جورج إسحق
أثار كمال نجيب، كلية التربية جامعة الإسكندرية، موضوعًا شديد الأهمية عن ثقافة الفصل وثقافة المدرسة، وتكلم عن واقع الهيمنة وإمكانات الهيمنة المضادة داخل المدارس وداخل حجرات الدراسة المصرية.

ومن هذا المنطلق، فإننا نريد أن نبحث هذه الظاهرة، وهى «فرض الاستبداد على المعلمين والتلاميذ»، وكنا نشرنا موضوعات عدة عن تخطى هذه النظرة التسلطية إلى النظرة التشاركية، وضبط العلاقة بين الإدارة والمعلمين من ناحية، والطلاب من ناحية أخرى، وذلك من خلال مؤتمرات عدة نظمتها الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية التي تضم 172 مدرسة في أنحاء الجمهورية، ومحاولة فك الاشتباك بين سلطات مدير المدرسة وحرية اتخاذ قرارات من قبله، رغم تعليمات وتوجيهات القوى الإدارية الأعلى، وخوف مدير المدرسة من إدارته بشكل مستقل، دون النظر إلى السلطة الأعلى التي تجعل يده مرتعشة في اتخاذ القرار.

ومن نتائج هذه الثقافة أنها تنتج شخصية مستبدة، فكل أفراد العاملين في المدارس يمارس دور القامع، لأنه في نفس الوقت مقموع، وفُقدت معالم التربية التي تعلمنا في ظلالها أن المصلحة الشخصية والنظر إلى العلاوات والمكافآت تطغى على العملية التربوية برمتها، ولعبت الدروس الخصوصية دورًا كبيرًا في اختفاء المدرس القدوة الذي كان يعاملنا في الصغر بروح مختلفة تمامًا، وأصبحت نظرة المعلم للتلميذ نظرة نفعية بحتة، والتى جعلت التلاميذ يتجرأون على أساتذتهم بشكل مهين.

ومن آثار هذه الثقافة الخضوع للتلقين، حيث لا يستطيع التلاميذ الاشتراك في المناقشة أو إظهار رأيهم الخاص، إلى جانب حرمانهم من الأنشطة المختلفة التي كانت منتشرة، حتى إن المعلمين محرومون من الحوار والنقاش. وكانت الإدارات المختلفة في نهاية العام الدراسى ترسل للمعلمين استمارة لتقييم المناهج، وبالرغم من أنها كانت إجراء شكليًّا، ولكنه كان بالإمكان أن نعبر عن وجهة نظرنا في المناهج الدراسية، وقد حاولنا أن نشارك التلاميذ في النقاش والحوار، ونجحت هذه التجربة من خلال مؤتمرات في نصف العام الدراسى من قبل تلاميذ مدارس الأمانة العامة، وهذه المؤتمرات نجحت نجاحًا باهرًا، وكان يحضرها وزير التربية والتعليم بنفسه لحضور المناقشة والحوار مع التلاميذ.

وقد حضرت عدة دورات لتدريب المعلمين في مركز تدريب المعلمين التابع لوزارة التربية والتعليم، وكانت الدورة شكلية ولا تقدم أي جهد تدريبى، ولم يكن المعلمون مهتمين بالسماع لما يقال.. أرجو أن يكون الوضع قد تغير إلى الأفضل، وكانت برامج التدريب تؤكد فكرة الخضوع بدون مناقشة للسلطات الأعلى، لتأكيد فكرة السيطرة والقمع لإرادة أي فرد يريد الحوار. حتى الامتحانات تجرى بشكل تقليدى رغم التحولات الخطيرة التي حدثت في التواصل الاجتماعى واستخدام التكنولوجيا وتدريب التلاميذ على البحث والإجادة؛ فهى امتحانات شكلية تعتمد أساسا على حفظ المعلومات. ولا ينخرط التلاميذ في معرفة الخدمات التي حولهم، ولم يسبق لهم زيارة مستشفى أو جمعية مجتمع مدنى أو الاشتراك في أي أنشطة خارج أسوار المدرسة، في حين أن تجربة انجلترا في التعليم مثلا تتيح للطلاب زيارة أماكن خارج أسوار المدرسة ليتعلموا مفاهيم جديدة عما حولهم من أنشطة، وتحرير عقولهم من أفكار نمطية للخروج للمجتمع والتفاعل مع ما هو خارج المدرسة. وأيضا ثقافة القمع التي تأثر بها الوالدان أثناء تعليمهم، فهم يفرضون على أبنائهم الكلية التي يريدون ارتيادها باختيارهم وليس باختيار آبائهم.

ولذلك نرى أن القيم المهنية والمبادئ المفترض الالتزام بها من جانب المعلمين مفتقدة تماما، حيث يتعامل أغلب المعلمين مع تلاميذهم بالشك والإهانة والعنف لإخضاعهم.

ولو استعرضنا رد فعل التلاميذ في البحث القيّم الذي قدمه الدكتور كمال، نجد أنه حدث انحطاط في التعامل بين المعلم وتلاميذه. ونتحدث أيضا عن المدارس الفنية وما يحدث بها؛ حيث تقابلت مع أحدهم وأخبرنى أنه لا يذهب للمدرسة إطلاقا، ولم يتعلم شيئا في مدرسته، وعليه أن يدفع تكاليف ذلك بالدروس الخصوصية التي لا تستقيم مع طبيعة المدارس الفنية، ولذلك هجر التلاميذ مدارسهم وأصبحوا يكرهونها لأنها لا تعطيهم ما يتطلعون إليه، وأصبحت الكراهية تجاه معلميهم تفوق الوصف، لدرجة أنهم بدأوا يواجهون هذا العنف بعنف مقابل، وأصبحت محاضر الشرطة في الأقسام المختلفة مليئة بالبلاغات والاستنجادات، بعد أن كان مجرد الذهاب لقسم الشرطة لشكوى أحد المدرسين في الزمن الفائت يعتبر إهانة بالغة.

وبدأ التلاميذ في المدارس يشكلون جماعات لمواجهة هذا الظلم ويصنعون كيانات طلابية يسيطر عليها التوجه الجماعى، ويشجعون بعضهم البعض على الرفض والتمرد، وهناك تفرقة بين تلاميذ المدارس الحكومية وتلاميذ المدارس الجديدة ذات المصروفات الخرافية، فالمدارس الحكومية في حالة من الفوضى غير المسبوقة، ويفرضون كل مظاهر القمع باستخدام العنف، في حين أن طلاب المدارس الفاخرة يعاملون معاملة خاصة، ولا يجرؤ أحد أن يطبق عليهم نظمًا كما الحال في المدارس الحكومية، وينبه مديرو هذه المدارس على مدرسيهم بأن يعاملوا أبناء هذه الطبقة بشكل مختلف تماما، ونريد أن نؤكد أن ثقافة الاستبداد تسيطر على جميع المدارس، ماعدا مدارس الطبقة العليا.

ولحل هذه القضايا نطالب بشكل حاسم وحتمى بأنه يجب أن نؤمن بالمشاركة في العملية التعليمية، وإشراك مدرسينا وتلاميذنا في إدارة العملية التعليمية دون تعليمات مسبقة وفوقية، وتشاركية حقيقية، للقضاء على ثقافة الاستبداد التي يعانى منها تلاميذنا في المدارس، وبناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة وتحقيق بناء إنسان مصرى عصرى حديث.
نقلا عن المصرى اليوم