أسامة رؤف مساك

+ يقرر لنا الرب مراحمه والروح مواهبه وعطاياه عندما يجد فينا الاهتمام بمصير الآخرين ونوالهم الطوبى والسعادة الدائمة ، ولا عجب بعد ذلك عندما نرى مؤازرة الروح المستمرة والقوية فى حياة الكارزين الذين امتلأت قلوبهم غيرة على خلاص الآخرين وباتت فيهم النية الصادقة فى عودة الضال ومشاركته فى الموعد والميراث الذى للابن والمختار ، أما الذين أهملوا السعي فى رد الخاطئ عن طريق ضلالته وفى التعب من أجل تمسكه بميراثه الأبدي فقد لحق بهم الحزن والضعف والفشل ، بل والصغر فى ملكوت الله وأعين القديسين ..

+ ما أحوج الكنيسة فى كل جيل ومكان لأناس ارتوت نفوسهم بالماء الحي ترتفع قلوبهم النقية كل حين بروح الصلاة من أجل أن تسود الجميع الرغبة الدائمة فى الحياة حسب الروح والارتواء من كل حين ، حقاً بأناس مثل هؤلاء يسر الله وتفرح السماء وينال الكثيرون بسببهم البركات والعطايا وما يرجونه لحياتهم ، بل وبصلواتهم أيضاً تتحقق فى حياتنا معرفة قوة قيامة المسيح ومجد استجابته لصلوات الذين يعبدونه بالروح والحق .

+ كثيرا ما أضاعت نظرات عيوننا المملوءة إدانة وتحقيرا وتصغيرا وشكا وغضبا نفوسا كانت ضعيفة لم تقو على التوبة ونفوسا كادت أن تتوب لولا هذه النظرات الجارحة الذابحة النابعة من قلب غير طاهر، ونفوس كانت على حافة التوبة واستحقاق الملكوت ومنعتها من الوصول إلي ذلك نظراتنا القاتلة المهلكة غير الرحيمة ، ويقينا خسر كل هؤلاء مزيدا من الراحة واليقين والسلام ، أما المرأة الخاطئة التى جاءت فى بيت سمعان الفريسي فعرفت يسوع من عينيه المملوءة حبا ورحمة وإشفاقا وعطفا ، فلنقتد به فى نظراته الحانية الغافرة ، لأننا جميعا المرأة الخاطئة وجميعنا من نظروا إليها باستعلاء ودونية واحتقار !!!

+ إذا كان الخادم حريصا علي إيذاء الآخرين بنظراته الجارحة وأفعاله المملوءة غضبا وظلما وافتئاتا، فخير له أن يبتعد عن موطن خدمته تاركا معترك الخدمة لمن يحسنون القتال بأسلحة الصبر والحب والإيمان، فالخادم الذي لم يتعلم بعد أبجدية الحياة الروحية كيف له أن يعلم الآخرين عن النصرة والبلوغ في الحياة الروحية؟! وما أكثر الذين يظنون أن سلوكياتهم ضرورة وقداسة ثم يفاجئون بعد ذلك بوجودهم في اسر الشيطان وقبضته..

+ مخدوع من الشياطين ذاك الخادم الذي يظن أن قوته وتقواه أمور كفيلة بتحقيق السلام والثمر والتمييز فى خدمته ، بل بأمرين أثنين تنهض الخدمة ويزداد الثمر فتفرح السماء ، أولهما خضوع الخادم وثانيهما عمل النعمة ، بخضوع الخادم يأتي التأييد الدائم والعجيب للروح فيتغير الخادم والمخدوم بفعل الكلمة ، وبعمل النعمة تتقدس الإرادة البشرية حتى تكون على مستوى إرادة الله ومسرته ، وحينئذ نستطيع أن نرى الخدمة وقد أثمرت تحقيقا للإنجيل ومجدا لله ورغبة قوية ودائمة فى الشهادة للمسيح ....

+ ستظل الكنيسة في احتياج دائم ومستمر لشهود حقيقيين للمسيح، أنقياء في قلوبهم وأمناء في صلواتهم وعبادتهم ومحبتهم للجميع، لكي يضرعوا لله من اجل كل الضعفاء والمتألمين من التجارب والضيقات ، من اجل النفوس التي سحقت تحت عجلة الظلم والضيق والمعاناة والاحتياج، من اجل الساقطين والمأسورين والشاردين، من اجل كل فكر ورغبة وخدمة وعجز ، من اجل الذين صاروا لا يبالون بملكوت الله وبره وأيضا من اجل شهود الحق وأبطال الإيمان في كل زمان ومكان حتى يصل الجميع إلى مستوي المستحقين للموعد والبركة والإكليل ، حقا بمثل هؤلاء تعود الكنيسة إلى مجد أيامها الأولى حيث زمن الأشفية والمعجزات ومؤازرة الروح للمؤمنين في كل طلبة واحتياج وضعف.. "يا ذاكري الرب لا تسكتوا ولا تدعوه يسكت، حتى يثبت ويجعل أورشليم تسبيحة في الأرض " ( إش 62 : 6 - 7)

+ من هو المسئول عن انحراف إيمان الرعية سوى أناس دعاهم الله لكي يكونوا حراسا على أسوار أورشليم وباتوا غير مبالين بالدعوة والجزاء وامتداد ملكوت الله فامتلأت حياتهم من الصغر والضعف والانكسار، وأناس نسوا او تناسوا حتمية التكريس كعمل حتمي لقبول الجهاد والتمتع ببركات الخلاص فباتت حياتهم خاوية من الثمر والقداسة و الاستعداد ، وأناس أهملوا التعليم والإرشاد والرحمة كسلوك لحظي مستمر يبدو وكأنه وليد الإيمان والاختيار والغيرة الحسنة فازداد الجهل وعم الفساد وكثر الدونيون ، واناس وهب لهم مزيد من الاقتدار والمواهب والبركات وصار لا تشغلهم إرادة الروح ولا يحرك مشاعرهم أنين المحتاجين فامتلأت الكنيسة ضعفا و فتورا ولا إيمانية ، وأناس أعطي لهم أن يكونوا قادة و وكلاء و مدبرين ولكن المادة والكرامة جعلتهما في انشغال عن الحق و الفضيلة والتدبير الحسن فامتلأت بيعة الله رياء ومظهرية ومحاباة ، واناس استخدمهم الله لكي يكونوا قدوة ونورا وسر نجاة و فرح وإيمان الكثيرين فراحوا منشغلين ببطونهم و ذواتهم وطموحاتهم الدنيوية حتى نسوا ما هو مكتوب " مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ " ...إن نمو إيمان الرعية هو سر امتلاء الكنيسة بحضور المسيح ، وغياب ضمير الرعاة هو سر ظهور الكنيسة في صورة شائخة هزيلة و معثرة ...

+ يا خدام الكلمة اجعلوا قلوبكم علي ما يجعل أطفال الإيمان في سلام مع القادم والمجهول، وفي رجاء مع ما هو عتيد أن يساعدهم على الحياة في ظل الفرح والنصرة والوصول إلى الهدف، وفي يقين من أن صلواتهم قد بلغت أذني رب الأرباب وقد أخذ منها موقفا، إن فعلتم ذلك فسوف تساعدون الكنيسة على ظهور فئة لها من قوة الإيمان ما يجعلها في استعداد للشهادة والموت من اجل المسيح كل يوم وطوال اليوم وان أغفلتم القيام بهذا الدور الرعوي الحيوي عديم البديل فحتما سوف تصطدم الكنيسة والمجتمع بفئة تستعصي كل الكلمات والإمكانيات عن تقديم ما يلزمها من اجل نوالها التعافي من سم اليأس والصغر واللامبالاة وما تحتاجه من مساعدات بناءة سليمة داعمة لنفوسهم لأجل وصولها إلى الإيمان بما عند الله من حب واهتمام وغنى قادر إن يجعل النفس مدينة عامرة بالبهجة والسرور..

دعوة الخادم للعمل في كرم الرب دعوة قائمة على استعداده للعمل، وليست بناء على استحقاقه للدعوة.. يؤهل الاستعداد للاستحقاق والاستحقاق يعلن الاستعداد ويظهره..

+ كل فشل في حياة الخادم مرجعه عدم امتلائه من روح الحكمة، وكل تميز ورفعة وانتصار في حياته يعزى لحرصه الدائم على الامتلاء من الحكمة.. فلنتأمل كيف استطاعت الحكمة في حياة أبطال الكرازة أن تجعل أسماءهم كالنجوم في سماء الكنيسة عبر كل العصور وان تكلل كل أتعابهم في كرم الرب بالثمر الدائم والمفرح لقلب الله.. الحكمة في الخدمة هي إنكار الذات وإنكار الذات في الخدمة سر كل ارتقاء وارتفاع وثمر وامتداد لملكوت الله المبارك.

+ لئلا يخدع الرعاة وخدام الكلمة بسبب ما يبذلون من نشاط وما يوكل إليهم من مهام وما يقضونه من أوقات في التعليم والافتقاد والرعاية والإرشاد وما يلاقونه بسبب كل هذا وذاك من إكرام وإعجاب وتقدير وخضوع من الآخرين ويظنون أن في ذلك تأييد السماء وإعجابها بهم، لذا وجبت الإشارة لأمر هام ؛ فلقد خدم يهوذا كأمين للصندوق ولم يكترث بعظم الدعوة فابعد نفسه عن الخدمة حتى صار مرذولا من النعمة محروما من الشركة أسيرا لإبليس، و لقد كان اختيار شاول للملك بإرادة الشعب وصار في وقت قصير يبدو وكأنه المختار من الله المبارك من السماء المعين من قبل تدبير العناية الإلهية ثم بعد ذلك أعلن الله رفضه لشاول بل غضبه الشديد عليه حتى وصل الأمر لمفارقة روح الله لشاول، ومن ثم امتلاؤه من الأرواح الشريرة، ولقد كان ديماس تلميذا للرسول بولس وقطعا رأى في معلمه كل ما يسنده في الإيمان ويقدسه في الحق ويجعله مقتدرا في الخدمة و التأثير ومن ثم في نشر الكلمة وامتداد الملكوت، ولكن ما لبث أن أحب العالم الحاضر غير مكترث بمجد الحياة الأبدية وعظم الشركة في أمجاد الذين تعبوا في رد البعيدين إلى الحق ومعرفة المسيح

وهذا يؤيدنا في القول بأن ليس ما يتمتع به خادم الله من صيت و نجومية و مواهب وما يبدو على خدمته من جهد و ثقة وإعجاب و استمرارية وتواصل في العطاء والمثابرة والتغيير هو ما سيذكيه للمجد واستحقاق البركة والمواعيد، لأنه مكتوب" أما المتواضعون فيعطيهم نعمة" ،  وروح الله يستقر في نفوس خدام الرب منسحقي الروح متواضعي القلوب المرتعدين من كلمة الله..

+ لا تتجاوب مع أفكار العظمة لئلا تصير غريبا من النعمة مرذولا من الناس عاريا من الفضيلة، ولا تتجاهل توبيخات الروح لأنها القادرة على جعلك في صلاح و ارتفاع واستحقاق لكل ما هو فريد ومبارك من الله ، ولا تتهاون في الاستفادة من لحظات حياتك لأنها كفيلة أن تجعلك إنسان الله الكامل ، إن فعلت كل هذا وذاك يزكيك الروح وتسندك النعمة وتمتلئ حياتك وأوقاتك من حضور الله ...

+ لتكن أحضانكم وأفكاركم ومشاعركم فى الخدمة كما هي للمسيح ، فالخادم الذي يُري فيه المسيح واضحا وحاضرا كل حين كفيلة سيرته أن تغير الكثير عن الكثيرين ممن ضلوا الطريق وأدمنوا الشر وحالت كثرة آثامهم عن الرجوع للفضيلة والحق والاستقامة والنور .. الم تغير سيرة الطوباوي أنطونيوس فكر أغسطينوس وجعلت منه نجما ساطعا في سماء الكنيسة وشاهدا للنعمة وقوة عملها في الذين رفضوا كل غنى العالم وملذاته مبتغين رضا المسيح وتبعيته من كل قلوبهم ؟!

+ بقدر ما تكون الغيرة على الحق تكون النية فى الإصلاح وبقدر ما تكون النية فى الإصلاح يكون تأييد الروح ومؤازرته فى الضعف والتدبير ...

+ ما أحوج كنيستنا في هذه الأيام لمعمدان جديد يأتي كصوت صارخ في برية الرياء والظلم والنفاق والمحاباة ، حتى يأتي الجميع إلى الحق ومعرفة المسيح معرفة صادقة أمينة ودائمة ، حينئذ نرى الكنيسة وقد أصبحت كالسماء، يملأها البر والسلام ويشتم كل من يقصدها رائحة المسيح الزكية في الرعاة والرعية ..