كتب : نادر شكرى
ننشر نص البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الـ 27 لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك والذي عُقد في القاهرة من 25 حتى 29 تشرين الثاني نوفمبر 2019:
 
1.عقد مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك مؤتمره السابع والعشرين من 25 إلى 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، في دار القديس اسطفانوس التابع لبطريركية الأقباط الكاثوليك في القاهرة (مصر). شارك فيه أصحاب الغبطة: ابراهيم اسحاق سدراك، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، والكردينال مار بشاره بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، ومار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، ويوسف العبسي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك، وكريكور بدروس العشرون، كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك، والأب بولس ساتي ممثّلاً الكردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك بابل على الكلدان، والمونسنيور حنّا كلداني، ممثّلاً البطريركية اللاتينية في القدس. وشارك في جلسة الافتتاح سيادة القائم بأعمال السفارة البابوية في مصر المونسنيور جان توماس، نظراً لعدم استلام السفير الجديد مهامه بعد. وتدارس الآباء موضوع المؤتمر: "الإعلام في خدمة الإنجيل"، فضلاً عن الأوضاع الراهنة في بلدان الشرق الأوسط.
2. استُهِلَّت الجلسة الإفتتاحية بصلاة في كنيسة الإكليريكية القبطية الكاثوليكية بالمعادي. ثمّ ألقى البطريرك ابراهيم اسحاق سدراك كلمة ترحيب أعرب فيها عن الفرح الكبير أن يُعقَد هذا المؤتمر في مصر، مشيراً إلى أنّ تقنيات وسائل الاتّصال الاجتماعي تقدّمت بشكلٍ مذهل جعل الكون "غرفة مستديرة" لا يخفى فيها شيء على أحد، منوّهاً إلى أنّ على الكنيسة المكلَّفة بإعلان الخلاص للخليقة كلّها استثمار التواصل البنّاء من أجل نشر حضارة المحبّة والسلام وثقافة الاحترام المتبادَل والتكامل بين الأشخاص والثقافات، وأنها كأمّ ومعلِّمة واعية بأهمّية ومسؤولية وسائل التواصل الاجتماعي وبما تمثِّله من تحدّيّات ومخاطر على الأفراد والجماعات، ومعبّراً عن التضامن في الصلاة من أجل كلّ ما يجري في الشرق وخاصّةً في العراق ولبنان وسوريا والقدس، سائلاً الله أن ينعم بسلامه وأمانه على أوطاننا وكنائسنا.
 
3. بعد ذلك، ألقى القائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور جان توماس كلمة تطرّق فيها إلى موضوع المؤتمر، منوّهاً إلى أهمّية عيش المحبّة والوحدة بروح الشركة والتعاون والتضامن. ثمّ وجّه الآباء رسالة إلى قداسة البابا فرنسيس أطلعوه فيها على موضوع المؤتمر، والتمسوا بركته لأعمال مؤتمرهم ولكنائسهم، معربين عن عواطف اتّحادهم بكرسي القديس بطرس، ومؤكّدين صلواتهم من أجل قداسته كي يتابع خدمته الرسولية لخير الكنيسة والبشرية جمعاء.
 
4. قام الآباء البطاركة بزيارة رسمية إلى فخامة رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتّاح السيسي، حيث أكّدوا مع فخامته على أهمية الدور الذي تقوم به المرجعيات الدينية في توعية المواطنين، خاصةً الشباب منهم، للحفاظ على الهوية الوطنية وترسيخ مبدأ المواطنة بدون أيّ تمييز من أيّ نوع كان، مستعرضين ما يواجهه العالم حالياً من تنامي نشاطات الجماعات المتطرّفة وتمدُّد خطر الإرهاب في مختلف البلدان، ممّا يستوجب تضافر الجهود لإعلاء قيم التعايش والتسامح بين الشعوب ومدّ جسور التفاهم والإخاء.
 
5. وزار الآباءُ قداسةَ الأنبا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس، حيث عقدوا لقاءً أخوياً حارّاً يغمره جوّ المحبّة المتبادلة، مؤكّدين أنّ الكنيسة هي خادمة للإنسان والوطن، ومتشاركين في التحدّيات التي تعانيها بلدان عديدة في الشرق، ما يستدعي تعزيز العمل الرعوي المشترك لإعطاء الشهادة الحقيقية لإيماننا بالرب يسوع.
 
6. واستضاف الآباءُ رؤساءَ الكنائس في مصر في لقاء خاص ضمن إحدى جلسات المؤتمر، حيث تبادل الآباء الآراء حول موضوع المؤتمر، بروح المحبّة الأخوية، متطرّقين إلى أبرز التحدّيات التي تواجه الكنائس في نشر البشارة في خضمّ الظروف الصعبة التي تعانيها بلدان عدّة في شرقنا، مؤكّدين على متابعة تأدية الشهادة للرب يسوع ولإنجيله بالأخوّة والتضامن.
 
7. ولبّى الآباء دعوة كلٍّ من القائم بالأعمال في السفارة البابوية والسفير اللبناني إلى لقاءين تكريميين بمناسبة انعقاد المؤتمر.
 
8. وشكر الآباء فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيّب، الذي حدّد موعداً لمقابلة الآباء البطاركة، لكنّ عذراً طارئاً حال دون هذا اللقاء، فاتّصل فضيلته هاتفياً متمنّياً لهم اجتماعاً مثمرة لخير شعوبهم.
 
9. استمع الآباء إلى تقارير عن أعمال اللجان والمجالس والهيئات التابعة للمجلس، وتبنّوا رابطة القانونيين الكنسيين في الشرق الأوسط، وشبكة ينابيع الأمل التي تُعنى بقضية الإتجار بالبشر في الشرق الأوسط.
 
10. واختُتم المؤتمر بقداس احتفل به البطاركة في كاتدرائية السيّدة العذراء بمدينة نصر في القاهرة، شارك فيه جمهور غفير من المؤمنين.
وفي ختام المؤتمر، أصدر الآباء البطاركة البيان التالي:
 
أوّلاً، الإعلام في خدمة الإنجيل
 
11. تناول الآباء الدور الهامّ الذي يؤدّيه الإعلام في خدمة الرسالة، إذ بات لغة حوار جديدة وثقافة رقمية فرضت نفسها في ميادين التواصل الفردي والاجتماعي، مسلّطين الضوء على دوره الإيجابي كما على تحدّياته. ولهذه الغاية، خصّصوا يومين كاملين لدراسة واقع الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في الكنيسة اليوم، ومدى أهمّية استخدام التكنولوجيا ومعرفة قوانينها في نشر القيم الإنجيلية. ومن هنا تبنّى الآباء التوصيات التالية:
 
- التشديد على إدراج مادة "كيفية استخدام وسائل التواصل والإعلام والتفاعل مع التقدّم السريع" ضمن برامج كلّيات اللاهوت ومعاهد التثقيف الديني والتنشئة اللاهوتية في الأبرشيات والرعايا.
 
- تشجيع الكهنة والمكرَّسين والمكرَّسات والعلمانيين على التخصّص في مضمار الإعلام والتواصل الاجتماعي.
 
- العمل على إدخال وسائل التواصل الاجتماعي ضمن منهجية التعليم المسيحي الجديد، وذلك من خلال ابتكار "تطبيقات إلكترونية للهواتف الذكية" وسواها.
 
- دعوة المجالس الأسقفية في كلّ بلد إلى إنشاء لجنة أسقفية للإعلام حيث لا توجد.
 
- دعوة مندوبين عن الإعلام من كلّ بطريركية ومندوبين عن اللجان الأسقفية لوسائل الإعلام إلى اجتماع لوضع الأسس التنظيمية لإنشاء منسّقية عامّة للإعلام المسيحي الكاثوليكي في الشرق، على أن تُرفَع نتائج هذا الاجتماع إلى المجلس لاتّخاذ القرار المناسب.
 
ثانياً، الأوضاع الكنسية والسياسية ونداءات
 
12. عرض الآباء البطاركة الأوضاع العامّة في الشرق، والصعوبات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تقاسيها بلدان عدّة نتيجة الاضطرابات وأعمال العنف والتطرّف والإرهاب، وأوضاع المهجَّرين وحتمية عودتهم إلى قراهم وديارهم، والعلاقة مع المنتشرين والتواصل معهم. كما استشرفوا آفاق المستقبل الذي تمنّوه مزهراً رغم التحدّيات.
 
ووجّهوا نداءات إلى أبنائهم وإخوتهم في بلدان الشرق الأوسط:
 
في مصر:
 
13. نثني على ما حقّقته الدولة من إنجازات أسهمت أسهاماً فعّالاً في تحسين أوضاع المصريين على كلّ الأصعدة، فتمّت نقلة نوعية ميّزت مصر في هذا الزمن الصعب. ونثمّن الخطوات العملية التي تتابعت في مجال ترسيخ أسس المواطنة والتآخي بين جميع أبناء الوطن، ما يبقي مصر بلداً للانفتاح والصمود في وجه كلّ تطرّف. كما نشيد بما قدّمه الشعب المصري من تضحيات ثمناً لما تجسّد على أرضه من إنجازاتٍ مشرّفة، منوّهين بما ينعم به المهجَّرون في أرض الكِنانة من عيش كريم ولائق.
 
 
14. ندعو السلطة السياسية للقيام بعمل شجاع يخرج البلاد من هذه الأزمة الكبيرة، كي يتوقّف نزيف الدم وتعود الحياة إلى طبيعتها ببناء دولة قوية على أسس سليمة، تسود فيها الديمقراطية الحقّة والعدالة والكرامة الإنسانية، وتحارب الفساد، وتكشف عمّن قتل المتظاهرين السلميين وخطف أو غيّب منهم وتُسلِّمهم إلى القضاء. كما نسأل الرحمة لأرواح الشهداء والشفاء للجرحى، ونناشد الجميع للعمل على اقتلاع الفكر الداعشي الإرهابي من النفوس والنصوص، ونشجّع أبناءنا وبناتنا على التجذّر في أرضهم والحفاظ على تراث آبائهم وأجدادهم في خضمّ المحن والضيقات، فهُم مكوِّن أصيل ومؤسِّس لبلاد الرافدين العزيزة.
 
 
15. نؤيّد ما يطالب به الشعب اللبناني عامّةً والشباب منه خاصّةً في حراكه الذي نتمنّى بإلحاح أن يحافظ على سلميته ووطنيته العابرة للانتماءات الطائفية والمذهبية والحزبية. وندعو المسؤولين إلى تلبية مطالبهم لما فيه خير الوطن وازدهاره ونهوض اقتصاده من الأزمة الخطيرة والخانقة التي يرزح تحت وطأتها والتي لم يسبق لها مثيل في تاريخه الحديث. كما نناشد السلطة السياسية للإسراع بتشكيل حكومة جديدة تكون مهمّتها الأولى التجاوب مع الحراك الشعبي لإيجاد الحلول الجذرية للأوضاع الراهنة، بالتعالي عن المصالح الشخصية والفئوية والعمل على تحقيق الخير العام، وتحرير الإرادة الوطنية من كلّ تدخُّل خارجي. ونشدّد على ضرورة عودة اللاجئين والنازحين إلى أرضهم ووطنهم.
في سوريا:
 
16. نعرب عن تفاؤلنا بما تحقّق في سوريا من استقرار في معظم أرجاء البلاد، إلا أننا نتألّم لما حلّ بالجزيرة السورية من أضرار جسيمة بشراً وحجراً نتيجة القصف. لذا ندعو جميع مكوّنات الشعب السوري إلى التعاضد والتكاتف لإعادة بناء ما تهدّم والنهوض بالاقتصاد، مطالبين أصحاب القرار العالمي بالكفّ عن التدخّل في الشأن السوري، وبمدّ يد المساعدة لجميع الخيّرين من السوريين كي يعملوا بجدّ لتتعافى سوريا من محنتها التي طال أمدها، مترحّمين على أرواح شهداء الوطن وسائلين الشفاء للجرحى، والعودة للمهجَّرين والنازحين إلى أرضهم كي يحافظوا على حضارتهم وتاريخهم.
في فلسطين:
 
17. نعرب عن كامل مساندتنا للشعب الفلسطيني المعذَّب من جراء الإحتلال الذي يمعن في التضييق عليه، وهو يحنّ إلى بزوغ فجر الاستقلال. ونجدّد مطالبتنا الأسرة الدولية الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ضمن إطار قيام الدولتين، ووجوب عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
في الأردن:
18. نشيد بما ينعم به المواطنون في المملكة الأردنية الهاشمية من أمان واستقرار، ونثني على ما تقوم به السلطات من دور في تعزيز قيم المواطنة والعيش المشترك، مقدّرين بصورة خاصّة الجهود المبذولة في استضافة اللاجئين والنازحين والمهجَّرين، لا سيّما القادمين من سوريا والعراق.
نداء عام
 
19. فيما نثمّن النقلة النوعية التي أحدثتها وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي في حياة العالم، نتوجّه إلى القائمين على هذه الوسائل كي يبذلوا كلّ ما يلزم للحفاظ على احترام الحقيقة وصون كرامة الأفراد وحرّيتهم وخصوصياتهم. ونحثّ أبناء وبنات كنائسنا ليحسنوا استخدام هذه الوسائل في خدمة البشارة ونشر كلمة الرب يسوع الخلاصية وبناء مجتمعاتهم وترقّيها. كما ندعو المسؤولين في أوطاننا أن يسهروا على نشر الأمان والسلام وتحقيق الطمأنينة والاستقرار لمواطنيهم، كي يتمكّن أبناؤنا من متابعة الشهادة لإنجيل المحبّة والسلام في أرض الآباء والأجداد.
خاتمة
 
20. من أرض مصر المباركة التي إليها لجأت العائلة المقدسة، وفي هذه الأيّام العصيبة التي يكابد فيها الكثير من أوطاننا مآسي الحروب والنزاعات وأعمال العنف والتطرّف والإرهاب، ونحن نستعدّ للاحتفال بعيد ميلاد الرب يسوع المسيح وحلول العام الجديد 2020 الذي نسأل الله أن يكون مباركاً وفائضاً بالخير والسلام، نجدّد التعبير عن مشاعر المحبّة الأبوية وعواطف التضامن والتعاضد مع مؤمنينا الذين يحيون بالإيمان والرجاء والمحبّة في شرقنا، في خضمّ بحر هائج يكاد يحطّم سفينة حياتهم، ونمنحهم بركتنا الرسولية، متّكلين على النعمة الإلهية التي تشدّد كلّ عزيمة وتقوّي كلّ ضعف، مشجّعينهم بكلام الرب يسوع المعزّي: "لا تخف أيّها القطيع الصغير، فإنّ أباكم السماوي سُرَّ أن يعطيكم الملكوت" (لو 12: 32)، وبكلمات مار بولس رسول الأمم "تكفيك نعمتي لأنّ قوّتي في الضعف تكمل" (2كور 12: 9)، واثقين أننا "عليك يا ربّ توكّلنا فلا تدعنا نخزى مدى الدهر" (مز 31: 1).