بقلم : كمال زاخر

أتفهم ما شهدته الأيام الأخيرة من غضب، وهو عندى مشروع، لسببين رئيسيين، اولهما تراكمي وثانيهما لقصور في ادارة الأزمة.
 
فلم نعتد علي العلاج الجراحي المؤلم بعد ان مكثنا لعقود تمتد حتي العهد الملكي نتعاطى مسكنات، ولعلنا نعيد قراءة خطابات العرش وبيانات حكومات ما بعد يوليو ٥٢، وما كانت تبشر به من رخاء ورفاهية قادمة، وكانت هي والسراب توأم ملتصق، حتي المغامرات العسكرية كانت مبررة بدغدغة المشاعر القومية وقد استنزفت مواردنا حتي اتت عليها وكانت القروض حلاً مستداماً اغرقنا في بحر بلا قرار.
 
وكان اللجوء الي "الدعم" مع السياسات الاقتصادية العشوائية حبل نشنق به كل جهود التنمية وتحول من استثناء الي قاعدة، مثلت رافدا ضاغطاً يبرر اللجوء للقروض، وماتت الصناعة وانهارت الزراعة، وتحولنا إلى اقتصاد الريع والمضاربة، وتراجع التصدير بتراجع القدرة علي المنافسة لاسباب عديدة، لحساب الاستيراد ليختل الميزان الاقتصادي ويطاردنا العجز، ويتضخم الدين الداخلي والخارجي.
 
وتتراجع اليات التعليم والثقافة وتنفجر في وجهنا القنبلة السكانية لتلتهم ما بقي من موارد.
 
ويأتي الفساد غولاِ يضرب كل مناحى الحياة يصل الي الركب بشهادة رسمية ثم يتصاعد حني يصل للحلقوم.
 
اللافت ان الانفجار السكاني والفساد كانا يحتميان بغطاء ديني يبررهما ويعمقهما، عبر تأويلات فاسدة وتراجع مؤسسات دينية رسمية.
 
لذلك فإن المعالجات الصحيحة جاءت مؤلمة
وتزايد الشعور بالألم غياب الإعلام المهني الذي يشرح ما يتم علي الأرض وانخفض سقف الشارع السياسي وتأكد موت الأحزاب ( التي ولدت بالأساس ميتة) لا فرق بين احزاب تقليدية او احزاب يناير او احزاب يونيو.
 
والصدمة الأكبر كان البرلمان الذي لم يقترب من مهامه الرقابية وكان في تشريعاته مكتبا للسلطة التنفيذية.
 
لذلك انتعش الفضاء الالكتروني والعالم الافتراضي ليصير رقيبا بديلاً وساحة معارضة مفتوحة بلا قواعد او ضوابط موضوعية.
 
وغابت لغة الحوار طرحا واستقبالاً وصار الشك المتبادل لغة معتمدة لدي كافة الاطراف، لتحتل الحلول الأمنية صدارة المشهد.
 
ثمة ارهاصات تلوح في الافق لإعادة الحياة للحوار الموضوعي وفتح قنوات (دستورية) لبناء جدار الثقة ورفع سقف الإعلام، وبناء حياة سياسية سليمة (احد اهداف يوليو ٥٢ الستةلمن يتذكر).
 
ان تأتي متأخرة خير من أن لا تأتي.