كتب – روماني صبري
نجح ملايين البشر في تجاوز تجاربهم القاسية، فيما فشل البعض الآخر في نسيان الأمر فانعزلوا أشد العزلة، ورأوا في الحياة الضجر دون أن يندبوا حظهم مرارا وتكرارا علنا، محاولين حفظ كبرياءهم قبل أن يفيض إلى أرواحهم الموت، ودائما ما عكست ضحكات هؤلاء وعضهم أصابعهم الكثير والكثير عنهم، كالفنان هيثم أحمد زكي، الذي رحل عن عالمنا اليوم الخميس، إزاء تعرضه لهبوط حاد في الدورة الدموية، ما سبب انكسارا كبيرا لجيلنا.. فبموته جددنا إيماننا أن الموت قريب جدا بما يكفى، انه ليكفينا ذلك.

 كان زكي الابن من هؤلاء الطيبين وكريم النفس كوالده الفنان الراحل أحمد زكي الذي خطفه الموت قبل بلوغه الستين، كذلك والدته الفنانة هالة فؤاد التي رحلت في عمر صغير، وجده المخرج أحمد فؤاد وجدته وخاله.. ظل يصارع الرجل ليستبد به الهدوء النفسي أكثر في كل تجربة قاسية، لم يمرح مع العزلة بل اختارها مضطرا، تغاضى عن السخرية التي طالت أعماله الأخيرة، تغاضى عن الكيفية الغريبة العنصرية التي تحكم الفن في مصر، وليحظى ببال رائق وحسن لم يجد في لعب الدور الثاني مؤخرا أي آثم، ليقرر الزواج من فتاة أحبها فمات كاشفا وحشة الحياة.


ولد "هيثم أحمد زكي عبد الرحمن" في 4 ابريل عام 1984 بمحافظة القاهرة، وترك رحيل والدته وهو في عمر صغير أشد الألم في نفسه، فضلا عن انشغال والده عنه بسبب عمله الفني، ووفاة جده وخاله، فعاش وحيدا طوال حياته، ليجد في السينما ضالته عام 2006، عندما خطى أول تجاربه السينمائية في فيلم "حليم" بطولة والده أحمد زكي، وإخراج شريف عرفة، مجسدا مرحلة الشباب في حياة عبد الحليم حافظ، وأعقب ذلك فيلمه الثاني "البلياتشو"، لكنه ظل في المنزل لمدة 3 سنوات بعد هذا الفيلم، جراء ابتعاد المنتجين عنه الذين رأوا أن الممثلين ذو البشرة البيضاء – المثيرين !- هم من يجب أن يدفع بأسمائهم إلى واجهة المشهد الفني في مصر، ورغم ذلك لم يفرض "هيثم" نفسه عليهم وظل في منزله، كما لم يفرض نفسه على الجمهور ويقدم لسكان العشوائيات ما يفضلونه كما فعل البعض تحت زعم "الثقة في الله"، و"احنا بنشتغل عشان نسعد الجمهور بس"، - عشان كده بنشوفهم بيشحتوا في الشوارع ومش معاهم تمن تذكرة الأتوبيس .. أدي آخرة اللي يشتغل ببلاش عشان الجمهور- أي نوع من الكذب هذا! .

في عام 2010 شارك "هيثم" في مسلسل الجماعة،وبعدها قدم العديد من الأعمال ما بين السينما والتلفزيون مثل مسلسل دوران شبرا، الذي حصد بعده جائزة أفضل ممثل شاب في مصر، والذي كشف ان مصر تمتلك ممثلا شابا عبقريا، معجون بالموهبة، وفي 2018 كان أحد أبطال مسلسل كلبش 2، واختتم مسيرته بفيلم الكنز.


وفارق "هيثم عالمنا صباح اليوم الخميس"، وحيدا بعد تعرضه لهبوط حاد في الدورة الدموية، عن عمر 35 عاما فقط، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي منشور نسب إليه كان اقتبسه من فيلم والده "حليم"، :" ميهمنيش أموت دلوقتي ولا يهمني هموت امتي أنا اللي يهمني أني يوم ما أموت أفضل محافظ على مكانتي."

ونعته الفنانة ناهد السباعي، ونشرت صورة تجمعها به عبر حسابها على "إنستجرام" وعلقت عليها "إنا لله وإنا إليه راجعون، مكنتش مصدقة غير لما روحت عند البيت واجع قلبي طول عمرك من وإحنا صغيرين".
 
وأوضحت: "علطول بتقولى يا نودى أنا خايف أموت لوحدى فى البيت ومحدش يحس بينا، وحاسس إنى هموت صغير، وأنا دايما أرد أقولك إنت بتقول كده عشان رخم ونكدى".


وحكى عنه المنتج والممثل  محمد محمود عبد العزيز، نجل الفنان الراحل محمود عبد العزيز، عبر حسابه الشخصي على "انستجرام"،:" غلبان ومحترم وحياته صعبة من طفولته واستحمل كتير واتوجع كتير، عمره ما نادانى غير باخويا وعمرى ما ناديته غير باخويا لما كنا نتقابل أو نتكلم كنا بنرغى بالساعات وياما اتكلمنا على ابويا وعلى ابوه وكنا بنقول عمرنا ما هنكون ربعهم، انا مش عارف انا بقول ايه... اللهم لا حول ولا قوة إلا بالله".
وتابع:"آخر مرة واحنا بنتكلم من ١٥ يوم كنا بنفكر هل لما نموت هنقابل أبوك وابويا؟ ولما نقابلهم هانقولهم ايه وهايقولولنا ايه؟ سبقتنى وروحتلهم... السلام أمانة لحد ما اجيلكوا يا اخويا...الله يرحمك يا هيثم يا اخويا."