مراد وهبة
الرأى عندى أن الديمقراطية لها أربعة مكونات وهى على التوالى: العلمانية والعقد الاجتماعى والتنوير والليبرالية. العلمانية تعنى التفكير في النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق، والعقد الاجتماعى يعنى اتفاق البشر على تأسيس مجتمع بلا سلطة دينية، والتنوير يعنى ألا سلطان على العقل إلا العقل نفسه، والليبرالية تعنى أن سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع. وتأسيساً على ذلك يمكن القول إن الليبرالية هي أعلى مراحل العلمانية، والمغزى أنه لا ليبرالية بلا علمانية.

والسؤال بعد ذلك:

ما هو أصل الليبرالية؟


هذا اللفظ معرّب من اللفظ الإفرنجى Liberalism. واللفظ الإفرنجى مشتق من اللفظ اللاتينى Liberalis ومعناه «الإنسان الحر». وقيل أولاً: إن عام 1812 هو بداية تداول هذا المصطلح لتحديد هوية حزب سياسى إسبانى. وقيل ثانياً: إن نشأة الليبرالية ملازمة لنشأة الرأسمالية بدعوى أن الرأسمالية هي الوسيلة إلى تحقيق الغاية من الليبرالية وهى حرية الفرد. وقيل ثالثاً: إن حروب الأديان في القرنين السادس عشر والسابع عشر في أوروبا قد انبعثت منها الليبرالية لأن التسامح في صميم تكوينها.

وأيًّا كان الأمر، فإن القاسم المشترك بين هذه الأقاويل هو أن سلطة الفرد أعلى من سلطة المجتمع. ومن هذه الزاوية يمكن القول إن الفيلسوف الإنجليزى جون ستيوارت مِل هو الأب الروحى لليبرالية في كتابه الشهير المعنون «عن الحرية» حيث يعرض للعلاقة بين الحرية والسلطة فيضع حدوداً لسلطة المجتمع؛ بحيث تكون سلطة الفرد أعلى من سلطة المجتمع.

والسؤال إذن:

هل من الممكن أن تكون سلطة الفرد هي الأعلى؟


جواب مِل أنه من الممكن أن تكون كذلك ولكن بشرط غياب ما يسميه «طغيان الأغلبية» لأنه في حالة حضور هذا اللون من الطغيان فإنه يفضى بالضرورة إلى تغلغله في المؤسسات الجماهيرية، وعندئذ يتكون رأى عام مهمته الحد من سلطة الفرد. ومع ذلك فثمة سؤال لابد أن يثار: كيف يمكن منع حدوث طغيان الأغلبية؟

جوابى مشتق من تاريخ الحضارة الإنسانية، إذ هو مملوء بحالات تسمح باستلهامها. وأنا أنتقى من هذه الحالات حالة الثورة الفرنسية. إنها إفراز من عقول فردية متنورة. والمتنور هو ذلك الذي يكون سلطان العقل عنده محكوماً بعقله وليس بعقل المحرمات الثقافية المانعة من التغيير والتقدم. وهذا التعريف للمتنور ينطبق على «الفلاسفة» الذين مهدوا للثورة الفرنسية. وإذا قيل- رداً على ما أقول- بأن الطبقة البورجوازية هي صانعة الثورة الفرنسية فأنا أقول بأن هذه الثورة ما كانت لتحدث إلا إذا كانت متنورة، لأن ثمة نوعاً آخر من البورجوازية يمكن أن يكون طفيلياً ومتداخلاً بالتالى مع الأصوليات الدينية فيقفان معاً ضد مسار الحضارة الإنسانية كما حدث في مصر في السبعينيات من القرن الماضى عندما بزغت شركات توظيف الأموال (رأسمالية طفيلية) وتشابكت مع الأصولية الدينية وتفرغت لتكفير المتنورين وقتلهم، إن لزم الأمر، فشاع مصطلح «الإرهاب» حتى أصبح كوكبياً. وقد اتُخذ هذا التشابك وسيلة للقضاء على الكتلة الشيوعية. وقد قُضى عليها وأصبحنا بعد ذلك نعانى، كوكبياً، من آثار هذا التشابك، وكانت مصر من المصادر الأساسية في إفراز هذه الآثار.
نقلا عن المصرى اليوم