بقلم: أنطوني ولسن ـ أستراليا
 أي شيطان هذا الذي جعلني أبحث في طيات ذاكرتي عن أحداث عفى عليها الزمن.. أحداث لها تأثير سلبي على حياة المصريين!

 أذكر انني قرأت مقالاً للأستاذ إبراهيم نافع، عندما كان رئيساً لمجلس الإدارة ورئيس التحرير لجريدة"الأهرام" المرموقة، بعنوان: أنها مسئولية الجميع!

 قال في بدايته: "نحن نحارب معركة حياة أو موت ضد الأرهاب والتطرف، ومن يهددون الشعب في لقمة عيشه، وفي أمانه، وحاضره، ومستقبله"!

    ثم عرج على الافراط المالي الممثل في شراء النوادي الرياضية للاعبين بمبالغ باهظة، بينما الكادحون من أبناء مصر والشرفاء بالكاد يجدون قوت يومهم لهم، ولأولادهم!

   وقبل أن يختتم مقاله، سلط الضوء على أهمية الكلمة: "ان الكلمة المقروءة والمسموعة مسؤولية خطيرة لابد أن يعي البعض أثارها الخطيرة على المجتمع وعلى قيم الشباب وأفكاره؛ فيتحرزون فيما يقولون ويلتزمون بالموضوعية التي يطالبون بها الآخرين، ويدركون مسؤوليتهم الإجتماعية الخطيرة عن سلام هذا المجتمع وأمانه"!

   المقال في حد ذاته قوي، ومعبر عن اخلاص الرجل وحبه لمصر، وخوفه على مستقبلها. ونحن جميعا سواء على أرض مصر، أو خارج حدودها الجغرافية، نشاركه الحب والخوف.

ووجدت نفسي أتوجه لعنايته بهذه التساؤلات: أين كنت في الوقت الذي انفقت فيه الدولة مبالغ باهظة على أشياء كان من الممكن تفاديها، وتوجيه المال الوجهة الصحيحة؛ لما فيه صالح هذا الكادح الشريف الفقير؟!.

   لن أتعرض لأشياء كثيرة، سأكتفي بشيء رأيته بعيني في عام 1991: الدورة الألومبية الأفريقية الخامسة. نعم مفخرة  للمصريين وأبناء المنطقة العربية من حيث التقديم والأشراف والرعاية، وقد فاقت أولمبياد لوس أنجلوس في أمريكا.

   ماذا أستفاد الفقير من البذخ الذي صرف على الدورة؟ فكما سمعت أنه بلغ ما صرف عليها حوالي بليوني جنيه مصري!..

   بدأت أحداث امبابة في تلك الفترة؛ ولو كان قد صرف هذا المبلغ على مثل هذا الحي المحروم من أبسط الحقوق الإنسانية في الحياة؛ لكنا قد تلافينا ما حدث ويحدث في أماكن أخرى!

   تتحدث أستاذي الكبير عن مصروفات نواد وأشخاص يمتلكون المال وهم أحرار في إنفاقه.. ولم تتحدث عن أموال الدولة التي تُهدر هدرا ولا تنفق في ما يعود على أبناء الشعب الكادح لصالح احتياجاته الإنسانية!

   أما عن الكلمة، فتأتي الدهشة الكبرى أستاذي العظيم.. الكلمة أحد من السيف، ولها تأثير السحر على عقول وأفئدة البسطاء من الناس. فما بالنا بالكلمة المقروءة، والمسموعة، والمرئية؟!

   على صفحات جريدتكم "الغراء"، كتب ناعقو البوم (أحب أن أستعيرها من الدكتور رفعت السعيد أطال الله في عمره)، ما يندى له جبين الشرفاء من أبناء مصر مسلمين ومسيحيين.

   ففي وسائل الإعلام، وعلى مقاعد الدراسة، انتشرت سموم الفكر المتطرف الإرهابي ، وعرف أبناء مصر معنى التعصب، والحقد، والكراهية.0 وأصبحت تأثيراتها تظهر في أحداث كثيرة ومتعددة.. ومع ذلك لم نقرأ لكم ما يدحض هذه الأعمال، أو يشجب آراء المخربين لهذا البلد الأمين مصر. وفجأة أصبحتم جميعا مدافعين عن مصر، ضد التطرف والإرهاب، وكأنكم كنيام أستيقظوا على أثر زلزال مدمر هزهم هزاً؛ فاستفاقوا من غفوتهم!

   كنت أتمنى عليكم، وعلى غيركم، تحمل المسؤولية بأمانة القلم ومنطلق حب مصر الذي يجب أن يكون بقوة قول الشاعر: مصر التي في خاطري وفمي.. أحبها من كل روحي ودمي!

   سامحني أستاذي الفاضل، أشياء كثيرة نقرأها أحيانا أو نسمعها، ولا نملك أنفسنا عن الرد عليها. أعرفكم أستاذاً في الفكر والقلم، وأنا لم أتعد كوني كاتباً، يحاول التعبير عما في نفسه وقلبه من حب لمصر، ولكل المصريين أقباطاً ومسلمين؛ لأنني نشأت وترعرعت على تربة مصر ولم أعرف يوما أنني قبطي.. بل كل ما كنت أعرفه عن نفسي أنني مصري، و سأظل كما أنا مصرياً في غربتي؛ فمصر أمي الحبيبة، وأستراليا زوجتي الحبيبة التي أختارها الله ليَ. حب الأم لا يتعارض مع حب الزوجة. أعتقد أن هذا مفهوم.. أليس كذلك؟!..
   ***   ***   ***

   وما أشبه اليوم بالبارحة!  
   فلا شيء تحسن، ولا من بوادر تقدم في أي شأن من شئون الحياة وضرورياتها.. (شالوا الضو وحطوا شاهين، فكان شاهين كالضو!).. البلد في فوضى هدامة..الكبير يأكل الصغير.. والصغير يسرق الكبير.. والكبير يمارس ألاعيب السيرك.. فتحنا قناة جديدة، فأين العائد على البلد والدولة لا تألوا جهداً في السلف والدين من يمين وشمال. الحكومة تحتاج حكومة تحكمها!، والشرطة تنتظر ضابط بقامة المرحوم مصطفى النويهي، ووزيراً على نهج المرحوم البكباشي زكريا محي الدين (أعرف كليهما رحمهما الله). أما الجيش، فليعنه الله، على تنظيف صفوفه من الإخوان والسلفيين المتغلغلين في رحابه، ومنتظرين الفرصة. التعليم لم يتقدم قدر أنملة بل إزداد سوءا ولم يصبح له قيمة علمية؛  فانهار التعليم وعندنا التأكيد: صفر مريم ، الذي لم يستطع أحد ولا رئيس الجمهورية من ألغائه، وإعادة حقها الضائع.. وكم من حقوق ضائعة؟!..

   الشعب جائع، ومريض، ومحروم من حياة آمنة، ولقمة هنية، وماء شرب نقي، ومنزل يأويه من برد الشتاء وحر الصيف، مثله مثل كل شعوب العالم!

      الرشوة لا تزال حية وفعالة، أتذكر ضمن ما أتذكر في قنا وكنت جالسا مع رئيس مركز قنا ضابط برتبة عميد.دردشنا شوية كويسين.أنا منقول لقنا ظلما وعدوانا وهو أيضا.أنا طالب بمدرسة الخدمة الإجتماعية بعد أن تركت كلية الحقوق جامعة القاهرة التي أجبرني أبي على ترك كلية طب أسنان القاهرة أيضا والتحق بكلية الحقوق.وكانت النتيجة رفضي من المدرسة لأن مدير عام مصلحة الأحوال المدنية أمر بنقلي إلى قنا دون علم المفتش رئيسي المباشر في ذلك الوقت .وسيادة رئيس مركز قنا دخل عليه أحد موظفي المركز يشتكي على زميل له بأخذه مبلغ خمسة قروش من كل مواطن يريد ختم أوراقه!

   ما أذهلني أنه إنتفض واقفا مع "شخرة إسكندراني"، وقال له: "إمشي من قدامي.. بياخد خمس قروش علشان يشتري رطل لحمه لأولاده وجاي تشتكي، ولما يجيلي مجدي حسنين اللي لهف 2مليون جنيه لازم أقف وأديله التحية، إتفضل إمشي ومش عايز أسمع كلام زي ده تاني". أخذ يقص علي حياته بعد ذلك. زوجته تعيش في الإسكندرية وأولاده في جامعات القاهرة و"أنا وقد أشار الى نفسه" في قنا، نعيش إزاي؟!.

   ولا يزال التكفير والاضطهاد على قدم وساق،  لقد قضيت من عمري في مصر 36 سنة. لم أعرف أنني مسيحي "قبطي" وكافر غير بعد نكسة 1967. تغيرت الأوضاع بعد موت عبد الناصر، الذي لا ولن يعفيه التاريخ؛ لأنه هو الباديء في أسباب ما حدث لهم بعد تولي السادات،

والإفراج عن الإخوان؛ فهو الذي حرم المسيحيون من تولي أي مراكز قيادية . وهنا مربط الفرس لما أصاب المسيحيون من إضطهادات عيني عينك من أيام عبد الناصر وحتى الأن حيث يقاسون الويل على يد الإسلاميين المتعصبين والذين يضربون عرض الحائط بالقانون والشرطة (التي تحميهم ولا تدافع عن المعتدى عليهم منهم).. وبدون إستحياء لا حماية للمسيحيين الأقباط لا من رئيس وزارة، ولا وزير، ولا ـ مع الأسف ـ رئيس جمهورية منذ عهد أنور السادات، ومبارك، ومرسي، وعدلي منصور، وبكل حزن وآسى مع الرئيس السيسي، الذي اعتبرناه هدية الله لمصر، وشعبها، والأمل الذي إنتظرناه طويلاً!

   وزاد الطين بلة؛ تفعيل قانون إزدراء الأديان، الذي وضع الأقباط تحت عذاب من نوع آخر،  وإتهام شخصيات مصرية لها وزنها الأدبي والفكري مثل: الأستاذة فاطمة ناعوت. والأستاذ إسلام البحيري!

   الذاكرة متخمة بتفاصيل كثيرة، مليئة بالمآسي والألم، والقلب مليء بالارادة والأمل، فليتحقق الأمل، وليختف الألم!