عاطف بشاي
«شعب مالوش كتالوج»..

هذه العبارة كتبتها صديقة شابة من أرباب «الفيس بوك» وزعيمة جروب فاخر، يكتب من خلاله عبارات عبثية مثل العبارة السابقة.. وهى تقصد بالعبارة بعضًا من مثالبنا المتأصلة والمتصلة بازدواجية السلوك.. والمفارقة الصارخة بين نقيضين.. ولأنى من المولعين باصطياد المفارقات وتأملها واستخلاص العبرة والمغزى منها فقد اندفعت فى إبداء إعجابى بأسلوبها العبثى فى طرح قضايانا الاجتماعية والسياسية.. وقلت لها:

- إننى أرى أن مفارقات الواقع الاجتماعى والسياسى تفوق خيال مؤلفى الدراما الكوميدية التى أصبحت فى مأزق لهذا السبب. واقترحت عليها أن نتبارى فى سرد بعض من هذه المفارقات.. رحبت بحماس وأسرعت قائلة:

- خذ عندك.. خبر فى جريدة يقول إن عاهرة بائسة اتفق معها سائق «توك توك» أن يتبادل وأربعة من أصدقائه الجنس معها داخل «التوك توك» فى مقابل خمسة جنيهات.. فوافقت.. وعند الحساب ضربها ورفض أن يدفع لها شيئا.. فهرولت إلى قسم البوليس لتشكوه للضابط الذى أمر بإحضار الأوباش الخمسة.. فاعترفوا بالواقعة فما كان من الضابط إلا أن أجبرهم على دفع المبلغ المتفق عليه فى الحال.. ثم أخلى سبيلهم جميعًا.

قالت: فى نفس هذا السياق هناك مفارقة ذكرها الأستاذ الأديب والكاتب الصحفى المرموق أسامة غريب فى جريدتنا الغراء ملخصها: زوج يقف أمام شباك التذاكر بالمسرح للحصول على تذكرتين له ولزوجته.. وعندما عاد بالتذاكر نظر فى اتجاه صور الممثلين وتساءل: أين الفنانة فلانة.. لقد قرأت فى الصحف أنها تشارك فى العرض.. ردت الزوجة: لقد هداها الله واعتزلت الفن.

صاح الزوج بحماس: الحمد لله أنه هداها للإيمان والبعد عن هذا الوسط الفاسد.

ثم أخذ يد زوجته إلى صالة المسرح ليلحقا بداية العرض.

قلت: وفيما يتصل بالتعليم هناك مفارقة صارخة يعيشها أطفالنا فى المدارس تتمثل فى التناقض الرهيب بين التكنولوجيا الحديثة التى تتزاوج مع التخلف المستشرى.. فالوزير يرى أن التابلت هو الدواء الناجع والأمثل لمشاكل التعليم ومن غير هذه الطفرة التكنولوجية لن ينطلق إلى آفاق التقدم والحضارة والغد السعيد.. بينما المضحك أن المناهج فى كل مراحل التعليم الجمود هو العنوان المناسب الذى يمكن أن نطلقه على شكلها وفحواها.. وبالتالى فإن إحداث طفرة فى المناهج الدراسية التى لا تتناسب بأى درجة من الدرجات مع مسيرة تطور البشرية لا بد أن يكون له الأولوية.. بل إن بعضها يكرس للعنف والإرهاب.

قالت: أنت تقصد درس «الطيور فى خطر» الذى جاء فيه أن الطيور قامت بإغلاق الخيام وأشعلت النيران فى الصخور حسب الخطة.. وبعد اكتمال الخطة أنشدت العصافير: بلادى.. بلادى.. فهذا الدرس يدرس فى منهج اللغة العربية للصف الثالث الابتدائى.

قلت: وقصيدة عمرو بن كلثوم التى اعترف فيها بقتل ملك الحيرة بسفه لأن أمه أهانت أم الشاعر.. والقصيدة تدرس فى المرحلة الثانوية.. وهناك مدرسون ومدرسات داعشيون وداعشيات فى المدارس.. معلمة منتقبة تقص شعر الفتيات فى الفصل وأخرى تضرب تلميذة بمسدس الشمع اللاصق وتحدث بها جرحا قطعيا فى رأسها.. وينتقل العنف من المدرسين إلى الطلبة.. لقد صرح لى جارى المدرس قائلًا:

- إحنا كل يوم بننضرب من الطلبة المشاغبين دون التدخل من الإدارة التعليمية.. لسه من كام يوم زميل لنا ضربه تلميذ بالفصل ضرب مبرح تسبب فى كسر ذراعه وارتجاج فى المخ فلما اشتكاه للمدير...

هتفت مقاطعة مستنتجة: لم يفعل شيئا أليس كذلك؟!

قلت فى سخرية: أعلن استنكاره الشديد واستدعى فى الحال أستاذ اللغة العربية والخط بالمدرسة وطلب منه أن يكتب لافتة كبيرة يضعها على باب المدرسة تحمل عبارة استياء وتهكم هى: «أغيثونا». إن شعار الطلبة الداعشيين هو: «قف للمعلم واضربه» وليس «قم للمعلم وفه التبجيلا».

بل هناك جرائم طائفية ترتكب فى المدارس.. وقد نشرت مؤخرًا مجلة روز اليوسف تحقيقًا صحفيًا عن مدرسة بالفيوم فرقت بين الطلاب المسلمين والمسيحيين وفصلت بينهم ووضعت كل طرف فى فصول مختلفة.

وبعد.. أليس هذا مجتمع الازدواجية والتناقضات.. وشعب ملوش كتالوج؟!.
نقلا عن المصرى اليوم