فى مثل هذا اليوم 26 اكتوبر 1954م..

مسامع من اذاعة القاهرة ..فى 26 اكتوبر 1954..
ـ (الساعة 0 3: 7م) بدأ عبد الناصر خطابه في حشد من ربع مليون شخص:

أيها المواطنون:

يا أهل الإسكندرية الأمجاد.. أحب أن أقول لكم ونحن نحتفل اليوم بعيد الجلاء.. بعيد الحرية.. بعيد الاستقلال، أحب أن أقول لكم - أيها الإخوان - أحب أن أتكلم معكم عن الماضي وعن كفاح الماضي.. أحب أن أعود إلى الماضي البعيد.

أيها المواطنون: أحب أن أتكلم معكم كلامًا هادئًا، (عبد الناصر يوجه كلامه إلى الذين يهتفون بحدة لا تخلو من ملمح استنكار وتجريح لمستمعيه) قائلاً:

كفانا هتافًا - أيها الإخوان - فقد هتفنا في الماضي فماذا كانت النتيجة؟ هل سنعود إلى التراقص مرة أخرى إلى التهليل؟! هل سنعود إلى التهريج؟! إني لا أريد منكم أن تقرنوا اسم جمال بهذه الطريقة، إننا إذا كنا نتكلم معكم اليوم فإنما نتكلم لنسير إلى الأمام بجد وبعزم، لا بتهريج ولا بهتاف، ولا يريد جمال مطلقًا أن تهتفوا باسمه، إننا نريد أن نعمل لنبني هذا الوطن بناءً حرًا سليمًا أبيًا، ولم يبنَ هذا الوطن في الماضي بالهتاف، وإن الهتاف لجمال لن يبني هذا الوطن، ولكنا - يا إخواني- سنتقدم وسنعمل . سنعمل للمبادئ.. وسنعمل للمثل العليا؛ بهذا سنبني هذا الوطن، وأرجوكم أن تصغوا إليَّ وأنا إذا كنت أتكلم معكم اليوم في الاحتفال بهذه الاتفاقية، وفي الاحتفال بهذا الجلاء، وفي الاحتفال بهذه الحرية؛

فإنما أريد أن أذكركم بالماضي وبكفاح الماضي.. كفاحكم أنتم وبكفاح آبائكم وبكفاح أجدادكم، أريد أن أقول لكم لقد بدأت كفاحي وأنا شاب صغير، من هذا الميدان، ففي سنة 30.. في سنة 1930 خرجت وأنا شاب صغير بين أبناء الإسكندرية أنادي بالحرية وأنادي بالكرامة لأول مرة في حياتي، وكان هذا - يا إخواني - أول ما بدأت الكفاح من هذا الميدان، وأنا إذ أتواجد بينكم اليوم لا أستطيع أن أعبر عن سعادتي ولا أستطيع أن أعبر عن شكري لله حينما أتواجد في هذا الميدان، وأحتفل معكم أنتم يا أبناء الإسكندرية، يا من كافحتم في الماضي ويا من كافح آباؤكم، ويا من كافح أجدادكم، ويا من استشهد إخوان لكم في الماضي، ويا من استشهد آباؤكم. أحتفل معكم اليوم بعيد الجلاء وبعيد الحرية، بعيد العزة وبعيد الكرامة.

ـ (الساعة 55: 7).. وبعد خمس وعشرين دقيقة من بدء الخطاب، يُسمع صوت تصفيق من الجماهير، وصوت إطلاق أعيرة نارية متتالية، وبعد لحظات من الهرج، يُسمع صوت: امسك اللي ضرب ده.)

يجئ صوت عبد الناصر: يوجه خطابه للجماهير قائلاً:
فليبق كلٌّ في مكانه..
أيها الرجال:
فليبق كل في مكانه..
أيها الرجال:
فليبق كل في مكانه..
أيها الرجال:
فليبق كل في مكانه..
أيها الرجال:
فليبق كل في مكانه:
أيها الرجال:
فليبق كل في مكانه..
أيها الرجال:
فليبق كل في مكانه..
أيها الرجال:
فليبق كل في مكانه..
أيها الأحرار:
فليبق كل في مكانه..

دمي فداء لكم.. حياتي فداء لكم..
دمي فداء مصر.. حياتي فداء مصر.

أيها الرجال.. أيها الأحرار.. أيها الرجال.. أيها الأحرار:
دمي فداءٌ لكم.. حياتي فداء مصر..
هذا جمال عبد الناصر يتكلم إليكم - بعون الله - بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا عليه وعلى حياته.. حياتي فداء لكم، ودمي فداء لكم.
أيها الرجال.. أيها الأحرار:
إن جمال عبد الناصر ملك لكم، وإن حياة جمال عبد الناصر ملك لكم.
أيها الناس.. أيها الرجال:
ها هو جمال عبد الناصر.. ها هو جمال عبد الناصر بينكم، أنا لست جبانًا.. أنا قمت من أجلكم، ومن أجل حريتكم، ومن أجل عزتكم، ومن أجل كرامتكم.
أيها الناس.. أيها الرجال.. أيها الأحرار.. أيها الأحرار:
أنا جمال عبد الناصر.. منكم ولكم.. دمي منكم ودمي لكم، وسأعيش حتى أموت مكافحًا في سبيلكم وعاملاً من أجلكم.. من أجل حريتكم.. ومن أجل كرامتكم.. ومن أجل عزتكم.
أيها الأحرار.. أيها الرجال.. أيها الأحرار:
(صوت عبد الناصر يقول: «أوعى» لأحد زملائه الذين يحاولون منعه من الاستمرار في الحديث حرصًا عليه)، ثم يواصل حديثه:
أيها الرجال.. أيها الأحرار:
(صوت عبد الناصر يقول لزملائه: « سيبوني ».)
ملحوظة: مع محاولة زملائه منعه من الخروج ينسكب مداد أحمر اللون من قلم حبر كان في جيبه الأيسر (ناحية القلب) على صدره، مما أحدث حالة من الإيهام والتأثير النفسي التي أثارت مشاعر الجماهير التي اعتقدت أنه الدم وخلقت حالة التعطف مع عبد الناصر الذي أصر على الكلام وأنه لم يمت!!
***
(يعود عبد الناصر ليستكمل خطابه)
أيها الرجال:
فليقتلوني. فليقتلوني. فقد وضعت فيكم العزة.. فليقتلوني. فقد وضعت فيكم الكرامة.. فليقتلوني. فقد أنبت في هذا الوطن الحرية والعزة والكرامة من أجل مصر ومن أجل حرية مصر؛ من أجلكم ومن أجل أبنائكم ومن أجل أحفادكم.

والسلام عليكم ورحمة الله.
(يعود عبد الناصر ليستكمل كلامه بانفعال للمرة الثانية)
السلام عليكم.. كافحوا.. واحملوا الرسالة.. واحملوا الأمانة.. من أجل عزتكم، ومن أجل كرامتكم، ومن أجل حريتكم.
يا أهل مصر.. يا أبناء مصر قمت من أجلكم.. وسأموت في سبيلكم.. في سبيل حريتكم، وفي سبيل عزتكم، وفي سبيل كرامتكم.
يا أهل مصر.. أيها الأعزاء.. أيها الكرماء:
أنا فداء لكم، وسأموت من أجلكم.. سأموت من أجلكم.. سأموت من أجلكم.
والسلام عليكم.
(حالة من الصخب والهرج.. الجماهير تريد أن تطمئن على الرئيس فيخرج إليها ويستكمل حديثه إليهم للمرة الثالثة) قائلاً:

أيها المواطنون:
إذا مات جمال عبد الناصر فأنا الآن أموت وأنا مطمئن؛ فكلكم جمال عبد الناصر.. كلكم جمال عبد الناصر.. كلكم جمال عبد الناصر؛ تدافعون عن العزة، وتدافعون عن الحرية، وتدافعون عن الكرامة.
أيها الرجال:
سيروا على بركة الله.. والله يحمي مصر وأبناء مصر ورجال مصر. سيروا.. تمسكوا بالمبادئ، وتمسكوا بالمُثل العليا، لا تخافوا الموت، فالدنيا فانية.
وإننا نعمل لنموت.. نعمل لنموت من أجلكم ومن أجل مصائركم ومن أجل حريتكم ومن أجل عزتكم.

أيها المصريون.. أيها الرجال.. أيها الرجال.. الأعزاء.. الكرماء:
سيروا على بركة الله.. والله معكم.. لن يخذلكم.. لن يخذلكم.
فلن تكون حياة مصر معلقة بحياة جمال عبد الناصر، ولكنها معلقة بكم أنتم وبشجاعتكم وبكفاحكم، فكافحوا، وإذا مات جمال عبد الناصر، فليكن كل منكم جمال عبد الناصر.. فليكن كل منكم جمال عبد الناصر متمسكًا بالمبادئ ومتمسكًا بالمُثل العليا.

أيها الرجال:
سيروا فإن مصر اليوم قد حصلت على عزتها وحصلت على كرامتها وحصلت على حريتها، فإذا مات جمال عبد الناصر أو قتل جمال عبد الناصر فسيروا على بركة الله نحو المجد.. نحو العزة.. نحو الحرية.. نحو الكرامة.
والسلام عليكم ورحمة الله.
(المذيع: تطالب الجماهير خروج الرئيس إليها، ثم يُسمع صوت عبد الناصر يقول: «سيبونى.. سيبونى.. سيبونى..» فيلبي عبد الناصر نداء الأمة التي تهتف: الله معك يا جمال.)
(يخرج عبد الناصر ليستكمل خطابه للمرة الرابعة):
أيها المواطنون:
كنت أتكلم معكم عن كفاحي سنة 30، وفي سنة 30 - يا إخواني - في هذا الميدان.. في هذا الميدان، وكنت أبلغ من العمر اثني عشر عامًا.. جئت إلى هذا الميدان وكنت طالبا في مدرسة رأس التين، جئت إلى هذا الميدان أهتف بالحرية وأهتف بالكرامة، وحاول الاستعمار وأعوان الاستعمار أن يعتدوا علينا وأن يقتلونا، فقتل من قتل واستشهد من استشهد ومات من مات، ونجا جمال عبد الناصر ليحقق لكم العزة وليحقق لكم الكرامة وليحقق لكم الحرية.

أيها المواطنون.. أيها المواطنون:
إذا كان جمال عبد الناصر لم يمت في سنة 30، وكتب له أن يموت اليوم، فإنه يموت مطمئن البال.. مطمئن الضمير؛ لأنه خلق فيكم العزة، وخلق فيكم الكرامة، وخلق فيكم الحرية.
أيها المواطنون:
إنني اليوم.. اليوم بعد 24 عامًا.. لقد اعتدوا عليَّ مع إخوان لي ولكم في هذا الميدان، في سنة 30 اعتدى الاستعمار واعتدى أعوان الاستعمار، ونجوت بعون الله؛ لأحقق لكم العزة وأحقق لكم الكرامة.
واعتدوا عليَّ اليوم، اعتدت الخيانة؛ الخيانة التي ترجو وتطلب أن تكبلكم وتستبد بكم وتستبد بمصائركم.
فإذا كنت قد نجوت اليوم فبعون الله لأزيدكم حرية، ولأزيدكم عزة، ولأزيدكم كرامة.

فليعلم الخونة وليعلم المضللون أن جمال عبد الناصر ليس فردًا في هذا الوطن؛ فكلكم جمال عبد الناصر بعد أن شعرتم بالعزة، وبعد أن شعرتم بالحرية، وبعد أن شعرتم بالكرامة.
إذا مات جمال عبد الناصر اليوم، أو إذا مات جمال عبد الناصر باكرا، فأنا أموت مطمئنا.
لقد كنت منكم وأنا منكم، لقد كنت أتظاهر معكم في هذا الميدان، وأنا اليوم أتكلم إليكم كرئيس لكم، ولكن - يا إخواني - دمي من دمكم، وروحي من روحكم، وقلبي من قلبكم، ومشاعري من مشاعركم.
أيها المواطنون.. أيها المواطنون:
إذا قتلوا جمال عبد الناصر، وإذا قضوا على روح جمال عبد الناصر، وإذا أنهكوا دماء جمال عبد الناصر فإنهم لن يقدروا على أرواحكم أنتم، ولا على قلوبكم أنتم، ولا على نفوسكم الأبية أنتم، ولا على دمائكم الطاهرة أنتم أيها الأحرار.
أيها الرجال.. أيها الرجال:
لقد استشهد الخلفاء الراشدون.. لقد استشهدوا جميعًا في سبيل الله، وإذا كان جمال عبد الناصر يقتل أو يستشهد أنا مستعد لذلك والله في سبيلكم وفي سبيل الله وفي سبيل مصر.
والسلام عليكم ورحمة الله.
(لكن الخطبة لم تكتمل، ولم ينطق عبد الناصر بحرف يجيب به عن تساؤلات الجماهير حول الاتفاقية وما يرونه من عوار بها ـ من وجهة نظرهم ـ وتحول الاحتفال إلى احتفاليه بنجاته وتحولت مشاعر الجماهير إلى التعاطف معه)
***
.. وفي 30 أكتوبر 1954 أقيم احتفال ضخم بنادي ضباط الزمالك نقلته الإذاعة على الهواء، وغنت أم كلثوم أغنية يا جمال يا مثال الوطنية، وقد حرص مذيع الحفل على وصف تمايل الضباط طربًا وترديد الكلمات تجاوبًا مع كلمات الأغنية التي ألفها بيرم التونسي ولحنها رياض السنباطي والتي تقول كلماتها:
يا جمال يا مثال الوطنية
أجمل أعيادنا المصرية
بنجاتك يوم المنشية
ردّوا ردّوا عليَّ
***
بنجاتك ونجاة أوطانك
فرحتنا وحسرة من خانك
خاين غدَّار كان قصده يصيب
وتبات النار في صدر حبيب
القلب المليان وطنية
ردّوا ردّوا علي ردّوا عليَّ
***
واجهت النار بثبات وإيمان
وقفة شجعان ما يوقفها جبان
طلقات النـار عندك أوتـار
توهبها وبنفس أبية
ردّوا ردّوا عليّ ردّوا عليَّ
***
طلقات عديدة سمعناها أخذت قلوبنا وياهـا
كانت يا ما أطولها ثانية
عدينا واحدة والثانية لحد ثمانية
ضربتها عناية إلهية وبقت لك آيــة وطنية
ردّوا ردّوا علي ردّوا عليَّ
الحادث في صحافة القاهرة:
في غداة يوم الحادث صدرت جريدة الأهرام وفي صدر صفحتها الأولى بالعناوين الكبيرة:
• محاولة أثيمة لاغتيال الرئيس عبد الناصر
• عامل من الإخوان يطلق عليه 8 رصاصات في ميدان المنشية
• الرئيس ينجو من الاعتداء ويقول: إنه يهب دمه وروحه في سبيل عزة الوطن وحريته
• القبض على الجاني بعد إنقاذه من ثورة الجماهير واعتقال 3 آخرين من الإخوان

وذكرت الصحيفة أن الجاني يدعى محمود عبد اللطيف محمد، ويعمل سباكا في شارع السلام بإمبابة، وهو في الثلاثين من عمره، متزوج وله ثلاثة بنين وبنت، ووالداه أحياء وقد اعتقلهم البوليس جميعًا في مركز إمبابة للتحقيق.
وكان المتهم ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين ولكنه في المدة الأخيرة كان يذيع أنه تركهم.
وقد وضعت حراسة شديدة على دكانه ومنزله.
وقد عثر في المكان الذي كان يقف فيه الجاني على أربعة أظرف فارغة من عيار 36 ملليمترا، وهي تختلف عن طلقات المسدس الذي ضبط مع المتهم، إذ إن المسدس الذي عثر عليه مع المتهم من نوع «المشط »، الذي لا يلفظ الأظرف الفارغة، وكان المتهم يردد في ذلك الوقت أنه لم يقصد إصابة أحد، وأنه كان يطلق هذه الطلقات « للتفاريح ».

50 سنتيمترا فقط :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وضبط البوليس في جيبه 7 رصاصات، وقد طاشت الرصاصات التي أطلقها على الرئيس، وأصابت المصابيح الكهربائية التي كانت منثورة على المنصة، ولا تبعد عن المكان الذي وقف فيه الرئيس بأكثر من 50 سنتيمترًا

خمسة عشر مترًا:
ــــــــــــــــــــــــــــ
كان الجاني قد احتل مقعده منذ الساعات الأولى لهذا الاحتفال، وهو لا يبعد عن المنصة الرئيسية بأكثر من خمسة عشر مترًا، وكان مرتديًا بذلة قاتمة، ووقف من خلفه اثنان كان أحدهما مرتديا جلبابا أبيض والآخر بذلة قاتمة، أما الثلاثة الآخرون فهم محمد عامر حمادة ويشتغل عاملاً، ومحمد إبراهيم دردير من عمال البحر، والحسيني محمد عرام وصناعته فراش بمنطقة دمنهور التعليمية.

الشاهد الرئيسي:
ـــــــــــــــــــــــــــ
والشاهد الرئيسي يدعى حبيب محمد حبيب وهو فراش في مديرية التحرير؛ إذ كان أول من ألقى نفسه على المتهم وشل حركته، وأقبل بعض رجال البوليس والمخابرات ليقبضوا على المتهم وتحسسوا جيوبه فوجدوا لفة ظن أنها المسدس، ولكن تبين أنها المقذوفات السبع التي عثر عليها.
ومما يذكر أن المتهم كان من ضمن متطوعي حرب فلسطين.

وقد عرف أن المتهم وصل من القاهرة اليوم ونزل بفندق صغير يسمى فندق السعادة بجهة محطة مصر، فقام البوليس بتفتيش حجرته بالفندق، ولكن لم يعثر فيها على شيء يفيد التحقيق.

وتم نقل المتهم إلى نقطة بوليس «شريف»، وظلت الجماهير تحيط بالنقطة في محاولة للانقضاض عليه والفتك به، حتى تم نقل المتهمين في عربة إلى مكان التحقيق في حراسة شديدة من البوليس والجيش.
*أكد الكاتب الإخواني أحمد رائف انها كانت محاولة حقيقية، لا تمثيلية
كما قال ويقول الإخوان، وأدى حديثه الذي نشرته له من مدة جريدة ‘نهضة
مصر’ اليومية المستقلة إلى ردود أفعال متباينة، قال عنها يوم الثلاثاء
في حديث نشرته له ‘الدستور’ وأجراه معه زميلنا صلاح الدين حسن : ‘لم
أتصور أن يلقى هذا الحدث هذا الجدل الواسع والعنيف لا يجب أن يكون
الاختلاف حول وقائع تاريخية رآها البعض من منظورات مختلفة سببا في
إحداث ضغائن إن حادث المنشية لم تقم به جماعة الإخوان بشكلها الرسمي
كتنظيم ولكن قام بها اثنان من الإخوان وعرف بهذا الأمر عدد آخر لا يقل
عن أربعة أو خمسة وتصادف أن هذا العدد الآخر من كبار الإخوان كعبد
القادر عودة ويوسف طلعت ومحمد فرغلي وآخرين مثل أحمد عادل كمال وأحمد زكي
وقد حاول بعضهم وقف تنفيذ هذه العملية إلا أن السياسة العامة عند
الإخوان في ذلك الوقت كان يشوبها شيء من الإضطراب وعدم وضوح الرؤية فيالتعامل مع جمال عبدالناصر ومجلس قيادة الثورة، وكانوا لا يعلمون كيف
يتصرفون معهم كان هناك قطع بعدم اغتياله بقرار من المرشد العام حسن
الهضيبي إن أول من نبهني إلى أن حادث المنشية ليس مفبركا هو حسن
الهضيبي عندما التقيت به في السجن عام 1965 وأضاف ‘ تتبعت خيوط كل من
له علاقة بهذه القصة حتى وصلت إلى أن الإخوان دبروا محاولة القتل فكرة
أنها تمثيلية تستهوى الإخوان حتى تظهرهم بمظهر المجني عليه والمغلوب
على أمره’ ما المشكلة أن أقول نعم هناك واحد من عندي حاول أن يغتال
عبدالناصر، ولكني لم أعطه أوامر بذلك؟! إن محمود عبداللطيف قرر السفر
إلى الإسكندرية قبل الحادث بيوم وأن سعد حجاج زميله في الشعبة قام
بتوصيله لمحطة القطار على أنه سيذهب الى طنطا ليبتعد عن عيون الأمن

التي باتت ترصد الإخوان ولم يخبر أن عبداللطيف اختفى في الإسكندرية حيث
اتجه الى ‘لوكاندة السعادة’ وبدل ملابسه واستراح، وفي تمام الساعة
السادسة نزل للمنشية لكي يضرب جمال عبدالناصر لما علم يوسف طلعت يوم 26
أخذ قرارا بإلغاء العملية وقام بالاتصال بإبراهيم الطيب الذي اتصل
بدوير يطلب منه إلغاءها إلا أنه قال له ‘أنا لا أستطيع إيقاف العملية
واللي حصل حصل’ وكانت الاتصالات في هذا الزمن صعبة’ ويعقب رائف على
صراخ هنداوي دوير يوم تنفيذ حكم الإعدام حيث قال ‘فين جمال عبدالناصر،
احنا متفقناش على كده’ قال رائف: أنا حقق معي وأيضا عادل كمال ومحمود
جامع وكل هذه الأسماء حقق معها بمعرفة الأجهزة الأمنية، وكانت أهم كلمة
يبدأ بها المحقق ‘إننا سنجعلك شاهد ملك ولكن احكي لنا كل شيء بالتفصيل
وهنطلعك من القضية زي الشعر من العجين’

إن سذاجة عملية الاغتيال وبساطتها هي التي دعت الكثير لاعتبارها
تمثيلية الإخوان كانوا ينوون قتل عبدالناصر قبل هذا الحادث بشهرين ولكن
صدر قرار بإلغاء مثل هذه العمليات واستهجن رائف قراءة التاريخ على أساس
الهوى والميل، مشددا على انه لا يقرأ إلا على أساس التجرد وذكر
الحقائق، بعيدا عن الخصومات السياسية ودلل رائف على ذلك بأن محمد نجيب
الذي يتعاطف معه الإخوان الآن كان يكره الإخوان خلافا لعبد الناصر

وقال: كان نجيب يشرب الخمر فلما سئل عن سبب كراهيته للإخوان قال ‘إنتم
عايزين الإخوان ييجم يمنعو الخمر ويقول لنا قال الله وقال الرسول’ وفجر
رائف مفاجأة من العيار الثقيل بقوله إن حسن البنا كان مشروعه الأساسي
الانقلاب العسكري في مصر وتحويل مصر من ملكية إلى جمهورية ولذلك أنشأ
أكثر من تنظيم سري واحد في الجيش بقيادة الصاغ محمود لبيب والثاني في
الشرطة بقيادة صلاح شادي وآخر مدني يرأسه عبدالرحمن السندي إضافة إلى
هدفه وهو محاربة المستعمر في مصر وفلسطين ويضيف رائف أن البنا كان يرى
أنه يجب أن تتحول الجماعة كلها إلى نظام خاص، وكان يسير في هذا الاتجاه
فالرجل كانت سنة صغيرة وكانت خبرته السياسية ليست كبيرة وكان لا يعلم
أن إنشاء مثل هذه التنظيمات السرية من شأنها أن تتمرد عليه وتتصرف وفق
هواها’
…………………………………………………………………..
في إطار مراجعتها أعمال العنف والأفكار المتشددة من النظم الحاكمة
أصدرت الجماعة الإسلامية بيانًا عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر
بمناسبة ذكري ثورة يوليو كتبه قيادي الجماعة ناجح إبراهيم بعنوان
الرئيس عبدالناصر في فكر داعية الذي قال فيه إن ناصر له كإنسان له
إيجابياته وسلبيته إلا أنه استطاع من خلال جهوده الحثيثة تحرير القرار
الوطني المصري واستقلاله بحيث يكون نابعًا من الإرادة المصرية الخالصة
ويصب مطلقا في مصلحة مصر كما تصورها عبد الناصر وقتئذ، وأضاف أن
عبدالناصر عمل علي إقامة العدل الاجتماعي بين الناس وانحاز للطبقات
الفقيرة وحاول إنصافهم ورفع شأنهم وتعليم أولادهم بالمجان فهو حاول
إقامة العدل الاجتماعي حسب المفهوم الذي اقتنع بأنه الأفضل والأحسن.
وقال إبراهيم إن مما يحسب للجماعة الإسلامية بعد مراجعتها الفكرية أنها
تخلصت من أسر نظرية المؤامرة في تفسير وتحليل الأحداث التاريخية ولذا
كان لزامًا علينا النظر والتفكير من جديد في أمر الرئيس عبد الناصر
ودراسة تاريخه مع الإخوان دراسة عميقة بعيدًا عن نظرية المؤامرة التي
شاعت في الحركة الإسلامية طويلا ً.

وقال: إن السجن أتاح له ولقيادات الجماعة الإسلامية مقابلة عدد كبير من
صناع الأحداث في مصر من الإسلاميين وغيرهم الذين عاشوا فترة
الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، وقال إنه استمع منهم مباشرة ودون
وسطاء عن حقيقة الأحداث والشخصيات وتفاعلها مع بعضها وأنه تبين له أن
الرئيس عبد الناصر لم تكن له خصومة مع الإخوان من قبل بل إنه حل كل
الأحزاب والتنظيمات السياسية وأعاد جماعة الإخوان لمشروعيتها القانونية
وبهذا أعطاها قبلة الحياة من جديد بعد سنوات عصيبة ومع ذلك فقد حاول
النظام الخاص وهو الجناح العسكري للإخوان بمحاولة قتل عبدالناصر في
حادث المنشية الشهير وذلك دون استئذان من المستشار حسن الهضيبي مرشد
الجماعة آنذاك الذي يصفه بأنه ” كان يكره العنف وكان علي خلاف مستحكم
مع أجنحة كثيرة في النظام الخاص”.

وقال إبراهيم إن كل ما يقال عن أن حادث المنشية تمثيلية يعد انطلاقا من
نظرية المؤامرة التي نسبت إلي الحكومات والمخابرات المصرية أيضا قتل
الذهبي وقتل السادات وأحداث الفنية العسكرية وغيرها.
وأضاف أن تنظيم سيد قطب للإطاحة بنظام عبد الناصر تنظيم مسلح
حقيقي..وقد أقر بذلك الشهيد سيد قطب وتلاميذه في أكثر من مناسبة.. ولكن
التنظيم ضبط في أولي مراحل تكوينه وتسليحه.. ولكن المشير عامر والمباحث
الجنائية العسكرية ضخموا من خطره ليوهموا عبد الناصر بأنهم حماته
الحقيقيين.. وليكتسبوا مزيدًا من ثقته.

وقال إبراهيم أنه مر بثلاث مراحل في علاقته ومشاعره تجاه الرئيس جمال
عبد الناصر الأولي كانت الإعجاب الشديد بالرئيس عبد الناصر والحب
الشديد له حتي إنه مشي في جنازته وهو طالب في الثانوية بينما زال
الإعجاب عند انتمائه للحركة الإسلامية وذلك بعدما سمع من دعاة وعلماء
الإخوان ما صنعه عبد الناصر بالإخوان خاصة والإسلاميين عامة.
والمرحلة الثالثة والتي يصفها بمرحلة الدراسة الشاملة والتبصر العميق
داخل السجن والتي تعرف فيها علي إيجابيات ناصر بعيدًا عن الثقافة غير
الموضوعية السائدة في المجتمع..
كشف خليفة عطوة المتهم السادس في محاولة اغتيال الزعيم الراحل جمال عبد
الناصر عن أسرار محاولة اغتيال “الإخوان المسلمين” للرئيس الأسبق في
عام 1954 فيما تعرف تاريخيا بـ “حادثة المنشية”، بدعم من محمد نجيب،
أول رئيس لمصر بعد الإطاحة بالحكم الملكي، بعد أن تعرض للعزل في ذلك
العام بقرار من مجلس قيادة الثورة.

وروى قصة انضمامه لجماعة “الإخوان” في فترة الأربعينيات
عندما كان يحضر دروس الشيخ حسن البنا مؤسس الجماعة، التي كان يلقيها في
قريته، مضيفا أنه في إحدى المرات، وكان ذلك في العام 1940 جلس طويلا
أمامه يناقشه ويحاوره وهو في عمر 7 سنوات، فأعجب به وضمه إلى فريق
الكشافة التابع لـ “الإخوان”.
وأوضح أنه في تلك السن المبكرة انضم إلى الجماعة التي كانت ترفع وقتها
شعار: “الله أكبر الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا”، وأنه
في معسكراتها “تعلمت الرماية، وتم اختياري للتدريب تحت قيادة الصاغ
صلاح الدين أبو شادي، وكانوا يعلموننا مبدأ كل ما تقع عليه يدك فهو ملك
لك”.
وقال إن أول ظهور للتنظيم السري للإخوان كان عام 1944، حيث بدأنا تكوين
مجموعة الخلايا العنقودية المسلحة وكل خلية مكونة من زعيم وأربع أفراد،
وكل خلية لا تعرف الأخرى، وبدأنا بالعمل المسلح باغتيال أحمد ماهر باشا
عن طريق محمود العيسوي، ثم قام عبد المجيد أحمد حسن، باغتيال محمود
فهمي النقراشي عام 1946، وفي عام 1947 تم اغتيال المستشار أحمد
الخازندار رئيس محكمة استئناف القاهرة.
لكن ووفق رواية عطوة، حدث تغير في فكر التنظيم السري للإخوان بعد قيام
اللواء صالح حرب شقيق طلعت حرب بإنشاء جمعية الشبان المسلمين، ونجح في
استقطاب الشباب المتحمس وقتها للعمل ضد القوات البريطانية في معسكراتها
بمنطقة القناة.
وكشف عن اتصالات سرية تمت بين “الإخوان” ومحمد نجيب، عندما طلب منهم
الأخير أن يساعدوه في التخلص من عبد الناصر بعد توقيع اتفاقية الجلاء
عام 1954 ومكافئته “الإخوان” الدخول في الحكومة بمشاركة الأحزاب الأخرى.
وتابع عطوة: “إثر ذلك، صدرت تعليمات بتنفيذ مهمة عاجلة وتم تقديم
مجموعة انتحارية تتكون من محمود عبد اللطيف وهنداوي سيد أحمد الدوير
ومحمد علي النصيري، حيث كان مخططا أن يرتدي حزاما ناسفا يحتضن عبد
الناصر وينسفه إذا فشل محمود عبد اللطيف في الضرب، وأنا وأنور حافظ على
المنصة بصفتنا من حراس الثورة، ونقوم بتوجيه محمود عبد اللطيف والإشارة
له بتنفيذ خطة اغتيال عبد الناصر”.

وأوضح أنه هو من أعطى شارة البدء لمحمود عبد اللطيف ببدء الهجوم، عندما
كان عبد الناصر يخطب في المنشية بالإسكندرية، في يوم 22 أكتوبر 1954،
لكن المحاولة أخطأت هدفها، حيث مرت أول رصاصة، من تحت إبط عبد الناصر،
واخترقت الجاكيت العسكري الواسع الذي كان يرتديه، واصطدمت بقلم حبري في
جيبه ونجا منها بمعجزة، بينما مرت الرصاصة الثانية بجواره من بين كتفي
جمال سالم وعبد الحكيم عامر، واستقرت في رأس الميرغني حمزة زعيم
الطائفة الختمية بالسودان وأحد ضيوف الحفل ليلقى مصرعه في الحال.
وتابع، قائلا: في ذلك الوقت حدث شيء غريب حيث اندفع جمال عبد الناصر
إلى سور المبنى للإمام بدلا من أن يختبئ، وصرخ فيهم ليبقى كل في مكانه،
وهنا وبطريقة عفوية واستجابة لا شعورية لهذه الشجاعة وجدت نفسي احتضن
عبد الناصر وأنا وأنور حافظ شريكنا في الخطة وأخذت ألوح لمحمود عبد
اللطيف أن يتوقف عن الضرب، وكان يتسلق وقتها تمثال سعد زغلول الموجه
لشرفة مبني بورصة القطن.
لكنه – والكلام له- واصل إطلاق النار حيث أطلق رصاصة أصابت كتف أحمد
بدر سكرتير هيئة التحرير في الإسكندرية فأدت إلى وفاته، وأطلق بقية
الرصاصات في النجف والصيني الموجود في السقف وأمام المنصة، بعدها نزل
عبد الناصر وتوجه ونحن برفقته إلى جامعة الإسكندرية لكي يواصل خطبته.
في هذا الأثناء، تم القبض على عطوة وزميله أنور بواسطة البوليس الحربي،
واستطرد: “عرفنا أن هنداوي دوير المشرف على العملية عندما علم بفشل خطة
اغتيال ناصر ذهب بخبث شديد كشاهد ملك إلى قسم باب شرق الإسكندرية وأبلغ
عنا وتم تقديمنا للمحاكمة العسكرية وحكم علينا بالإعدام 17 نوفمبر من
نفس العام”.
لكن تم تخفيف العقوبة عنهما بعد أيام من صدور الأحكام في القضية، حيث
يقول “بعد 15 يوما من السجن أبلغونا أن عبد الناصر أصدر قرارا بتخفيف
العقوبة إلى 25 سنة”، وأضاف “بعدما أخبرونا بتخفيف العقوبة أخذوني أنا
وأنور وفي أيدينا الحديد من السجن داخل سيارة جيب فوجئنا بوقوفها أمام
مبنى قيادة الثورة”.
ووفق رواية عطوة، “دخلنا المبنى وسرنا في ممر طويل ووقفنا أمام غرفة،
وأمرنا الضابط المرافق لنا أن ننتظر قليلا أمام الغرفة ثم أمرنا بدخول
غرفة شبه مظلمة ويوجد بها منضدة حولها كراسي ومكتب في احد الأركان عليه
أباجورة ضوءها خافت، ولم يكن هناك بها سوى بها شخص يرتدي الزي العسكري
يتفحص عشرات الصور أمامه، ولا ينظر إلينا، ونحن واقفين أمامه”.
وقال إنهما ظلا على هذه الحالة لأكتر من 10 دقائق من الانتظار “إلى أن
اكتشفنا أن الضابط الجالس على المكتب هو جمال عبد الناصر بعدم رفع رأسه
وأخذ ينظر إلى الصور، ويسألنا هل أنت فلان وأنت فلان هل كنتما فعلا
مكلفان باغتيالي. لقد قرأت أقوالكم في محاضر التحقيق وجلسات المحكمة”.
وأشار إلى أنه خلال حديثه معهما سألها عن الدوافع الحقيقة للاشتراك في
عملية اغتياله، “فأجبنا بصوت مرتعش: يا فندم فهمونا إنك خائن بتوقعيك
معاهدة الجلاء”، وقال إنه ظل يستمع إليهما في صبر وسكون حتى النهاية،
وعندما انتهيا بدأ في الكلام وحوله دوافعه وتكتيكه من وراء توقيع
الاتفاقية، وبعد لحظات أمر بإحضار عشاء لهما، وكان عبارة عن سندوتشات
فول وطعمية.

وأوضح “تناولنا العشاء ونحن نرتعش من الذهول أمر ناصر الضابط بأن
يأخذنا وسارت بنا السيارة في شوارع القاهرة، وكنا نظن أننا عائدين
للسجن الحربي، لكن وجدنا أنفسنا في محطة قطارات الزقازيق، وصاح فينا
الضابط: انزل إنت وهو لقد أصدر الرئيس جمال عبد الناصر أوامره بالإفراج
عنكم”.

وفي اليوم التالي خرجت الصحف لتحكي قصتهما وخبر الإفراج عنها، وكيف
تحولا من مشاركين في محاولة اغتيال عبد الناصر إلى حماة له وتصديا
لرصاصات زميلهما محمود عبد اللطيف.
لكنها لم يكن اللقاء الأخير لهما مع عبد الناصر، ففي يوم ظهور نتيجة
البكالوريوس الخاصة بهما فوجئا بسيارة “بوكس” تقف أمام منزليهما
لتأخذهما إلى مقر مجلس الثورة بالجزيرة ودخلا الغرفة نفسها التي دخلاها
في المرة الأولى، حيث وجدا عبد الناصر الذي هنأهما بالنجاح ودق الجرس،
وجاء علي صبري سكرتيره وطلب منه أن يعملا معه في السكرتارية الخاصة
بالرئيس.!!