محمد حسين يونس
لا أعتبر ما جاء في الأجزاء الأولي من كتب إبن إياس .. تاريخا .. بقدر ما هو حواديت تناقلها العرب عن مصر و المصريين .. و لكنها حواديت ذات معان تستطيع أن تستشف منها الكثير .

يحكى عن خالد بن يزيد أنه بلغه أن عمرا قدم الى بيت المقدس للتجارة فى نفر من قريش .. وكانت الجماعة ترعى ابلها خارج المدينة فى نوبات بينهم ... فى يوم شديد الحرارة كانت نوبة الرعى على عمرو عندما مر عليه شماس رومي من الإسكندرية قدم للصلاة في بيت المقدس . فخرج يسيح بين شعابها فضل الطريق و أصابه العطش فسقاه عمرو من قربة له حتى روى ونام.

من حفرة بجوار مرقد الشيخ خرجت حية ضخمة ((فبصر بها عمرو فنزع لها بسهم قتلها )) . عندما استيقظ الشماس و رأى الحية أقبل على عمرو فقبل رأسه وقال (( قد أحيانى الله بك مرتين )) .

أراد الشماس أن يكافئ عمرو فسأله (( أرأيت دية أحدكم بينكم كم هى ؟ )) عندما عرف أنها مائة من الإبل أى ما يوازى ألف دينار وعده ان هو تبعه الى الإسكندرية أن يمنحه ديتين أى ألفى دينار .

فى ذلك الوقت كان أقصى ما يصبو إليه عمرو من رحلته الى بيت المقدس وتجارته أن يربح ما يكفى لشراء بعير جديد يضيفه الى بعيريه فجاء عرض الشماس شديد الإغراء بحيث تبعه مع آخر (( الى مصر حتى انتهى الى الإسكندرية فرأى من عمارتها وكثرة أهلها وما بها من الأموال والخير )) ما جعله يقول (( ما رأيت مثل مصر قط وكثرة ما بها من أموال ))...

ثم أن الشماس أوفى بوعده بعد أن جمع من أهل الإسكندرية قيمة الديتين و أكرم عمرو ومن معه ثم صحبهما الى الحدود بحيث ((عرف مدخلها ومخارجها )) وعاد الى بيت المقدس يحمل بين يديه ثروة قال عنها (( وكان هذا أول مال اعتقدته وتأثلته )).. فلازال حلاوة طعمه فى فمه حتى قاد جيوش العرب بعد ذلك متخطيا العريش ومعه أربعة آلاف مقاتل وقيل بل كانوا (( ثلاثة آلاف وخمسمائة )) لا يواجهه الا مقاومة يسيرة حتى وصل الى بلبيس (( فقاتلوه بها نحو شهر حتى فتح الله عليه ... )).

ثم مضى فى طريقه لا يدفع الا بالأمر الهين أى لا يعطل زحف جنوده شىء حتى أتى أم دنين ( قرب ميدان رمسيس الآن ) فقاتلوه بها قتالا شديدا و أبطأ عليه الفتح فكتب الى عمر يستمده فأمده بأربعة آلاف إتمام ثمانية آلاف فقاتلهم....فسار عمرو بمن معه حتى نزل عن حصن فحاصرهم ..

(( .. إن عمرو ابن العاص حصرهم بالقصر الذى يقال له : بابليون حينا وقاتلهم قتالا شديدا يصبحهم و يمسيهم .. فلما أبطأ الفتح عليه كتب لعمر بن الخطاب يستمده ويعلمه ذلك فأمده عمر بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم رجل مقام الألف : الزبير بن عوام و المقداد بن عمرو وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد وقال عمر : اعلم أن معك اثنى عشر ألف ولا يغلب اثنا عشر ألفا من قلة ))

((فلما أبطأ الفتح على عمرو قال الزبير : انى أهب نفسى لله أرجو أن يفتح الله بذلك على المسلمين .. فوضع سلما الى جانب الحصن من ناحية سوق الحمام ثم صعد و أمرهم إذا سمعوا تكبيرة أن يجيبوه جميعا )).

((فلما اقتحم الزبير وتبعه من تبعه وكبّر و كبّر من معه وأجابهم المسلمون من خارج لم يشك أهل الحصن أن العرب قد اقتحموا جميعا فهربوا فعمد الزبير و أصحابه الى باب الحصن ففتحوه ... ))

عمرو بن العاص بعد اقتحامه حصن بابليون وهروب المقوقس الى جزيرة الروضة دعاه الى ثلاث خصال (( ليس بينى وبينك إلا ثلاث خصال إما تدخل الإسلام و إما تعطى الجزية وتكون آمنا على نفسك من القتل و إما تقاتلنا ونقاتلك )).

قال المقوقس لمن حوله
(( أطيعونى و أجيبوا القوم الى خصلة من هذه الثلاث أما دخولكم فى دينهم فلا أمركم به .. و أما قتالكم فأنا أعلم أنكم لن تقووا عليهم و لا تصبروا صبرهم ولكن افعلوا الثالثة )).

قالوا : (( أفنكون لهم عبيدا ؟ )) رد ((نعم تكونوا عبيدا أنتم و أولادكم الى أن تموتوا عن آخركم )) .

وهكـــــــذا
فرضت الجزية الفردية والجماعية على ثمانية آلاف ألف إنسان غير الروم ..كما حدد ابن الحكم أى حوالى ثمانية ملايين نسمة استبد بهم اثنى عشر ألف عربى و كانت دينارين على كل رأس من القبط ثم ثلاثة دنانير فى عهد معاوية ((هى كل ما كان يمكن للفقير أن يدخره فى عام .))

((ثم جاءت الأخبار بأن ملك الروم أرسل عسكرا عظيما فى البر والبحر فلما سمع ذلك عمرو خرج إليهم بمن معه من العربان فتلاقوا فى الكريون ...... فلم تكن إلا ساعة وقد فتح الله على المسلمين بالنصر على عساكر الروم فقتل فى ذلك اليوم من عساكر الروم ما لا يحصى عددهم )).

بعد ذلك بتسعة أشهر فتحت الإسكندرية قال بن الحكم ((وكان فتح الإسكندرية عنوة بغير عهود ولا صلح )) .

ذكر بن الحكم عن عن عن ((لما فتحنا مصر بغير عهد قام الزبير بن العوام فقال (اقسمها يا عمرو ) فقال عمرو ( والله لا أقسمها حتى أكتب لأمير المؤمنين ).

حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن عن عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن (( أن عمرو بن العاص فتح مصر بغير عهد ولا عقد و أن عمر بن الخطاب حبس درها وصرها أن يخرج منه شئ نظرا للإسلام وعهده)).

ومنذ ذلك اليوم أصبحت مصر ولاية كالوقف الذى يصرف من ريعه على الإسلام وعهده أو بكلمات أخرى الممول الرئيسى لبيت المال بخراجها ودرها وصرها ... صدق ما تريد .. و إستنتج ما تريد .. و لكن هذا ليس تاريخا بقدر ما هو حواديت ... و((باكر حدوته أخرى )).