس ووضيع ويضعونهم فى الحبال حتى من يلوح لهم من القضاة والشهود، وما يعلم ما يصنع بهم، فلما طلعوا بهم إلى القلعة أسفرت تلك الوقعة على أنهم جمعوا الناس حتى يسحبوا المكاحل النحاس الكبار التى كانت بالقلعة، وينزلوا بها إلى شاطئ البحر.. وقاسى الناس فى سحبها غاية المشقة وحصل لهم بهدلة من الضرب والسك وخطف العمائم.. وصاروا يربطون الرجال بالحبال فى رقابهم ويسوقونهم بالضرب الشديد على ظهورهم».
 
مشايخ الأزهر قلبوا الحقائق، ولم يلتفتوا إلى أدلة تاريخية مهمة، تؤكد أن سليم الأول كان غازيا وليس فاتحا ومدافعا، منها قتل العباد فى المساجد والتخريب والتدمير، كما ارتكب خطيئة تؤكد أنه كان ضد الإسلام ذاته، عندما قرر إنهاء دولة الخلافة الإسلامية فى القاهرة، حيث نقل الخليفة العباسى المتوكل، عنوة إلى إسطنبول وأجبره على التنازل عن الخلافة له، وحسب قول ابن إياس ما نصه: «حصل للناس على فقد أمير المؤمنين غاية الأسف، فقد انقطعت الخلافة فى مصر وصارت إلى إسطنبول».
 
كما يؤكد ابن إياس أن سليم الأول وجنوده لم يأتوا للدفاع عن الإسلام فقد وصفهم قائلا: «قلة دين يجاهرون بشرب الخمور فى الأسواق بين الناس، ولما جاء عليهم شهر رمضان فكان غالبهم لا يصوم ولا يصلى فى الجوامع ولا صلاة الجمعة إلا قليل منهم، ولم يكن عندهم أدب ولا حشمة».
 
هذه عينة بسيطة مما ارتكبه المجرم السفاح سليم الأول وجنوده ضد المصريين، وضد الإسلام والقيم الإنسانية والأخلاقية، وتسبب فى انهيار مصر لمدة ثلاثة قرون كاملة، لذلك فإن أى شخص يدافع عن الاحتلال العثمانى لمصر، يجب محاكمته فورا بتهمة الخيانة العظمى، فلا يمكن قبول أن ينبرى مصرى للدفاع عن «غزو» بلاده..!!
نقلا عن اليوم السابع