تتصاعد الدعوات لإجراء تحقيقات في جرائم حرب ارتكبتها تركيا والميليشيات السورية التي تقاتل إلى جانبها، وذلك بعد نشر سلسلة من مقاطع فيديو جديدة تصور المقاتلين المرتبطين بأنقرة وهم يعذبون الأسرى ويشوهون جثث الموتى.

وتوضح مقاطع الفيديو التي تم انتشارها على نطاق واسع خلال الأيام الماضية، كم كبير من الفظائع التي يزعم ارتكابها من قبل عدد من الميليشيات التي تقاتل إلى جانب تركيا في سوريا.

وأكدت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن انتشار هذه المشاهد على نحو هذا النطاق في المناطق الكردية، يثير مخاوف من تجدد القتال والانقسام العرقي المتزايد في المنطقة، حتى مع بدء "وقف إطلاق النار الهش".

وأشارت الصحيفة، أن هناك فيديو نُشر في وقت سابق من هذا الأسبوع من قبل مجموعة مدعومة من تركيا، يبين مقاتلاً كرديًا بعد أن تم أسره، فيما كان مجموعة من القوات يجرّوه من رقبته وهم يهددون بقطع رأسه.

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن هناك صورة أخرى تظهر قتلى المقاتلين الأكراد بسكين بينما يحاربون هؤلاء الميليشيات.

"تطهير عرقي"
وأدان المسؤولون الأكراد، إلى جانب المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، ما أظهرته تلك الفيديوهات، إذ وصفها الأخير بأنها "جرائم حرب محتملة" بينما يصر الأكراد على أنهم يتعرضون لـ"التطهير العرقي".

وقال جيمس جيفري يوم الأربعاء الماضي، خلال جلسة استماع في مجلس النواب الأمريكي: "لم نر أدلة شائعة على تطهير عرقي" من تركيا لكن هناك تقارير عن "وقائع عديدة لما تعتبر جرائم حرب".

وأضاف أن مسؤولين أمريكيين يعكفون على بحث هذه التقارير وطالبوا بتفسير من الحكومة التركية. كما قال إن مسؤولين أمريكيين يحققون في تقرير بأن تركيا استخدمت الفسفور الأبيض الحارق المحظور أثناء هجومها.

دعوة لتحقيق دولي
وفي يوم الخميس، دعا أعضاء مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة إلى التحقيق في احتمالات ارتكاب القوات التركية جرائم حرب، أشار ممثل ألمانيا لدى مجلس الأمن إلى المعلومات الواردة من منظمات حقوقية موثوق بها بشأن ارتكاب جرائم حرب في شمال شرق سوريا والتي تشير إلى أن المدنيين تعرضوا للاستهداف من قبل القوات التركية، معربا عن ضم صوته لغيره من ممثلي الدول الأعضاء في الدعوة لمحاكمة المتورطين والتحقيق في هذه التقارير.

وبالمثل دعا ممثل بولندا للتحقيق في التقارير الواردة بشأن انتهاك تركيا للقانون الدولي بممارسات ترقى إلى جرائم حرب في سوريا ومحاكمة المسئولين.

وفرّ ما يصل إلى 170 ألف كردي من منطقة قتال على طول الحدود التركية بعد عملية أنقرة، التي أطلقت عليها "نبع السلام"، والتي استمرت لأكثر من أسبوعين ضد القوات الكردية السورية، التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية تهدد أمنها القومي.

وصرحت أنقرة بأنها تهدف إلى إرسال ما يصل إلى مليون لاجئ سوري، يعيشون حالياً على أراضيها، لكن حتى الآن لم يتم تحديد المكان الذي سيعيش فيه اللاجئين بالتحديد، كما أنه لا يمكن تحديد ما إذا كان يمكن احتواء موجة العنف الأخيرة، بحسب الصحيفة.

ونقلت الصحيفة عن أرشان مزجن أحمد، وهو مسؤول كردي بارز، أن "أحد التحديات الرئيسية لدينا هو احتواء رد الفعل العاطفي.. أولئك الذين قتلوا هنا ليسوا من هذا الجزء من سوريا. نحن نحاول تهدئتهم".

وأضاف مزجن أحمد "إنه ليس نزاع دموي بالمعنى المعتاد للمصطلح. لقد كانت هذه خطوة ثقافية سائدة منذ قرون. نحن نحاول نهج آخر. لقد بذلنا جهودًا كبيرة لا لرؤيتها باعتبارها نزاعًا دمويًا، وإنما كمناورة سياسية".

وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن الميليشيات التي تحارب بالوكالة عن تركيا، تتألف من جماعات سورية كانت تقاتل ضد نظام الأسد، وجماعات أخرى تم تجنيدها منذ ذلك الحين كـ"مُستأجرين"، كما تشمل عديد الوحدات المتطرفة، التي كانت مسؤولة عن اغتيال السياسية الكردية، هيفرين خلف، التي نُقلت من سيارتها قبل أسبوعين وأُرديت بالرصاص على جانب الطريق مع حراسها الشخصيين.

من جانبها، قالت إليزابيث تسوركوف، زميلة معهد أبحاث السياسة الخارجية والخبيرة في الوكلاء الأتراك: "إن الفصائل التي تقاتل من أجل تركيا تتكون إلى حد كبير من شباب نزحوا من بلداتهم وقراهم من جميع أنحاء سوريا وخاصة شرق سوريا"، بحسب ما نقلته الجارديان.

وأضافت تسوركوف: "وفي عام 2016، كان من الواضح للعديد من السوريين أن تركيا غيرت موقفها من نظام الأسد ولن تحاول الإطاحة به، وبالتالي، فإن أولئك الذين انضموا إلى هذه القوة بعد عام 2016 كانوا في الغالب أفرادًا على استعداد للقتال، في مقابل المال، لتعزيز مصالح تركيا".

نفت أنقرة فرض عقوبات على أي فظائع في سوريا وسط تقارير تفيد بأنها استخدمت الفسفور الأبيض ضمن أسلحتها ضد الأكراد، ويقول مسؤولون عسكريون أتراك إنهم يحققون في أنباء عمليات الإعدام.

وأكدت تسوركوف: "تركيا تحتفظ بالسيطرة على جميع القرارات الاستراتيجية.. تقرر متى وأين تبدأ وتنتهي الهجمات. تدفع رواتب هؤلاء المقاتلين، وتدربهم داخل أراضيها وفي شمال حلب، وتوفر لهم الرعاية الطبية المجانية عند إصابتهم، وتشرف على جميع العمليات.. تركيا هي المسؤولة في النهاية عن سلوك هذه الفصائل".