مراد وهبة
في اتجاه أبوالأعلى المودودى نحو معاداة العلمانية، سار سيد قطب بعد انفصاله عن حسن البنا. فالمجتمع، عنده، إما أن يكون مجتمعًا جاهليًا وإما اسلاميًا. والجاهلية هي عبودية الناس للناس بتشريع بعض الناس للناس ما لم يأذن به الله. والإسلام هو عبودية الناس لله وحده بتلقيهم منه وحده عقائدهم وشرائعهم. ويرى سيد قطب، من خلال مفهومه للمجتمع الجاهلى، أن جميع المجتمعات القائمة اليوم تدخل فيه المجتمعات الوثنية في الهند واليابان والفلبين، وتدخل فيه المجتمعات اليهودية والنصرانية بتصورها المحرف للألوهية بأن تجعل لله شركاء، وتدخل فيه المجتمعات التي تزعم أنها مسلمة لأن بعضها يعلن صراحة علمانيته، وبعضها يعلن أنه يحترم الدين ولكنه يخرج الدين عن نظامه الاجتماعى.

ويخلص سيد قطب من كل ذلك إلى أن الإسلام إعلان لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد وذلك بإعلان ألوهية الله وحده للعالمين. بيد أن هذا الإعلان لم يكن إعلانًا نظريًا فلسفيًا، إنما كان إعلانًا حركيًا واقعيًا إيجابيًا. ذلك أن الذي يدرك طبيعة الإسلام يدرك معها حتمية الانطلاق الحركى للإسلام في صورة الجهاد بالسيف. وهكذا يكون المطلق الأصولى مطلقًا معاديًا للعلمانية معاداة دموية بدعوى أن العلمانية هي نفى لسلطان الله في مجالات الحياة برمتها.

وأخيرًا يأتى خومينى ويجسد هذا المطلق الأصولى الدموى في إيران في عام 1979 وذلك بتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد جُمعت محاضراته التي ألقاها عام 1970 وصدرت في هيئة كتاب بعنوان «الحكومة الإسلامية»، ويدور على ثلاث قضايا:

الحاجة إلى ربط السلطة السياسية بالأهداف الإسلامية.

واجب الفقهاء تأسيس الدولة الإسلامية أو ولاية الفقيه.

برنامج عملى لتأسيس الدولة الإسلامية.

وهذه القضايا الثلاث تدور على فكرة محورية هي أن الأمر الإلهى له سلطان مطلق على جميع الأفراد، وأن الفقهاء أنفسهم هم الحكام الحقيقيون، وأن الفقيه العادل من واجبه استعمال المؤسسات الحكومية لتنفيذ شريعة الله من أجل تأسيس النظام الإسلامى. ثم يتساءل خومينى عن سمات الحاكم المسلم الذي يتولى مسؤولية الحكومة الإسلامية فيرى أنها سمتان: السمة الأولى أن يحكم استنادًا إلى الشريعة الإلهية. والسمة الثانية أن هذا الحاكم هو الفقيه العادل. ومن هاتين السمتين يمكن القول إن المطلق الأصولى، عند خومينى، متجسد في الفقيه العادل، ومن ثم يتطابق المطلق مع النسبى وذلك بإحالة النسبى إلى المطلق، أو بالأدق، بمطلقة النسبى. وأى نسبى يتبقى بعد هذه المطلقة لابد من إزالته لأنه يشكل، عندئذ، نتوءًا في عملية المطلقة. والإزالة ليست ممكنة من غير حرب ضارية. وقد نظر على شريعاتى لضرورة هذه الحرب في كتابه المعنون «فى سوسيولوجيا الإسلام» حيث يقرر أن قصة هابيل وقابيل هي قصة الخليقة ومازالت مشتعلة إلى اليوم. فقد كان الدين هو سلاح كل من هابيل وقابيل. ولهذا السبب فحرب دين ضد دين هي العامل الثابت في تاريخ الانسانية. وإن شئنا الدقة قلنا إنها حرب الذين يشركون بالله ضد حرب التوحيد. وإذا كانت أسس الإسلام هي التقية والخضوع للإمام والاستشهاد، فالاستشهاد، في رأى شريعاتى، هو أهمها لأنه المبدأ الذي يدفع المسلم إلى الحرب من غير تردد.
نقلا عن المصرى اليوم