كتبت - أماني موسى
في وسط ظلام الجهل وشبح التطرف الذي يحيط بعدد من البلدان العربية، وفي وسط محاولات للانتفاضة ضد هذا الجهل الذي بات كشبح جاثم على صدور الشعوب العربية مستعد للانقضاض على بقاياه في أي وقت، تجد هناك مشاعل نور تحمل على كاهلها عبء التنوير ولها مسيرة حياتية حافلة علّ جهودها تؤتي بالثمار المطلوبة قبل فوات الأوان، من هذه المشاعل التي تحظى بها مصر ويفتخر بها كل الوطن العربي الفيلسوف الدكتور مراد وهبة، وهو مفكر وفيلسوف مصري، اسمه مذكور في موسوعة الشخصيات العالمية كأحد أكثر 500 شخصية شهرة في العالم، عيّنه الرئيس عبد الناصر مستشارًا له لشئون التعليم في السر، وتم فصله من الجامعة أيام السادات، بسبب تقرير لمخابرات الرئاسة عنه وصفه أنه أخطر أستاذ في الجامعات على النظام السياسي، وفي زمن مبارك منعته تعليمات "سوزان مبارك" من الكتابة في الصحف والمجلات.. نورد بالسطور المقبلة لمحات من حياته وفكره.
 
وُلد مراد وهبة جبران، في 13 أكتوبر 1926 م. في مدينة أسيوط في مصر، درس الفلسفة في جامعات القاهرة وعين شمس، ونال الدكتوراة من جامعة الإسكندرية.
وهو بروفيسور وأستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس وعضو في مجموعة من الأكاديميات والمنظمات الدولية المرموقة، وهو مؤسس ورئيس الجمعية الدولية لابن رشد للتنوير منذ عام 1994 م. 
 
اسمه مذكور في موسوعة الشخصيات العالمية حيث يعتبر من بين الـ 500 شخصية الأكثر شهرة في العالم.
 
العلمانية والتعليم البعيد عن الفكر الأصولي 
يؤكد البروفيسور مراد وهبة دائمًا على أن العلمانية هي الحل لخلاص الشرق الأوسط من صراع الأصوليات الذي يجتاحه، ويرى أن تطوير التعليم في المنطقة ليصبح على أساس علماني لا أصولي هو أحد الحلول الناجعة لأزمات دول الشرق الأوسط المنكوبة بالإرهاب.
 
 
دور فلسفة ابن رشد في إنهاء عصور الظلام في أوروبا والرجوع إلى إعمال العقل
يدعو إلى إحياء فلسفة ابن رشد في العالم العربي مجددًا، بوصفها "أداة لجسر الهوة بين الغرب والمجتمع الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ونجاح ابن رشد في البيئة الأوروبية من خلال فلسفة "الرشدية اللاتينية" التي أسهمت كثيرًا في تأسيس العقلانية الأوروبية، وما تولد عنها من إصلاح ديني في القرن الـ 16، وتنوير في القرن الـ 18 حيث وظفت بشكل واسع آراء ابن رشد الداعية إلي إعمال العقل في فهم النص وفي الحوار الإيجابي بين الناس، وان هذه الروح هي ما يجب أن يسود حوار الغرب والشرق لأنها أساس السلام في أي منطقة من مناطق الأرض.
 
ويؤكد وهبة أن تيارات الإسلام السياسي والإخوان على وجه الخصوص يشكلون خطرًا على العالم أجمع وليس مصر فقط، وأنهم تغلغوا في كافة مؤسسات الدول في ربوع كوكب الأرض، وإنجلترا بها مدن كاملة يعيش بها أناس من هذه الشاكلة.
 
وفي حوار سابق له مع الإعلامي عمرو عبد الحميد، أن الخلافة الإسلامية وأتباعها من الإسلاميين باتت تشكل خطرًا على العالم، وأن أوباما كان يسعى لسيطرة الأصولية الدينية على العالم.
 
نشأته وسط أسرة منفتحة 
وأوضح دور أسرته الوفدية متمثلة في والده ووالدته في نشأته على هذ الفكر، قائلاً: أنهم هم من منحاه الفرصة للتفكير ولأن يصبح فيلسوف، حيث تميزت أسرته بالانفتاح وعدم التعصب، وكانت هذه الأسرة تعطي لأبنائها فكرة للتفكير وتحمل مسؤولية هذه الأفكار في حالة التنفيذ.
 
تمرده بالمرحلة الثانوية على نظام التعليم القائم على الحفظ 
مشيرًا إلى أنه لم يكن طالب متفوق أو ناجح بالمرحلة الثانوية، بل كان معرضًا للفصل في أي وقت، بسبب تمرده على نظام الدراسة، قائلاً: الحفظ كان أساسيًا وكنت أسخر منه، في المرحلة الثانوية سخرت من تدريس الفرنسية، وطلب مدرس المادة من المشرف إبعادي من حصته قائلا: "أنا أو مراد!!".
 
وروى أنه حين كان طالبًا بالصف الثاني الابتدائي، اقترح أحد أًصدقاء والده، أن يلحقه بجمعية الشبان المسيحية، حيث كانت تفتتح فرعها الجديد في القاهرة لأن أساس هذه الجمعية في بريطانيا وأمريكا، وكان هناك مفكر يُدعى يعقوب فان قام بتأسيس قسم "الصبيان" داخل هذه الجمعية.
 
موضحًا أن هذا القسم كان عبارة عن عدة أقسام، وبداخل كل قسم برلمان ومجلس وزراء ونائب عام ورئيس جمهورية ولكن كصبية، ورئيس الجمهورية في هذا القسم كان يسمى العمدة، موضحًا أنه تولى منصب العمدة أثناء دراسته للثانوية العامة في الجمعية، وكان يتحلى بالروح الرياضية، حيث إن عدم التحلي بالروح الرياضية تُعد خيانة، لأنه تربى على الروح الرياضية
 
كليات التربية وتخريج إرهابيين
يرى أن المؤسسة الدينية فشلت في تجديد الخطاب الديني، ولكنها ليست المسؤولة وحدها، بل أيضًا كليات التربية التي تخرج الكثير من الإرهابيين، قائلاً في حوار سابق له مع اليوم السابع، أنا هنا لا أقول رأيًا، بل أتحدث عن تجربة عشتها بنفسى، فأنا أعيش فى كلية التربية، جامعة عين شمس منذ عام 1958، وتم فصلى مرتين، الأولى فى عام 1981، والثانية فى عام 1997، حينما قال لى رئيس الجامعة «أرجوك توقف عن التدريس لأن أفكارك تعد هديد للأمن القومى، فالطلبة لا ينامون».
 
الحديث عن تطوير التعليم دون تطهير كليات التربية من الإخوان هو عبث
مشددًا بأن بداية مواجهة الإرهاب لا بد أن تكون من كلية التربية، لأنها المعنية بتخريج المدرسين، فلو اقتحمت كليات التربية، ثم ذهنية الأستاذ "هتختفى الإخوان على طول"، وأن المواجهة الفكرية خارج كليات التربية والتعليم يعني ألا تصل لأي نتيجة، وأكد بأن الحديث عن تطوير التعليم دون اقتحام كليات التربية وتطهيرها من الإخوان هو محض عبث.
 
العالم الإسلامي الآن يقف عند نهج ابن تيمية والحل هو إحياء نهج ابن رشد
وفي حوار له مع صحيفة الفيصل، قال وهبة أن العالم الإسلامي، ومن ثم يمكننا القول إن العالم الإسلامي يقف الآن عند القرن الثالث عشر، ولا حل إلا بالعودة لنهج ابن رشد لإخراج العالم الإسلامي من الذائقة الموجودة فيه، لكن انتشار الأصولية يعني تدمير المجتمع، والأصولية تعني أن المعتقد الديني في أي دين هو مطلق، ومن ثم تعدد المطلقات، وعدم القدرة على إحداث أي تطوير أو تغيير أو الاقتراب مما يعتقد أنها ثوابت.
 
مقياس الحكم على تقدم مجتمع
ويرى د. مراد وهبة أن الحكم على تقدم أو تخلف أي مجتمع يأتي من خلال قياس مدى تغلغل الفكر الأسطوري والفكر العقلاني في المجتمع، حيث إن المسار الحضاري العام بدأ بفكر أسطوري مع محاولة لفهم الواقع بطريقة عقلانية، ومن خلال الصراع الفكر الأسطوري والعقلاني بدأ الأسطوري يتراجع والعقلاني يتقدم.
 
وأن هناك قوتين في أي مجتمع، النخبة والجماهير ودور النخبة أن ترتقي بالجماهير إلى المستوى العقلاني.
 
مؤلفاته
المذهب في فلسفة برجسون، محاورات فلسفية في موسكو، وفلسفة الإبداع، ومستقبل الأخلاق، وجرثومة التخلف، وملاك الحقيقة المطلقة، والأصولية والعلمانية، وقصة الفلسفة.