"أنتم مش خايفين على جيشكم؟.. مش خايفين على ضباطكم الصغيرين إنهم يتهزوا؟.. الجيش مؤسسة مغلقة، حساسة جدا لأي سلوك مش مضبوط"، تحذير أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال المؤتمر الثامن للشباب، ليدق ناقوس الخطر القادم من الشائعات التي تستهدف القوات المسلحة مؤخرا، حيث تمثلت هذه الشائعات والتحريفات في "التعامل مع الجيش على أنه كيان حساس، مشاركة الهيئة الهندسية في أعمال الإنشاءات، معاملة الجيش على أنه دولة مستقلة".

وإذا نظرنا إلى المؤسسات العسكرية حول العالم كله، نجد أن لها حساسيتها ولا أحد يعلم ميزانيتها، بالإضافة أن دور الجيش ليس مقتصرا على حماية البلاد والأمن القومي لها، وهو الأمر الموجود في العديد من دول العالم. ومع فحص الموازنات التي تنشرها الجيوش نجد أن الموازنة لا تنشر بشكل كامل، وإنما معلومات بسيطة عن الإنفاق العسكري والتسليح، فهي لا تنشر بشكل كامل لأنها تندرج تحت بنود الأسرار العسكرية.

ومن أبرز الجيوش العالمية المشاركة في بناء الاقتصاد الوطني، الجيش الأمريكي، الذي أنفق في الفترة من 2006 وحتى 2013، أكبر إنفاق في الجهود المدنية منذ الحرب العالمية الثانية، وكذلك الجيش الصيني الذي يمتلك آلاف الشركات تستثمر في جميع المجالات، والأمر نفسه في الجيش الهندي والباكستاني والتركي.

وهو ما يؤكد أن مسألة الجيش الذي يمتلك قوة اقتصادية، ليست بدعة مصرية على الإطلاق، فهناك عدد من الجيوش حول العالم تمتلك شركات اقتصادية، وتخوض بها المنافسة في الأسواق الحرة.

استثمارات الجيش الأمريكي تصل إلى 44 مليار دولار في 7 سنوات فقط
الجيش الأمريكي له استثمارات بـ44 مليار دولار في مجال الإنشاءات خلال 7 سنوات، كما أن للجيش الأمريكي والمجموعة الهندسية دور واسع في مجالات تشييد الطرق واستباق الكوارث، فمؤخرا عمل الجيش الأمريكي على تشييد عدد من السدود والجسور على طول أنهار الولايات المتحدة، ووفقا لهيئة المهندسين العسكريين الأمريكيين، فقد منعت السدود التي أقامها الجيش الأمريكي ما قيمته 32 مليار دولار خسائر في الفترة من 2003 وحتى 2012.

كما أن برنامج الإنشاءات المدنية للجيش الأمريكي، بحسب موقعهم، استثمر نحو 44 مليار دولار في الفترة من 2006 وحتى 2013، فيما اعتبر أكبر إنفاق في الجهود المدنية منذ الحرب العالمية الثانية.

كما أن الجيش الأمريكي يشارك في مجال الصناعات تحديدا لتغطية احتياجاته الخاصة، فقد أعلن البنتاجون بأنه سيفتتح مكتبا في وادي السليكون، المكان الشهير لصناعة التكنولوجيا حول العالم، والمكتب سيكون واجهة لشركة تقوم على تطوير عدد من الصناعات.

30 ألف شركة يمتلكها الجيش الصيني في جميع المجالات
وبالنسبة للجيش الصيني، فإنه يمتلك 30 ألف شركة في جميع المجالات، كما أنه امتلك وأدار عددا من المشروعات الاقتصادية الضخمة في مجالات متعددة، منها إنتاح الأغذية ووسائل المواصلات وإصلاح المعدات والزراعات وغيرها، ويقدر عدد الشركات التي يمتلكها الجيش الصيني ما بين 25 ألفا إلى 30 ألف شركة، إلا أن المعلومات عن هذه الشركات شحيحة لطبيعة البلاد.

وبجانب هذه الأعمال المدنية، فإن الجيش الصيني يقوم بالتحكم في منظومة ضخمة من إنتاج الأسلحة التي بدأت تأخذ حيزا قويا في المنافسة العالمية، وهو الأمر ربما الذي دفع الجيش الصيني لتبني برنامج لتحويل كافة استثماراته في المجال المدني، إلى استثمارات في المجال العسكري.

الجيش الإيطالي يشارك في تأمين الصناعات الدوائية منذ القرن الـ19
وبالنسبة للجيش الإيطالي، فقد شارك في تأمين الصناعات الدوائية للسكان، منذ القرن التاسع عشر، خاصة للأمراض قليلة الانتشار أو عالية التكلفة، والتي لا يغطي التأمين الصحي الحكومي علاجها.

متاجر التجزئة الأكبر والأكثر ربحية في الهند تتبع الجيش
وهناك أيضا الجيش الهندي، فمتاجر التجزئة الأكبر والأكثر ربحية على مستوى الهند، هي متاجر "كانتين Canteen Stores Department"، مملوكة لوزارة الدفاع الهندية، وتبيع كافة المنتجات بداية من السيارات إلى البسكويت، وتمتلك 3901 فرعًا في الهند، و34 مستودعًا ضخمًا، وتقدر عدد المنتجات التي تبيعها بـ3400 منتج متنوع.

الجيش الباكستاني يمتلك ثلث الصناعات المعدنية الثقيلة بالبلاد
وبالنسبة للجيش الباكستاني، فهو يمتلك ثلث الصناعات المعدنية الثقيلة بالبلاد، كما أنه يعد واحدا من أكبر الجيوش التي تمتلك قوة اقتصادية في العالم، وهو ليس جيشا بدائيا بل هو جيش محترف خاض ثلاث حروب مع الهند وترتيبه الـ17 على مستوى العالم.

كما أن القوة الاقتصادية الضخمة للجيش الباكستاني تدير أصولا قيمتها نحو 20 مليار دولار، وتبدأ استثماراتها بداية من إنشاءات الطرق وآبار البترول ومنشآت صناعية ضخمة.

ووفقا لكتاب أصدرته الباحثة الأكاديمية الباكستانية عائشة صديق، فإنك بإمكانك أن ترى مؤسسات اقتصادية مملوكة للجيش في أي شارع رئيسي في المدن الباكستانية، بداية من المخابز والمتاجر ومرورا بالبنوك وشركات التأمين وأيضا الجامعات، كما يمتلك ثلث الصناعات المعدنية الثقيلة، وهو ما يجعله يمتلك حوالي 7% من الأصول الخاصة في باكستان، حيث يستثمر في مصانع السكر واكتشافات الغاز والبترول وشركات الأمن الخاص.

كما يمتلك الجيش الباكستاني أيضا مؤسسة اقتصادية وخيرية في الوقت ذاته، وهي مؤسسة (Fauji) ومعناها باللغة الباكستانية "جندي"، وهي مؤسسة تقوم على العمل على ضح مكاسب اقتصاد الجيش الباكستاني في المجتمع لمساعدته، والمؤسسة تقدم المساعدات لحوالي 9.6 مليون شخص، أي حوالي 7% من سكان باكستان.

الجيش التركي يساهم بـ60 شركة في كل المجالات
وبالنسبة للجيش التركي، فقد أسهم في 60 شركة تعمل بكافة المجالات من السيارات إلى إنتاج الشوكولاتة، ففي عام 1961 أسس الجيش التركي مجموعته الاقتصادية "أوياك" (OYAK)، وتأسست المجموعة في البداية من اقتطاع نسبة 10% من رواتب الضباط العاملين في الجيش، ويعمل في "أوياك" حوالي 29 ألف شخص، وبلغ حجم أصولها حوالي 28.3 مليار ليرة تركية، أي حوالي 10 مليارات دولار تقريبا، الأمر الذي يؤهلها لتكون واحدة من أكبر المجموعات الاقتصادية في البلاد، وتمتلك مجموعة من الشركات المعروفة على مستوى البلاد، مثل توكيل "رينو" الفرنسية لصناعة السيارات، كما تمتلك شركة لتصنيع الحديد تحت اسم ERDEMIR، كما تمتلك بنكا تحت اسم "بنك أوياك" لكنه بيع لاحقا، وكذلك تمتلك شركة معروفة في تركيا لتصنيع الأغذية المعلبة، ومجموعة متاجر تحت اسم (ETI)، وهي الشركة التي تنتج البسكويت والشيكولاتة.

والجدير بالذكر أن مجلس إدارة "أوياك" يديره نحو 100 ضابط من المستوى الرفيع في تركيا، وهي معفاة من الضرائب.

الجيش المصري يشرف على 2300 مشروع يعمل بها 5 ملايين موظف مدني
أما عن الجيش المصري، فهو يشرف على نحو 2300 مشروع، يعمل بها خمسة ملايين موظف مدني في جميع التخصصات.

في مجال استصلاح الأراضي، هناك الشركة الوطنية لاستصلاح الأراضي "تعمل في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني في شرق العوينات"، بالإضافة إلى "جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة"، حيث تعتبر القوات المسلحة مالكة لأكثر من 97% من إجمالي مساحة الأراضي في مصر وفقا للقانون.

وبالنسبة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، ففي مجال الأمن الغذائي يمتلك الجهاز شركة مصر للتصنيع الزراعي التي تمتلك 7 مصانع لإنتاج "صلصة طماطم - منتجات ألبان - أعلاف الماشية والأسماك - البصل المجفف"، وشركة كوين لإنتاج المكرونة، إضافة إلى قطاع الأمن الغذائي الذي يمتلك عددا كبيرا من المزارع والمجازر للحيوانات والدواجن، إضافة إلى وحدات إنتاج الألبان ومجمعات إنتاج البيض وغيرها.

وفي مجال الصناعة الكيماوية والتعدين، يمتلك الجهاز ممثلا في قطاع التعدين - الذي تندرج تحته عدة شركات صغيرة - معظم المناجم التعدينية في البلاد مثل مناجم الجبس والمنجنيز والرمل الزجاجي والطفل والزلط، إضافة إلى الشركة الوطنية للمياه "صافي" التي تعد أحد أكبر شركات إنتاج المياه في مصر.

وفي مجال البتروكيماويات والكيماويات الوسيطة، هناك شركة النصر للكيماويات الوسيطة "المنظفات الأسمدة - مكافحة الحشرات"، وشركة العريش للأسمنت وشركة إنتاج المشمعات البلاستيك.

وفي مجال الحراسة والصيانة، تمتلك الهيئة أيضا شركة النصر للخدمات والصيانة "كوين سيرفيس" والتي تقدم خدمات الأمن والحراسة وإدارة الفنادق، إضافة إلى خدمات أخرى، إضافة إلى الشركة الوطنية للبترول التي تدير محطات بنزين "وطنية"، وتنتج العديد من المنتجات البترولية.

كما تشارك الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتنفيذ العديد من المشروعات سواء المتعلقة بالإسكان الاجتماعي أو في القطاع الصحي، بالإضافة إلى مشروعات الطرق.

وجدير بالذكر أنه بين الحين والآخر تثار مسألة القوة الاقتصادية للجيش المصري، وهي المسألة التي جرى إثارتها بشكل كبير مؤخرا، لكن الحقيقة أن مسألة الجيش الذي يمتلك قوة اقتصادية، ليست بدعة مصرية على الإطلاق، فهناك عدد من الجيوش حول العالم تمتلك شركات اقتصادية، وتخوض بها المنافسة في الأسواق الحرة، ومن بين هذه الجيوش من يمتلك جزءا كبيرا بالفعل من اقتصاد بلاده.