مفيد فوزي
-١-
على المستوى الشخصى أنا أستشير «من يعرف»! فلو كنت شغوفاً بسيارة مستعملة «استعمال طبيب»، كونت مجلس خبرة. أقصد أسأل مجموعة من الأصدقاء، ليس من بينهم تاجر سيارات! وللدقة أسأل الصحفيين الذين يحررون صفحات وملاحق السيارات وسوف ينحازون لى باعتبارى من أبناء المهنة! أنا أعترف بأنى لست «أبوالعريف» وهو وصف يراد به من يدعى أنه يعرف كل شىء من الذرة للبطيخ! ولا أظن أن د. زويل، وقد حظى بنوبل، يعرف كل شىء، فلا أحد يحتكر الحقيقة!

أتذكر أنه فى أحد لقاءات مبارك بالمفكرين والكتاب ذكرت كلمة «الخوارج» ضمن النقاش الدائر، وتفاجأ المجلس بمبارك يسأل: «مين الخوارج دول يا أخ بهاء؟»، وانبرى أحمد بهاء الدين يشرح تاريخياً من هم الخوارج بين دهشة الحضور لإصغاء رئيس الجمهورية! الخلاصة أن السؤال ليس محرماً حتى لو جاء من أعلى سلطة فى البلاد. ولابد أن أعترف بأنى بُهرت بسؤال «مبارك» آنذاك! وحين أواجه تفاصيل مشكلة خاصة ربما تورطت فيها لأسباب عاطفية، فأنا أستشير ابنتى حنان التى تملك رجاحة العقل وربما «رؤية أخرى»! فليست رؤيتى هى الأصوب وإلا كنت أنظر فى المرآة وأقول أنا الأصوب!

أتذكر أنى كتبت أقول: «مادام كل شىء مرسوما فما دور الإرادة الإنسانية؟»، كان السؤال يحمل حيرة ذهنية، وكنت أبحث عن إجابة، ووجهت السؤال لعقل موسوعى هو د. مراد وهبة. وكان الفيلسوف مراد وهبة متواضعاً إذ نشر فى «الأهرام» مقالاً بعنوان «مفيد فوزى والسؤال الصعب!»، وشرح وجهة نظره المفعمة بالفلسفة والعلمانية.

كان الموسيقار محمد عبدالوهاب دائم الأسئلة لصديقه د. مصطفى محمود، فقد تكونت «صداقة عقلانية» بين الموسيقار والمفكر، عبدالوهاب يسأل ومصطفى محمود يجيب، ويختم كلامه بعبارة «والله أعلم». ولم يخجل رئيس الولايات المتحدة من سؤال «مايكل جاكسون»: ما الفرق بين شهرتك وشهرتى؟ قال المغنى العالمى: «إن سيرتى سترددها الأجيال بينما أسماء الساسة فقد تتعرض للنسيان!!»، ذلك أن التاريخ يحفظ أسماء من لهم بصمة على الإنسانية. ربما كانوا نجوماً وملاكمين!. ويكتب الشاعر التركى ناظم حكمت هذه المقولة: «ليتنى أحظى بطفل يسأل بعد مماتى: ماذا كان ناظم حكمت يفعل؟»، يشير ناظم حكمت: «أن نسأل لنعرف هى الفضيلة»، فلا خاب من استشار ولا ندم على السؤال! وفى علم الكلام أن إجابة سؤال هى إضافة ونقطة وحرف. بمعنى أن الإجابة هى شروح يمكن الاستفادة منها. ورأى ورؤية ثانية بمثابة إضاءة لما استعصت المشكلة. إن نبى الإسلام محمدًا أمر بالاستخارة وأمر بالمشاورة، و«أمرهم شورى بينهم»، وكان الرسول يستشير الصحابة فى الأمور المهمة، والأمر شورى بينهم، ولا خاب أو ندم من استشار.

-٢-
السياسة فى تعريف «المعجم الصغير» هى عملية صنع قرارات ملزمة لكل المجتمع تتناول قيما مادية ومعنوية وترمز لمطالب وضغوط، وتتم عن طريق أهداف ضمن خطط أفراد وجماعات ومؤسسات ونخب أيديولوجيا معينة على مستوى محلى أو إقليمى أو دولى. والسياسة هى علاقة بين حاكم ومحكوم، وهى السلطة الأعلى فى المجتمعات الإنسانية، حيث السلطة السياسية تعنى القدرة على جعل المحكوم يعمل أو لا يعمل أشياء سواء أراد أو لم يرد، وتمتاز بأنها عامة وتحظى بالشرعية فى وجود الجيش والشرطة.. والدول التى تمتاز بأنها ديمقراطية تسمح بنشاط المعارضة وتكوين الأحزاب. إن كارل شميت، المولود فى ١١ يوليو ١٨٨٨ والمتوفى عام ١٩٨٥، هو أهم المفكرين الألمان فى القرن العشرين، ويرى أن «العقل الخطر هو من يتبنى أفكاره ولا يرى فكراً آخر فى المقابل»، ويعتبر شميت من نقاد الفلسفة الليبرالية، ويعتقد «أن العقل الجمعى» يمكن أن يتجه إلى ارتطام بثوابت الدولة، ولهذا يجب الحد من تناميها!

لقد كان هيكل «ذراعاً يمنى» لعبدالناصر، ولم يكن يسمح له برؤاه فى الجيش! وكان السادات يعتمد على عثمان أحمد عثمان والمهندس سيد مرعى، وكان من رأى عثمان «ضرب الشيوعيين بالإخوان»، وكان من رأى سيد مرعى أن الشيوعيين يمكن محاربتهم بالأفكار لا بالإخوان. وهنا قال السادات عبارته الشهيرة: «ما تلويش إيدى يا سيد»! وتمسك السادات برأى عثمان أحمد عثمان وأيَّده محافظ أسيوط حينذاك المعروف بانحيازه للإخوان، وبالفعل كان السادات عنيداً ذلك العناد الذى «دفع ثمنه من حياته»، على حد قول د. أسامة الباز، فقتله الإخوان الذين أفرج عنهم ورد لهم حقوقهم. كان يرى أساتذة السياسة أنه لو أنصف «لاتسعت دائرة الاستشارة والاستخارة فلا يعاند فى أمر من أمور الدولة المصيرية وإلا خاب»، هنا تكمن قيمة الاستشارة و«اتساع الصدر للرأى المعارض»، كما يقول كيسنجر.

لقد طرحت شعاراً أو «قولاً مأثوراً»، سيان، هو «من يطلب المشورة» لا يخيب. والنص هو «ما خاب من استشار» ولا ندم! والخلاصة التى أبغيها تتلخص فى بضع نقط:

١- أقع فى خطأ إن تصورت أن وجهة نظرى هى الأكثر صواباً.

٢- أقع فى خطأ إن رفضت الأفكار المطروحة الأخرى من باب الرفض.

٣- أقع فى خطأ إن تحزبت للرأى الواحد، فالسياسة بحر ألغام.

٤- أقع فى خطأ إن كان قرارى فى موضوع يخصنى وحدى، فما بال موضوع يخص «الكتل السكانية» التى نُعرّف بها «المجتمع».

٥- أقع فى خطأ إن اتخذت قراراً لم أسترشد فيه بالعلوم الإنسانية، علم النفس والفلسفة، فأى قرار إنسانى يخص النفس البشرية.

٦- أقع فى خطأ إن اشتريت سيارة دون «مجلس خبرة»، مأخوذاً بشكل السيارة أو لونها، ومعتمداً على ذوقى، فربما كانت تشكو من تيل فرامل أو مشاكل أخرى لا أعرفها فى الموتور أو الإطارات، وربما لم أسأل الكمبيوتر المسجلة فيه معلومات السيارة وأجهل عيوبها!

٧- ما خاب من استشار، والندم حليف من لا يطلب المشورة و... الخيبة! وإذا كان قراراً فردياً فالمسؤولية تقع عليك وحدك.

٨- الاستشارة فى أمر «المجموع» وجوبية، وهى من سلطات الحاكم.
نقلا عن المصرى اليوم