حمدي رزق
التمترس فى خانة الرفض، وتصدير الرفض فى كل مناسبة وبدون مناسبة، لن يبنى جدارًا، يهدم كل الجدران، الرفض لمجرد الرفض يساوى هدمًا، والبناء يحتاج إلى تبصر، ورؤية أعمق وأشمل لاعتبارات وطنية حرجة تستنهض همم الوطنيين معارضين ومؤيدين.

الحوار السياسى البَنّاء بين الموالاة والمعارضة يمد جسورًا تذهب بنا إلى ما نصبو مستقبلًا، الرفض المستنير مهضوم فى سياق التداول السياسى، ولكن من غير المهضوم أن يكتفى المعارضون بالرفض الأعمى باعتباره غاية المُنى ونهاية المطاف وليسجلوا أسماءهم على حوائط الرفض الفيسبوكى بافتخار يعجب الشطار.

مصر لم تعدم معارضين وطنيين نجباء، يعارضون على أرضية وطنية، ويطرحون رؤية وطنية، ويقفون موقفًا منصفًا من وطنهم، الذى يحتاج إلى المعارضة الوطنية تمتينًا للحكم، وتثبيتًا للدولة، ولرسم صورة لمصر مغايرة للصورة التى يرسمها الإخوان والتابعون فى فضائهم التركى.

مغادرة مرحلة «شبه الدولة» سياسيًا تستلزم عملًا معارضًا جادًا، يستوجب أن نخوض غمار هذه المرحلة، نتأهل لهذا الدور من التنافسية السياسية الجادة، ومَن يجد فى نفسه أهلية سياسية فلْيَخُض غمار معركة الوطن بأجندة وطنية خلو من أى تحزُّبات تنفى الآخر، الأوطان لا تنبنى على ثأرات سياسية مزمنة، ما ضاع من عمر الوطن فى احتراب يستوجب تعويضه بحوارات وطنية على أرضية وطنية وبأجندة وطنية.

سنوات الإعمار فى عمق البنية التحتية للدولة المصرية تمر بنجاح موثَّق، لماذا يقف منها نفر من المعارضين موقف الرافضين، دون رؤية وطنية بديلة، دون تبصُّر للمخاطر التى تحيط بالدولة المصرية، موقف هذا النفر يحتاج إلى مراجعة وجوبية.

معارض تعنى موقفًا وليس صفة ولا مهنة يمتهنها البعض، ولا يغادرها إلى موقف أكثر إنصافًا من قاعدة الرفض التام أو الموت الزؤام، نطمح إلى معارضة وطنية، تبنى مواقفها على أجندة وطنية، معارضة بَنّاءة، تصب فى إناء الوطن، لا تبخ فى آنية مسمومة.

احتفاء قنوات رابعة التركية بمواقف نفر من المعارضين خليق بأن يفكروا فيما يقولون، هل هذا فى صالح وطن ينتمون إليه؟، مراجعة المواقف باتت ضرورة وطنية، المعارضة الحقيقية أعمال سياسية شاقة، ليست نزهة خلوية، أو تفكُّهًا سياسيًا، أنا معارض أنا رافض، وكل هذا العالم من حولى لا أحد، لا محل لها من الإعراب السياسى.

نظرية الخيار صفر، إما نحن وإما هم، هذا خذلان لشعب عنده أمل، وانتظار ثورة جديدة يُكبِّل المعارضة الرشيدة، المعارضة عمل سياسى تراكمى، والمعارضة على أرضية وطنية تُحترم، ويلزم تشجيعها، وإنصافها وجوبيًا، ويستوجب الأمر التمييز بينها وبين المعارضة على أرضية تركية بتمويلات قطرية ومخططات استخباراتية.
نقلا عن المصرى اليوم