عادل نعمان
ولو أننا قد قررنا عدم الخوض فى هذا المضمار، إلا أن بيان الأزهر الأخير حول الحجاب الصادر من مركز الأزهر العالمى للفتوى تحت عنوان (الحجاب فرض بنص القرآن)، قد حفزنى للرد، وقد يكون الرد ليس فى صميم الموضوع، فقد مللنا الحديث عن عدم فرضية الحجاب، بل فيما دار حوله، وربما نعرج إليه قليلاً، على أنى لدى ظن أرجو أن يخيب، إن سبب هذا الحرص الشديد من كل الفرق الإسلامية على ارتداء المسلمات الحجاب، لحكمة ليست بالغة، وكأنه عمود الخيمة للدين، ينهار بانهياره، وهو فرع الفرع وليس أصلاً من الأصول، ليس إلا الخوف من ضياع الهيبة والصدارة، وانهيار بناء ضخم يعجزون عن بناء غيره، ولا يقيمون سواه، بناء هش إلا أنه المأوى والسبيل، ولو كانوا أحرص على العلم والعمل والنظافة والنظام حرصهم على الحجاب، وكانت الدعوة مثله للمروءة والشهامة والمحبة والسلام والشرف والأمانة، لكان لنا شأن آخر، ومكانة أخرى فى العالم، غير هذا الزى المنتشر حتى لدى الأطفال فى المدارس والبيوت وكأنهم ملكوا الدنيا وما فيها، وخابوا ومال بختهم دون خلق الله، فى العلم والعمل وغيرهما، حتى النظافة وهى من الإيمان، فكنا كمن حرث ولا حصد، وكمن يتباهى ويزهو بخلفته الوفيرة من العواطلية والمتحرشين وقليلى الرباية والأدب، فما أضاف الحجاب ولا زادنا عفة ولا شرفاً، ولا حفظ المرأة ولا رعاها، بل أصبحنا فى مقدمة الأمم فى التحرش والتنمر، والعبرة يا سادة بالنتائج والخواتيم، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، ولو كان فى هذه التقوى مخرج لنا من الفقر والحاجة، لكنا بحجابنا وصلاتنا وحجنا أسعد حظاً وأوفر نصيباً وصحة ومالاً، وكنا أحق من كل هؤلاء الكفار كما يزعمون.

وما حيرنى فى البيان سؤال عن الآية (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) ولماذا لم يبدأ بيان الأزهر الآية من أولها كما كانت، وهى بداية الموضوع وسياقه الطبيعى، وبدايتها (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) ثم تبعها بالمؤمنات، فإذا كان حجاب المرأة السبيل والمانع والحائل لغض بصر الرجل، وتحويله عنها، فلماذا لم يأمر الله بالحجاب للمؤمنين من الرجال أيضاً، لتغض النساء النظر عنهم وتحويله عن الرجال، طالما العلة فى الحالتين واحدة؟

أما موضوع الفطرة والحجاب كما جاء فى البيان (هذا الزى الذى تستر به مفاتنها عن الرجل، لم يكن إلا ليحافظ به على فطرتها).. ولا أعرف العلاقة بين الحجاب والفطرة، وإذا كان المقصود بالفطرة الخلقة (بكسر الخاء، أو الصبغة بكسر الصاد)، أو إذا كان المراد فطرة الجسد على الجمال والكمال الذى خلقه الله، أو إذا كان القصد الابتداء والخلق الأول للأشياء، أو إذا كانت الفطرة هى الطبع السوى، فإذا كانت واحدة منها أو كلها، فلا علاقة بالتعريفات السابقة بالحجاب، وكل منها فى طريق، فإن الصورة التى خلق الله بها الإنسان على هيئته أقرب إلى الفطرة من أى تعريف منها، ولو كانت غير ذلك لسترها الله من يوم مولدها بصورة أو بأخرى فبيده الخلق والأمر، أما لو كان هذا التعريف الجامع لعلماء الاجتماع، وهو «مجموع الاستعدادات والميول والغرائز التى تولد مع الإنسان دون أن يكون لأحد دخل فيه»، فأين موقع هذا الحجاب من الفطرة حين كان المجتمع المصرى من أوله لآخره قبل المد الوهابى سافراً وكاشفاً؟ ولماذا لم تستدل الفطرة عليه أو يستدل الحجاب عليها؟ ولماذا لم يتقابلا إلا فى ميدان الجهاد الأفغانى؟ وهل كانت الفطرة فى حاجة إلى جرس الوهابية وأموالها؟

أما عن التحذير وكف الألسن عن أمور لسنا أهلاً لها، فإن الدين يا سادة ديننا جميعاً، نزل على النبى الأمى، وتلقاه عنه الصحابة دون علم أو حتى القراءة والكتابة عند معظمهم، وأخذناه عنهم بالقبول، ولم تكن السيدة عائشة التى أخذنا منها نصف ديننا تقرأ أو تكتب، بل إن فى ديننا من يحرض على عدم تعليم المرأة، وكان الإمام الأعظم أبوحنيفة يعمل فى التجارة ويدرس أمور الدين، والإمام أحمد بن حنبل كان يعمل من كد يده «بالأجرة» وتعلم وبحث، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يحذر عالم من العلماء سيد قطب وهو ليس أزهرياً أو دارساً بالأزهر، خريج دار العلوم قسم الآداب، وعمل كاتباً وشاعراً وأديباً وصحفياً، يغطى أخبار الممثلين والممثلات وكان لكتابيه معالم على الطريق وفى ظلال القرآن ومقالاته ودراساته بالغ الأثر فى التطرف الذى نعيشه، ومحمد بن عبدالوهاب راعى الإرهاب الأول لم يحذره أحد من جهله وقد ملأت أفكاره المتطرفة الدنيا من شرقها وغربها، فقد درس أمور دينه على يد شيخ واحد فقط، ولم يتعلم رواة الأحاديث وأئمة المذاهب فى مدارس أو معاهد، بل درسوا وعلموا أنفسهم، وهو أمر متاح للجميع وأسهل مئات المرات.

وأخيراً، وباختصار، الحجاب الذى نزل فى آيات القرآن الكريم ليس هو الحجاب الذى نراه الآن، ولو كان كذلك، فهو خاص بنساء النبى دون غيرهن، «ونراجع قصة صفية بنت حيى» أما الجيوب فهى فتحة الصدر، وكانت واسعة تكشف صدر النساء، وكأن الأمر تحويل الخمار من إسداله على ظهر المرأة إلى صدرها لتغطيته، وعلى أى الأحوال الزى كان تمييزاً اجتماعياً لنساء المسلمين كما كانت اللحية تمييزاً لرجالهم، ولو كان الحجاب لعفة أو لغض البصر، فلماذا لم يشمل هذا الأمر جوارى وإماء المسلمين، ومنهن مسلمات، وكن يتجولن فى البيوت والشوارع كاشفات الصدور والأفخاذ، وعورتها شرعاً كعورة الرجل من السرة حتى الركبة، وكن أجمل وأفتن من نساء العرب، ويبعن فى الأسواق هكذا، ومن يشترى جارية من رجال المسلمين يتحسس مواضع العفة واللحم فيها، فهل غض البصر كان مقصوراً على نساء المسلمين فقط؟ أو أن جمال وفتنة الإماء والجوارى لا تثير شهوة رجال المسلمين؟

رفقاً بالقوارير، ستعود مصر حلوة مستقلة، ونغلق الباب.
نقلا عن الوطن