بقلم المهندس باسل قس نصر الله
     ضَحكتُ من جملةٍ أتتني عبر إحدى وسائل التواصل الإجتماعي من أديبة راسلتني حول موضوع له علاقة بشأن التعليم الديني الإسلامي، وكانت هذه الجملة "الآن حتى عرفتُ أنك مسيحي" هي جوابها على معايدتي لأخوتي المسلمين بشكل عام والسوريين بشكل خاص والتي كتبتُ فيها "بمناسبة عيد المولد النبوي، أنتهز هذه الفرصة لأرد لكم جميل تهنأتكم لي بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح".

     يستغرب الكثير أَنْ كانت تسميتي مستشاراً لمفتي سورية الشيخ د. أحمد حسون، وأنني مسيحي!! فليس غريباً أن يكون الشخص المسيحي وزيراً أو مستشاراً لأي جهة كانت سياسية أو إجتماعية أو ثقافية أو أي شيء آخر، ولكن أن تكون مستشاراً للشخصية الدينية المسلمة الأولى في البلاد، فهذا شيء لا يتوقعه هذا الكثير من الناس.

     في أحد المؤتمرات في العاصمة الفرنسية "باريس"، كانت أسماء المشاركين وبجانبها صِفاتهم، وكان إسمي بجانبه صفة "أنني أمثِّل مفتي سور-ية"، وخلال صلاة مشتركة كان يحضرها المشاركين من مسلمين ومسيحيين، توجَّه كلٌ منّا في آخر الصلاة بتلاوة الفاتحة أو رسم إشارة الصليب، وأنا قمتُ وبشكل طبيعي بِرَسمِ إشارة الصليب، فما كان من الشيخ الواقف بجانبي إلا أن سألني "شو أنتَ مسيحي أم مسلم؟".

     لن أنسَ نظرات الدهشة في عيون المصلّين في الكنيسة عندما كنتُ أقرأ رسالة مفتي سورية خلال جنازة كردينال.

     وفي لقاء قديم – قبل الأزمة - مع رئيس الجمهورية الإيطالي جورجيو نابوليتانو، الذي حضر الى سورية، وتناقشت مع السفير حول إعطاء فكرة للرئيس عن العيش المشترك، ورحب السفير بذلك وتم تأمين لقاء بين الرئيس الإيطالي وبين كل من مفتي الجمهورية ومجموعة من علماء المسلمين والبطاركة ورجال الدين المسيحي  وعندما حان دوري – كنتُ الوحيد الذي لا يلبس لباساً دينياً – خاطبني الرئيس قائلاً بالإيطالية "أنتَ إذن المهندس المسيحي باسل"، فأجبته وبنفس الإيطالية "نعم ولكنني أيضاً مستشار مفتي سورية" فقال: "كيف يتم ذلك، هذا عظيم".

    في مؤتمر آخر جرى في العاصمة اللبنانية بيروت، قرأت في بعض الصحف قولها أن مفتي سورية سيمثِّله شخص "يُعتقد أنه غير مسلم"، فبدأت كلمتي التي القيتها في المؤتمر بأنني مسيحي وأفتخر بكوني جسر تواصل وأنني موجود في هذا المؤتمر ممثلاً لسماحة مفتي سورية.

     الكثير من الناس يستغربون كوني مسيحياً أمثِّل مرجعيةً إسلامية، فلماذا الإستغراب؟

     استعان الرسول محمد "ص" بدليلٍ غير مسلم "عبد الله بن الأريقط"، وهو على دين أهل قريش وكان ماهرًا عارفًا بالطريق، لكي ينقله مع أبو بكر الصديق الى "المدينة" في هجرته، وأمّنه على حياتهما حيث تركهم في غار "ثور" لمدة ثلاثة ليالٍ حتى هدأ طلب قريش لهما فتابعا طريقهما وأنطلقوا مع الدليل وعامر بن فهيرة يخدمهما ويُعينهما.

     هذه الـ "سورية" التي يحاول الأعداء منذ القديم، دَحْرَها، وتَمزيقها، واستعمارها تحت حجج عديدة، ومنها الدفاع عن المسيحيين، فوقف فارس الخوري الذي كان لفترةٍ رئيساً لمجلس النواب، ولفترةٍ رئيساً لوزرائها، ولفترة أُخرى مندوبها في هيئة الأمم المتحدة، على منبر مسجد بني أمية في دمشق إبّان الاحتلال الفرنسي وخاطب المسلمين بقوله: "إن مبرر وجود فرنسا في هذه البلاد هو حماية النصارى: أنا نائب النصارى فارس الخوري أطلب الحماية منكم أيها المسلمون وأرفض فرنسا.

     هكذا علينا أن نعيد سورية الى أَلَقها.

     نعم أنا مسيحي ولكنني سوري أولاً

    فالوطن بأبنائه، بحيث وقف الرسول محمد "ص" وقال: "أنا من قريش" وكانت هي قبيلته.
     أنا من سورية وطوائفها المتعددة

     فأنا المسيحي عقيدة
     المشرقي قِبلةً
     الأنطاكي تاريخاً
     السوري مصيراً

اللهم اشهد اني بلغت