كيف نعيد لميلاد المسيح الواحد ونحن منقسمون ؟
أنسطاسيوس رئيس اساقفة البانيا للروم الارثوذكس
(تم نشر الرسالة فى جريدة الكاثيميرينى الواسعة الانتشار بالعاصمة اليونانية أثينا بتاريخ 24 نوفمبر 2019 )
نقلها الى العربية الأب اثناسيوس حنين ’ أحد تلاميذ البروفسور أنسطاسيوس بكلية اللاهوت -جامعة أثينا.
 
أولا :قرأنا الكثير مما كتب وقيل ’ فى الشهور الأخيرة ’ حول قضية كنيسة أوكرانيا والتى سببت جدلا كبيرا وعثرة مسكونية .
 
الأمر الذى يجعلنا نلح ونصلى ونسعى من أجل وحدة الكنيسة .
 
يؤكد ذلك القديس الذهبى الفم معبرا عن الخبرة الأبائية والتراث الكنسى " أن جوهر الكنيسة وهويتها هو الوحدة وليس الانقسام والاتحاد وليس الانشقاق وأن أشد ما يغضب الله هو كنيسة منقسمة " .
 
هذا معناه أن أى تحرك لعلاج هذه الشقاق يتجاهل هذه الحقيقة الدامغة ’ مصيره الفشل أيا كانت ركائبه !لأن وحدة الكنيسة لهى فوق كل الاعتبارات أيا كانت مصاردها وتبريراتها .
 
ثانيا :أن الأحداث الكنسية التى وقعت فى العام الذى يودعناخلال شهر ونيف قد خلقت واقعا جديدا نتيجة تداخل العوامل الجيوبوليتيكية وما يرتبط بها من مصالح شتى. ولا يحق لنا أن نتجاهل هذه الوضع الجديد بشكل مباشر أو غير مباشر.
 
أن ما تم من منح الاستقلالية الكنسية لكنيسة اوكرانيا لم يجلب الوحدة المنشودة بين الارثوذكس ولا السلام المرجو كما حدث مع كل الاستقلالات التى تمت سابقا .
 
يشكل السيد "فيلاريتوس"والذى أطلق على نفسه لقب "بطريرك" ! الشخصية المركزية فى الأزمة الأوكرانية ’ والذى تنكر ’ أخيرا ’ لطوموس الاستقلالية ’ بل وشكك فى محتواه . كل هذا أدى الى انتشار وباء الانقسام الى مناطق كثيرة فى العالم الارثوذكسى .
 
مما أدى الى أن استخدمت البطريركية الروسية سر الافخارستيا ’ سر الوحدة والتسامح والغفران ’ لتأجيج الصراع وممارسة الضغوط !. هذا سبب أن الملايين من المؤمنين قد قطعوا الشركة الافخارستية مع البطريكية المسكونية’ وبطريركية الاسكندرية وكنيسة اليونان .
 
لم تقف الأمور عند هذا الحد ’ بل ما زالت الرسامات التى قام بها المدعوا ذاتيا "البطريرك"السيد فيلاريتوس ’ ما زالت ’نقول’ تسبب الانشقاقات والسجس . صارت أثار ونتائج هذه الاحداث المؤلمة معروفة ’ ليس فقط فى العالم الارثوذكسى ’ بل فى كل أرجاء المسكونة حتى "صرنا منظرا للناس والملائكة".
 
ثالثا : حاليا يخيم على معظم الكنائس الارثوذكسية صمت قلق وقلق صامت .وتودئ الضغوط السياسية على كل الاطراف الى ظهور جرح غائر يؤذى الروحانية الارثوذكسية ويهز مكانتها ويشوه رسالتها .
 
لنضف الى ذلك ما يقوم به أشخاص غير مسئولين من تشويه لصورة من يختلفوا معهم فى الرأى وهم يجاملون وينافقون من يؤيدون ’ تسبب انحطاط مستوى الحوار الارثوكسى فى فترة تاريخية حرجة .
 
هناك أحساس لدى دوائر مختلفة ’ بل وأمل بأن باقى الكنائس سوف تعترف بمن استلم الطومس. ولكن وحتى لو أن بعض الكنائس المستقلة قد اعترفت به ’ الا أن هناك أخرون لا يعترفون به .
 
النتيجة أن الانشقاق سيتحول ’ من خلاف كنسى ولاهوتى ’ الى أنشقاق عرقى وقومى بين(يونانيون – سلافيون) وبين الذين يسعون لعلاقات منسجمة مع الجميع .هذه كله يهدد بالقضاء على مسكونية الارثوكسية وشمولها كل الأمم وكل الثقافات .أن الزمن وحده لا يحل الانشقاقات ولا يشفيها ’ بشكل ألى ’ بل يعمقها وينشرها .
 
رابعا:الشئ العاجل الان هو السعى لايجاد وسائل وطرق لتعدى التكتلات الكنسية . الخطوة الاولى فى هذا الطريق الطويل هو التهدئة . العالم الراقى والشعوب المتحضرة تحل مشاكلها بالحوار . نتأمل فى ظهور مبادرات جديدة وتبادل الاقتراحات بين أطراف الأزمة .
 
العالم الارثوذكسى لا يخلو من الشخصيات والرموز القادرة على المساهمة الفعالة فى البدء فى حوار جاد.
 
خامسا : لقد أن الأوان وجاء ملء الزمان الذى لابد من الرجوع فيه ’ فى أية محاولة حوارية ’ الى التراث المؤسس على الكتاب المقدس كما ورد فى العهد الجديد "لماذا تدعوننى يا رب يارب وأنتم لا تفعلون ما أقوله " (لوقا 6’46 ومتى 7 ’ 21 ). وأيضا وأيضا "وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم . باركوا لاعنيكم . احسنوا الى مبغضيكم " (متى 5 ’44).
 
وأيضا " وأغفرلنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين الينا " (متى 6 ’13 ).وعن الوحدة يقول لاهوتى الوحدة والمصالحة بولس " مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام "(أفسس 4’ 3) والأخطر ورد فى الرسالة الى (غلاطية 5 ’15)"فاذا كنتم تنهشون بعضكم بعضا وتأكلون بعضكم بعضا فانظروا لئلا تفنوا بعضكم بعضا " .
 
كاتب هذه السطور يثق بأننا أذا ما أتبعنا بصدق وصايا الرب ’ سوف نكتشف ونميز طرقا جديدة لتعدى الأزمة.
 
سادسا: نحن نثق أنه توجد حلول ’سوف يشرق علينا نور الله لكى ما نحددها ’ اذا ما صدقت النوايا . لن تتحقق الحلول عن طريق تبادل النصوص الغاضبة والرسائل الثائرة والتى ترسل الاهانات والتى تحمل تهديدات مبطنة أو ظاهرة.
 
كما لن تحل بالتدخلات من خارج الكنيسة ’ أى تسييس الأزمة .كما أن ترك الأمر للزمن لن يأتى بحلول ألية .كل تأخير سيزيد الأمر السيئ سوأ.وحتى ولو أفترضنا أن حلا ما سيأتى "فى النهاية" أو " فى المستقبل" !
 
سيكون قد تمت كتابة صفحات غير مضيئة فى تاريخ الارثوذكسية.
 
أن النظام المجمعى والتى أستندت اليها مسيرة الكنيسة الارثوذكسية عبر العصور ’ هو السبيل الوحيد القادر على فتح أفاق جديدة فى الأزمة الحالية ." نحن مجتمعون فى معية الروح القدس " وباحترام متبادل ولا قصد لنا سوى تنسيق سلامى ’ لدينا الطاقة على أن نصل الى حل مقبول من الجميع .بينما كلما تجاهلنا النظام المجمعى وقللنا من قيمته على مستوى ارثوذكسى عام ’ سوف تصير الانشقاقات أكثر خطورة على المستوى المسكونى . يجب أن لا يفوتنا أن التقدم التكنولوجى ’ اليوم ’ يزيد فى انتشار الضوضاء والتشويش والسجس والاشعاعات والأضطراب بين فى صفوف المؤمنين البسطاء’ مما يؤدى الى فقدان الارثوذكسية لمصداقيتها فى عالمنا المعاصر .
 
سابعا :أما وقد أقترب عيد الميلاد ’ ذاك العيد العظيم الذى جاء فيه ابن وكلمة الله الى البشرية ’ فى مبادرة عجيبة لله الأب من أجل المصالحة مع الجنس البشرى ’نرفع بدورنا الدعاء والابتهال لكى ما تتسرع الخطى نحو المصالحة والتسامح والميل الثانى .
 
وهكذا نكون مستحقين لكى ما نرتل معا بقلب واحد " المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وفى الناس السرور"(لوقا 2 :14 )ووقتها سنثق بأن "..الكل من الله الذى صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة "(2كو 5:18).نحن نرى أن المبادرة لعلاج هذه الجرح الغائر فى جسد الكنيسة لابد وأن تأتى من البطريركية المسكونية ’ بل ومن كل الكنائس المستقلة ’ ومن الارثوذكس جميعا بلا استثناء .
 
أنها لمسئولية كبيرة على عواتقنا بأن نحقق المصالحة والأخاء . ستؤدى المصالحة الى انسكاب السلام فى قلوب الملايين من المؤمنين الساجدين ’ من ناحية ’ ومن الناحية الأخرى ’ سيؤكد الارثوذكس للعالم بأنهم يملكون النية والطاقة والفعل الممسوح بالروح لكى ما يضمدوا جراحاتهم ’ منقادين بكلمة الله وفعل الروح القدس .وهكذا يؤكدون حقيقة بأنها "كنيسة واحدة ’ مقدسة ’ جامعة ’ رسولية "’ والتى رأسها المسيح ’ الابن المتأنسن الذى "...به الكل ومن أجله الكل .."(عبرانيين 2 :10) ’ ذاك الذى "منحنا خدمة المصالحة " (2كورنثوس 5 :188 ).