حمدي رزق
لقد فاضت دموع العين منى، وبكى القلب. بألم وحزن شفيف تابعت مأساة انتحار طالب الهندسة «نادر» من فوق برج القاهرة، مؤلم انتحاره، محزن انهياره النفسى، أخشى لم يجد من يبثه شكواه، لم ينصت إليه صديق، ولم يشاطره ألمه حبيب، أخشى أننا صرنا فى صحراء موحشة، تخلو من الرفقة والصحبة وناس تملأ الحياة بالبهجة.

انتحار نادر من فوق السحاب يصدمنا عند السفح، كم من الشباب يفكر فى الانتحار، كم منهم يفكر فى الانفجار، كم يعتريه الألم فى صمت، كم يرتدى النظارات السوداء لإخفاء احمرار العيون من وعثاء السهر مقلقل، على قلق كأن الريح تحتى، كم ينظر من ثقب بابه يائسا، لا يرى بارقة أمل تبرق فى ظلام حياته.

ونحن عنهم غافلون، متلهون، نراهم من مرايا عاكسة، مرايا مقلوبة، محدبة، نراهم عابسين، لاهين، وهم جد جادون، ولكن سدت الطرق فى وجوههم، وعبثًا حاولوا عبور الطريق فلم يجدوا هاديًا، الطريق وعرة، قاسية لا ترحم.

النداء على الشباب فى المناسبات لا يوفر مؤنة لعبور الطريق، وخطاب النصيحة لا يسمن ولا يغنى من جوع إلى التحقق، وعدم فهم قاموس شباب اليومين دول مصيبة، والتعاطى الأبوى لم يعد مجديًا، فيه حاجة غلط، تفكيك شفرة الأجيال الشبابية يحتاج إلى «شامبليون مصرى» يفقه لغة هؤلاء الملغزة.

أنادى العلامة الدكتور أحمد عكاشة أن يتوفر على حادثة انتحار نادر نفساويًا، ويعمل فيها أساليب التحليل النفسى، المصريون نادرًا ما ينتحرون، فضلاً عن الحرمانية الدينية الضاربة فى النفوس، المستقرة فى القلوب، المستبطنة فى العقول، هم محبون للحياة، ولديهم قناعة فطرية بالقضاء والقدر والقسمة والنصيب، والرزق فى أيادى الرزاق سبحانه.

انتحار نادر يدق ناقوسًا أو نواقيس، هناك خلل فى منظومة الرضا، هناك نقص فى تركيبة المقاومة، انهيار مفاجئ فى حائط الصد. تحليل حادثة انتحار نادر يقودنا إلى رسم خطط مجتمعية للاحتواء، للاجتذاب، لتهيئة مناخات صحية للشباب.

بغض النظر وبلا تهويل ولا تهوين، الحادثة من فوق برج القاهرة، من أعلى فيها رسالة واضحة، لفت انتباه، أنا أنتحر يا بشر، وأنتم مبصرون، رسالة بعلم الوصول، أخشى تضيع الرسالة فى لجة الموج العاتى، أن تدفن مع نادر فى قبر مظلم.

نادر انتحر فينا، حزنًا علينا أو حزنًا منا، لم نحتوه، لم نراعه، لم نطيب خاطره، أخشى لم يجد من يقول له مالك، كل منشغلا بحسابه الفيسبوكى، وكل منشغل بيومه، وكل يبكى على حاله، الافتقاد فى الكنيسة من واجبات الراعى الصالح، والافتقاد فى الحياة من واجبات الإنسان الصالح، هل سألت عن أخيك اليوم، هل هاتفت صديق الأمس، كيف الحال، مجرد سؤال لو انشغل نادر بالإجابة عنه لربما كان بيننا مبتسمًا..!
نقلا عن المصرى اليوم