القمص أثناسيوس جورج
هجمت تركيا بعدوانها البغيض علي الشمال السوري ، منتهكة الاجواء والمعاهدات الدولية ، بعدوانية شرسة قضت علي بشر وحجر . واستهدفت اخوتنا المسيحيين في قامشلي ، وفجرت الكنائس باجرامها العثماني المعروف عنها ، فليس بين المشكلات العالمية التي تواجه جنسنا البشرﻱ اليوم؛ ما هو أخطر من الحروب، والتي هي دومًا مرعبة.. فما بالنا بالتهديدات النووية المفجعة؛ التي ستقضي على الجنس البشرﻱ بدون أﻱ مبالغة؟!
 
ان التهديدات بالحروب وسباق التسليح والتلويح بالرؤوس الناسفة التدميرية، والمسارعة في تسويق منطق الحرب وتوفير مسوَّغاتها؛ إنما يدمر الحضارة والتراث والبيئة والكون وكوكب الأرض والجنس البشرﻱ كله . لقد صار العالم في اختلال رهيب كي يفتخر الجبار بجبروته وسطوته؛ بحيث تقرع طبول الحروب وتتلاقى المصالح؛ فتتحرك الأساطيل والترسانات النووية وتستخدم الغازات السامة والأسلحة المحرمة؛ بينما يصاب ويتسمم ويشوَّه ويموت الآلاف بل والملايين للتوّ، وتمحىَ البلاد من الوجود (هيروشيما وناجازاكي).. وقد رأينا السوابق وما خلفته آلالات الحرب المروعة من دمار؛ والتي إن تأججت نيرانها ستوصل العالم إلى حرب عالمية وفناء .
كم من الخراب والدمار والألم تصنعها الحروب والأسلحة؟! وكم تخلف وراءها موتى وأيتامًا ومعاقين وويلاتٍ ومآسي؟! بينما الخليقة تئن وتصرخ "كفا تصعيدًا وتهديدًا"، وتنادﻱ الكنيسة على العالم كله لكي ينجيه الله من الدماء "نجني من الدماء يا الله إلهي"؛ لأن الثقافة المسيحية ثقافة خير وسلام ومحبة وكل ملء بركة الإنجيل، لا ثقافة شر وسلاح وعدوان وغزوات وغنائم وسبايا ...
 
هذا إلتزام مسيحي ووصية إلهية بها تبقى الأرض وستبقي أرض بركة وحياة وانتاج ونماء ، لا نقمة وإرهاب ودماء وخراب .. أرض عيش وحصاد لا أرض حديد ونار وبارود ، يفر فيها الهارب ويصرخ فيها الانسان ويتالم المجروح والمصاب ...
 
من أجل هذا تدعو المحبة المسيحية بالخير والرحمة والشفقة لكل الخليقة .. تعارض الحروب وتشجبها بل وتحرمها، وتدعو بالبحث عن حلول سلمية للنزاعات؛ من أجل سلام العالم الذﻱ نصلي من أجله في الكنيسة ضمن عبادتنا القانونية (صلوا من أجل سلام العالم) ، (صلوا من أجل السلام الكامل)، كذلك ترفض الكنيسة إعتبار الحرب أداة مقبولة للسياسة الخاصة من الدول الكبري؛ مهما تذرعت بالأسباب الأخلاقية كي تشَرْعِن عدوان الحروب . لقد عاش المسيح ما علّم به، فلم يقاوم الخيانة ولا الاعتقال ولا التعذيب والصلب.
 
لم يحمل سلاحًا ولم يؤذِ أحدًا، ولم يشن حربًا على أحد؛ لأن الدوافع غير العادلة لا تخدم قضايا عادلة..
 
وهكذا تسير كنيسته على طريقته السلاميه، بل وتحب الأعداء والمنافقين والمبغضين، ويثور الضمير المسيحي على كل الأيادﻱ التي تسفك دمًا بريئًا؛ لأنها من الأمور التي يكرهها الله . وتنطلق الكنيسة بما لها من واجب أخلاقي تجاه العالم، لتعلن رحمة الله وستره ومحبته وغفرانه، وتبصر الإنسان بقيمته وكرامته، وتنادﻱ على من له أذنان للسمع فليسمع..
 
إن الله محب البشر الصالح قد خلق كل شيء حسن، من أجل حياة البشرية التي جبلها على صورته، وهو حتمًا يرحم جبلته التي صنعتها يداه.. وهو رئيس السلام الذﻱ عند اكتمال ملكوته سوف "يَطْبَعُون سيوفهم سِكَكًا؛ ورماحهم مناجل " لأنه "لا ترفع أمة على أمة سيفًا؛ ولا يتعلمون الحرب فيما بعد" (إش ٢ : ٤).. المسيحي مدعو ليحقق على الأرض السلام ومسرة الناس... يحول سيف الصراع إلى سكك محاريث وحرث وزرع وبناء ... محاربًا من أجل البر ولبس سلاح الله الكامل "سلاح البر" كجندﻱ صالح لله، جنس مسالم، يحيا ناموس السلام لا العدوان، يمجد الله بالكلمة وبالسلام... يلبس درع بر وتُرس إيمان وخوذة خلاص، يحفظ يده نظيفة؛ إذ لا يوجد مبرر لقتل الناس حتى ولو كانوا أشر المسيئين .
 
لا يوجد في إنجيلنا ذِكر أو نص لحرب؛ ولم يَروِ لنا أن أحد الإثني عشر تلميذًا أو أبًا من آباء الكنيسة قد شن حربًا أو عدوانًا؛ لأن مسيحنا دعانا لنكون رسل سلام ومصالحة، لا لنحيا فوق دماء ورحىَ الحروب التي تأكل الأخضر واليابس.. لذلك تتحمل الكنيسة مسؤليتها الوطنية؛ رافضة لغة السلاح والحرب؛ إذ لا يوجد ما تسميه حروبًا استباقية وحروبًا شرعية بموافقة أسرة دولية؛ فالضمير المسيحي الملتزم بمسيحيته برﻱء من كل حرب ومن أﻱ حرب وعدوان .
 
ليرفع الله برحمته ويلات هذه الحرب عن سوريا الشقيقة ، ويعول المشردين والنازحين ويكفي البلاد المجاورة شر الدواعش الهاربين بشر اجرامهم الدموي ، ناقلين ارهابهم ودمويتهم بقطع الطرق في محيطه