سليمان شفيق 
تنتقل المظاهرات وتشتد من العراق الي لبنان ثم ايران ، بما يشكل مأزق لمحور ايران بالمنطقة فمن رفض تيار من الشيعة اللبنانيين لهيمنة حزب الله الي الصراع بين مرجعية النجف ومرجعية قم ، تتبلور توجهات لخلافات شيعية شيعية ، ويتمل الامر بمظاهرات ايران.

وفق بيان رسمي نشر مساء اول أمس الأحد، قال الرئيس حسن روحاني محذرا، إن الدولة "لن تسمح بانفلات الأمن في المجتمع" في مواجهة "أعمال الشغب"، في إشارة إلى الاحتجاجات التي تشهدها عدة مدن منذ يومين رفضا لرفع أسعار الوقود. وأسفرت هذه المظاهرات عن مقتل مدني وشرطي بالإضافة إلى توقيف العشرات.

بعد يومين من المظاهرات العنيفة رفضا لرفع أسعار الوقود، حذرت السلطات الإيرانية مساء الأحد من أنها لن تسمح بـ"انفلات الأمن"، وقد أسفرت هذه الاحتجاجات عن سقوط قتيلين على الأقل ودفعت طهران إلى قطع الإنترنت.

وتم اعتقال العشرات بحسب معلومات أوردتها الصحافة الإيرانية، منذ بدء الاحتجاجات مساء الجمعة. فيما تحدثت وكالة إيسنا عن عودة الحياة إلى طبيعتها في المدن التي شهدت مظاهرات، لكن تقييم الوضع مساء الأحد يظل بالغ الصعوبة.

وخلال اجتماع لمجلس الوزراء، أعلن الرئيس حسن روحاني أن الدولة "لن تسمح بانفلات الأمن في المجتمع" في مواجهة "أعمال الشغب"، وفق بيان رسمي نشر مساء الأحد.

البيت الأبيض يندد:

والأحد دان البيت الأبيض استخدام إيران "القوة الفتاكة" ضد المتظاهرين خلال هذه الاحتجاجات.

وقالت ستيفاني غريشام مسؤولة الإعلام في البيت الأبيض في بيان إن "الولايات المتحدة تدعم الشعب الإيراني في احتجاجاته السلمية ضد النظام الذي من المفترض أن يقودهم. كما ندين القوة الفتاكة والقيود الصارمة المفروضة على الاتصالات". كما شجبت تجاوزات نظام "تخلى عن شعبه".

من ايران الي العراق :
موجة الاحتجاجات المندلعة في العراق ولا سيما مع اتساع نطاقها ليشمل محافظة كربلاء ذات الأغلبية الشيعية ورأت أن الشعارات المعادية لإيران تعكس رفض الشارع العراقي لمشروع الهيمنة الإيراني وللنظام السياسي الفاسد القائم على المحاصصة العرقية والطائفية والذي فشل في تحقيق أبسط احتياجات المواطن العراقي في الحصول على فرصة عمل وشرب مياه نظيفة وتوفير شبكة كهرباء وصرف صحي قوية. الوضع في لبنان لا يبعد كثيرا عن مفردات الحالة العراقية.

"خاميني لم كلابك"
شعار على أحد الجدران بساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد يدعو المحتجون من خلاله الزعيم الإيراني علي خامنئي إلى الإمساك بـ "كلابه"، في إشارة إلى تبعية الطبقة الحاكمة في العراق إلى نظام الملالي في إيران.

"كريستيان فايسفلوغ "مراسل صحيفة "نويه تسورخر" لشؤون الشرق الأوسط رأى أن إيران تقف حائلا دون الوصول إلى حل يُرضي المتظاهرين ويحقن المزيد من الدماء في شوارع العراق، وكتب يقول: "الرئيس العراقي ورئيس الحكومة وأكبر الأحزاب في البلاد مستعدون للاستسلام للضغوط المتزايدة في الشارع العراقي، لكن إيران لن تسمح بذلك ومستعدة لسفك مزيد من الدماء من أجل منع حدوث ذلك".

ومع ذلك، كلما تجلى التدخل الإيراني بشكل أوضح في الشأن العراقي، زاد الشعور بالرفض وارتفعت حدة الشعارات المعادية لإيران. ومن الواضح أن إيران تخشى من تراجع نفوذها في المنطقة بسبب الانتفاضات الشعبية أو من انتقال شرارة الاحتجاجات إلى الداخل الإيراني في أسوإ الحالات. طهران قلقة أيضا من "اتساع دائرة الاحتجاج بعد أن تجاوزت العاصمة والجنوب الشيعي لتصل إلى كربلاء والنجف، المدن الشيعية المقدسة في العراق"، حسب رأي كريستيان فايسفلوغ.

عموما، وضعت الاحتجاجات الشعبية في العراق طهران في مأزق كبير. إيران التي تمكنت من بسط نفوذها في لبنان وسوريا واليمن بشكل مستمر في السنوات الأخيرة واستطاعت بمساعدة الميليشيات اليمنية من إرهاب العالم بهجمات صاروخية بدون طيار وصواريخ على حقول النفط السعودية، لا تملك اليوم جواباً مُقنعاً على الانتفاضات الشعبية في العراق ولبنان، ويبدو أن العنف الأعمى هو نهجها الوحيد في مواجهة أي تحديات.

إيران ترفض الحل السياسي في العراق
صحيفة تاغس أنتسايغر، لفتت أيضا إلى أن الشيعة في العراق أصبحوا أكبر الرافضين للوجود الإيراني في البلاد وبدا ذلك واضحاً مع خروج مظاهرات في كربلاء ومهاجمة المحتجين القنصلية الإيرانية واستبدال علم النظام الشيعي في طهران بعلم النظام العراقي.

في مراسلته،" نوه باول أنطون كروغر" إلى أن في ظل هذه الأوضاع خرج العراقيون وعلى رأسهم الشيعة إلى الشوارع، رغم أنهم أكبر المستفيدين من النظام الجديد بعد انهيار دولة صدام حسين".

التحالفات الشيعية تشكل الأغلبية في البرلمان، لكن أقوى الفصائل بقيادة مقتدى الصدر ترفض بشدة النفوذ الإيراني المتفشي في بغداد ودعت إلى تشكيل حكومة من التكنوقراطيين، إلا أن الصدر اضطر في نهاية المطاف إلى التسوية مع الجماعات المؤيّدة لطهران.

من جهة أخرى، دعا رجل الدين الشيعي، آية الله العظمى علي السيستاني إيران إلى "عدم فرض إرادتها على الشعب العراقي"، ليُضفي بذلك شرعية على المطالب الشعبية. وبدوره "عرض رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تقديم استقالته إذا تمكنت الأطراف من الاتفاق على خليفة له، لكن هذا السيناريو غير مُحتمل في ظل رفض الجماعات المتحالفة مع إيران له"، كما تقول الصحيفة.

بالنسبة لإيران فإن وجود الميليشيات المسلحة التابعة لها وبالتالي بسط نفوذها في العراق يخدم إستراتيجيتن. الأولى تشكيل ثقل موازن للقوات الأمريكية في البلاد.  والثانية ضمان الطريق البري المؤدي إلى سوريا ولبنان - طرق الإمداد للحرس الثوري في سوريا ولحزب الله في لبنان.

من العراق الي لبنان تحدي الهيمنة الإيرانية
غير بعيدا عما ذهبت إليه الصحف السويسرية الناطقة بالالمانية، نشرت صحيفة لوتون الناطقة بالفرنسية يوم الأربعاء 6 نوفمبر الجاري تقريرارابط خارجي لمراسلتها في بيروت فيرجيني ليبورنيو، شددت فيه على أنه بالإضافة إلى رفضهم للنظم الفاسدة في كل من العراق ولبنان، استهدف المتظاهرون في البلديْن كذلك التأثير الإيراني داخل حدود بلدهما.

وتذهب المراسلة السويسرية إلى أن المتظاهرين المعسكرين في ميدان التحرير ببغداد يتنافسون في صياغة وابتكار الشعارات المناهضة لإيران، في الوقت الذي طغى فيه على جميع الشعارات عبارة "أيها الإيرانيون آخرجوا من بلدنا". وينتشر هذا الشعار على جميع الحيطان وتردده جميع الأفواه. وعندما حاول المتظاهرون في جنوب العراق حرق القنصلية الإيرانية في مدينة كربلاء، كان ردّ النظام العراقي المدعوم من إيران والذي يأتمر بأوامره عنيفا حيث أطلقت قواته النار بدم بارد على المحتجين فقتلت منهم أربعة أفراد. وفي مدينة النجف، استبدل المتظاهرون اسم شارع "الإمام الخميني" باسم "شارع ثورة أكتوبر.".

"غياب منظومة عسكرية قوية"
تشترك التحركات الاحتجاجية في كل من لبنان والعراق في قواسم مشتركة عديدة، وفق تقرير صحيفة "لوتون" : فهنا وهناك يرفض المتظاهرون النظام الطائفي السائد، وانعدام الخدمات العامة، ومعدّلات البطالة المرتفعة، وكذلك استشراء مظاهر الفساد. ذلك أن "العراق تأتي في المرتبة 12 لأكثر البلدان فسادا في العالم، وتحتل لبنان المرتبة 42 من ضمن 196 بلدا".

كذلك تشترك هذه التحركات الاحتجاجية في البلديْن في مناهضتها للنفوذ والهيمنة الإيرانية. وتعتقد جونيفير كافاريلاّ، مديرة قسم البحوث بمعهد دراسات الحروبرابط خارجي في واشنطن أن "المظاهرات قد بلغت هذا المستوى من القوة والاتساع بسبب التدخّل الايراني الرافض لأي تغيير حقيقي في العراق"، مضيفة أن "هذا الامر مفهوم لكون إيران هي التي أوصلت رئيس الوزراء العراقي الحالي إلى السلطة، فقاسم سليماني، قائد وحدة النخبة داخل الحرس الثوري الإيراني، هو مهندس التحالف الذي يحكم حاليا في العراق".

وهكذا، فإن "كل نيل من استقرار الحكومة العراقية من شأنه أن يشجّع اللبنانيين على المضي قُدُما في تحركهم والمطالبة بالحد من النفوذ الإيراني. واستشعار هذا الخطر هو ما دفع السلطات الإيرانية إلى اتهام الدوائر المعادية لها بكونها هي التي تغذي حالة عدم الاستقرار في كل من لبنان والعراق، كما دفع وزير الخارجية الإيرانية إلى مطالبة السلطان اللبنانية بالإستجابة لتطلعات مواطنيها"، كما تقول جونيفير كافاريلاّ.

وفي لبنان نفسه، يشير التقرير إلى أن الاحداث لم تستثن حزب الله، حيث اتهمه المتظاهرون بأنه ضالع في الفساد. وعلى حد قول ماريا فونتابّي، كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية ، فإن "التأثير الإيراني في لبنان وفي العراق متشابه إلى حد كبير نظرا لغياب منظومة عسكرية قوية. هذا الفراغ استفادت منه إيران لتقوم بإنشاء قوات أمنية موازية وشبه رسمية، حتى وإن اختلفت ظروف نشأة هذه القوات في البلديْن". ففي لبنان، وضع حزب الله نفسه منذ حرب 2006 ضد إسرائيل بالخصوص في طليعة الدفاع عن البلاد، أما في العراق فقد ظهرت للوجود في أتون الحرب على "تنظيم الدولة الإسلامية". ثم إن الواجهات السياسية لهذه القوات سواء في لبنان أو في العراق هي في تبعية شديدة لمصدر القرار في إيران".

هكذا اصبحت ايران وامتداداتها الشيعية في مأزق خلاف شعبي مع فساد الحاكمين من الشيعة التابعين لايران ، وخلاف شيعي شيعي ما بين مرجعية النجف في العراق ومرجعية قم في ايران ، او ظهور تيار شيعي في جنوب لبنان ضد حزب الله .