حنان مفيد فوزي
«البُلطى الطازة على قشره يا ناس 100 وردة قاعدين حُراس ف الشبكة ومنين بتاكل ياخى إيه ده، الكيلو منه بـ70 ومعاه البورى الصاحى، لا تقولى كورى ولا سورى، المصرى يوكل ولا يُعلى عليه بـ90 جنّى». هكذا كان ينادى عم سلامة من طلعة الشمس وهو يحمل قفف السمك العمرانة بخير البحر على أمل إن حد يبل ريقه بشروتين تلاتة، قائلاً له: «سلامة.. سلامة، إحنا هنا يا سلامة»، لكن وا آسفاه على وقت ضاع في الفصال والمناهدة مع خلق الله الذين اشتهوا وتنكروا في نفس ذات الوقت: «السمك صاحى لكن سعره حرااااق»،

فرد عليهم: «ما هو الغالى تمنه فيه والغاوى ينقط من جيبه» لكن أحداً لم يبادر بل نقطوه بسكاتهم حتى توقفت سيارة فارهة سوداء اللون من بتوع أيام الانفتاح ونزل منها باشا عليه الهيبة وراح يسأل عم سلامة: «بكام كيلو السمك يا عم سلامة» فأجابه على الفور دون أن يزايد، فأعطاه الرجل في الحال ثمن كل ما عنده من سمك، فتهلل سلامة وشكر المولى على نعمته وذهب ليضع السمك في سيارة البيه الباشا وعندها استوقفه الرجل قائلاً: «بتعمل إيه يا راجل يا طيب السمك ده مش عشانى، إنما لحبايبك، أمانة عليك توزعه على كل اللى يشتهيه». فاندهش عم سلامة من كرم وسخاء الرجل، قائلاً: «يا سعادة البيه الأستاذ، خيرك سابق وزايد حتة، لكن الناس ما هتصدق ويمكن يقطعوا بعض على اللقمة»، فابتسم الرجل وقال: «أنا ليا نظرة في المسألة دى، يمكن الناس لما تلاقى المستحيل بقى متاح يرتاحوا ويشبعوا وماحدش يشتكى من مر الحال، إنت بس نادى وقول السمك الطازة أبوبلاش مستنى الأكيلة والغالى مبقاش له لزمة ولا حيلة». فأطاع عم سلامة أمر الباشا وأخذ يتجول في الحوارى والأزقة مناديًا: «أبوبلاش يا سمك، يا حلو يا مرطرط» فتطل الخلق من الشبابيك والبلكونات وتسابق كل منهم في البرطمة على عم سلامة ووصفوه بالمحتال قائلين في نفس واحد «يا راجل يا شايب يا عايب يابو ذمة أستيك عايز تلبسنا سمك بايظ شارب حر النهار كله لا منه فايدة ولا فيه الرجا وتقول ببلاش،

هو فيه حاجة ببلاش اليومين دول، ده ناقص الهوا اللى بنتنفسو يبقى بفلوس، غور من هنا إنت وأبوبلاش» ليصرخ عم سلامة مجدداً ومؤكداً: «يا خلق يا هو، نفسكو كانت رايحة للسمك وهو غالى ولما صبح ببلاش بقى ما يعجبش، عجبت لك يا زمن». وما العجب في ذلك يا عم السلامة، فمن باع الثمين بلا ثمن، اشترى الرخيص بأغلى ثمن، هذا حال البنى آدميين، يشتكوا مُر الشكوى من غلو الأسعار ويحلفوا بالأيمانات كلها ألا يقتربوا ناحية مشتريات بعينها ويعلنوا المقاطعات لمدة 24 ساعة وبعدها ينزلوا يشتروا كل الذي قاطعوه عادى جداً، هذا داء البشر في كل زمان، ينفضوا للرخيص ويجروا بالمشوار ورا الغالى على أساس إن الغالى تمنه فيه مع إن لا شىء يضمن لك إن الغالى تمنه فيه، ووارد جداً إنه يكون غالى ع الفاضى ولا يستحق تمنه في حين إن الرخيص سداد ويعيش، بكل أسف هذه آفة نظرتنا ونظرياتنا في الحياة والمرتبطة ارتباط وثيق بقانون الأثمان من أول المنتجات لحد البشر، كل شىء أصبح له سعر ويخضع لقانون العرض والطلب وبالتالى بنعمل حساب لغير المتاح بنفس الدرجة التي نتجاهل بها الموجود، إذن المشكلة مش في غلو الأسعار ولا في جشع التجار ولا في مراجيح الدولار، المعضلة في منهج تقييمنا للمحيط، إذا تم تعديله بما يتناسب مع مبادئنا التي تربينا عليها وكانت سلو أخلاقنا زمان فإن كل الأشياء سيعاد تشكيلها وهيكلتها بما يواكب قدراتنا.. قول آمين يا عم سلامة.
نقلا عن المصرى اليوم