بقلم  : زهير دعيم
كثيرا ما يدور في الأوساط الأدبية تساؤل محيّر ؛ يدور ولا يجد له احدٌ جوابًا شافيًا. كلّ يُدلي بدلوه ويمشي ، والموكب يسير ، ويعود التساؤل ليهيمن من جديد على موقع آخر ووسط آخر .
 
والتساؤل هو :- 
هل على الاديب  شاعرًا كان أم كاتبًا أن " ينزل " الى مرتبة القارئ العادي ، فيستعمل بسيط الكلام أم بالعكس عليه ان يرتفع به ، مستعملًا الرموز والايحاءات وفصيح الكلام ، دافعًا إيّاه الى البحث والتنقيب ، او بالاحرى هل على الاديب انْ يجدّ في البحث عن التعادلية بين المغزى من ناحية والاسلوب واللغة من ناحية أخرى ، ام يُهمل الأسلوب واللغة وينصهر في بوتقة الرسالة والمضمون ؟!.
 
اننا في زمن بات كلّ شيء فيه جاهزًا ، وأضحينا لا نستسيغ الا السندويشات الادبية والفكاهات واللغة الممجوجة والمطعّمة باللغة العبرية ، واضحت ثروتنا اللغوية بائسة ، ذليلة ، وبات قاموسنا على رفّ المكتبة – هذا انْ وُجِد – بات طُعمًا للغبار والزمن . 
 
سُئل شيخ نقّاد العرب مارون عبود عن رأيه في التعادلية فأجاب متسائلا : " ايهما أجمل وأحلى العطر في قارورة ام في فم الزهرة ؟!!" .
أظنّ في فم زهرة .
 
هذا ما عناه ابن عين كفاع وهذا ما اؤمن أنا به .
 
ولعلّ اجمل المضامين والرسائل تلك التي لبست ِسربالًا اندلسيًا قشيبًا ، او تزيّنت بسوار من بسكنتا او بخلخال او بنمنمات جليليّة ، فجاءت وكأنها عروس ساعة فرحها ، ترفل بمجد شعب احبّ الحرف ومات عِشقًا فيه .
 
وكانت القصيدة تُشعل نيران حرب واحيانا تطفئها ، وكانت الكلمة سوطًا يلذع ظهور الاعداء وما زالت ، وهمسة تبرِّد قلوب الحيارى والعشاق .
 
فانعموا النَّظر معي في هذه اللوحة التي رسمتها مي زٍيادة لصديقتها جوليا طُعمة دمشقية تصف لها رسمها ، وانظروا ما اجمل السربال القشيب يزركش المعنىّ :
 
  "صحيحٌ أنّكِ لم تهتدي بعدُ إلى صورتي فهاكها : استحضري فتاةً سمراءَ كالبُّن، او كالتمر الهنديّ، كما يقول الشعراء أو كالمِسك كما يقول مُتَيّم العامرية ، وأضيفي اليها طَابعًا سديميًّا منْ وَجْدٍ وشوقٍ وذُهول  وجوع فكري لا يكتفي ، وعطش روحيّ لا يرتوي ، يرافقُ اولئكَ جميعًا استعدادٌ كبير للطّرَب والسرور ، واستعداد اكبر للشَجَن والألم – وهذا هو الغالب  دومًا - وأطلقي على هذا المجموع اسم مي تريْ مَنْ يُساجُلُك ِالسّاعة قلمها" .
 
نحن شعب أحببنا الحرف والبلاغة والكلمةَ المرنان التي في " محلها " احببناها وقلنا لصاحبها : " لا فُضَّ فوكَ " .
 
ألا تستحقُّ هذه اللغة الجميلة ان نعود اليها نتفيأ ظلالها ونشرب من مَعينها ونتغنّى بها ؟!.
 
ألا تستحقُّ ان نحوك على نوْلها الفريد أغاني الصّبا وفوْح الشباب وأمجاد الجدود؟!! 
 
ألا تستحقُّ منا لفتةً ؟!
انها تستحقّ اكثر من هذا ، تستحقُّ أنْ نرتاد هضباتها ونمتطي قممها ، لنحظى بنورها الوهّاج،  ونخطّ أحلى رسائل العشق وأجمل القصائد وأروع واصدق المقالات .
 
انها تستأهلُ أنْ ننامَ على همسِها !!!