كتبت – أماني موسى
توفيت صباح اليوم السبت السيدة مارسيل هارون، والدة ماجدة هارون، رئيسة الطائفة اليهودية بمصر، وزوجة المناضل اليساري اليهودي شحاتة هارون، الذي كان معارضًا لإسرائيل وقيام الدولة الإسرائيلية.. نورد بالسطور المقبلة لمحات من حياة الراحل شحاتة هارون وكيف فقد ابنته الكبرى بعدما خُيّر بين مغادرة مصر للأبد وعلاجها بالخارج، فاختار البقاء في مصر.
 
أن يولد المرء مصريًا يهوديًا فهذا قدره، وأن يعيش منذ مقتبل عمره في ظروف الصراع العربي- الإسرائيلي وإنشاء دولة إسرائيل فهذا قدره أيضًا الذي يحتم عليه ظروف أفضل ما فيها هو مر، من أشهر عباراته التي تعكس حجم الصراع الذي واجهه أثناء تواجده بمصر وقت تم ترحيل اليهود في أعقاب الإعلان عن قيام دولة إسرائيل.
 
كما قال أيضًا "أنا يهودي نعم، ويساري نعم، ولكن الصفة الأهم هي أنني مصري، وفي حدود معلوماتي لا يشترط لكي أكون مصريًا أن أغير ديني أو أغير معتقداتي السياسية".
 
شحاتة هارون.. هو أحد أبرز اليهود المصريين الذي وُلد وعاش ومات ودُفن بمصر، رغم تعرضه لمضايقات عديدة من قبل النظام في الخمسينات مثل سائر اليهود في هذا الوقت. 
تعلم اليهودية على يد الحاخام والعربية على يد شيخ أزهري
ولد شحاتة هارون المصري اليهودي اليساري عام 1920، لأبوين مصريين يهوديين، وكان والده يعمل بائعًا في محل شيكوريل، درس شحاتة في مدرسة الفرير الكاثوليكية، والقى أصول الديانة اليهودية على يد الحاخام، بينما أصول اللغة العربية على يد شيخ أزهري، ويقول عن نفسه: إن الديانات الثلاث قد أثرت بشكل أو بآخر في تكوينه الفكري. 
 
اعتقاله في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر
درس الحقوق في "جامعة فؤاد الأول"، وانضم للتنظيمات الشيوعية، وتم اعتقاله أكثر من مرة، أحدهما في عام 1967 و 1975 ، و1979 بسبب معارضته لاتفاقيه كامب ديفيد. 
 
وقال "دهشت عندما قُبض عليّ، ودُهشت أكثر عندما وصفت في الصحف بأنني يهودي يساري، ولم أوصف بأنني مصري، ومعاد للصهيونية، ومناضل في حقوق الشعب الفلسطيني العربي وصاحب الجهد في هذا السبيل، لا أدعي أنه كبير ولكن أدعي أنه مخلص وصادق".
 
شحاتة هارون يرفض السفر لإسرائيل بعد قرار جامعة الدول 
بعد صدور قرار جامعة الدول العربية بترحيل اليهود العرب إلى إسرائيل، رفض شحاتة الرحيل إلى إسرائيل، معلنًا تمسكه بالجنسية المصرية التي ظل عليها وبقي بمصر حتى وفاته.
 
الحكومات العربية قدمت العون للصهيونية لتأسيس إسرائيل
وقال هارون أن الحكومات العربية قدمت عن وعي العون للمؤسسة الصهيونية في إسرائيل لتنفيذ مخططها واتخذت من التدابير للتخلص من مواطنيها أو المقيمين فيها من اليهود فأمدت إسرائيل بما يقرب من 60% من عتادها البشري، وبات الفلسطينيون ويهود الدول العربية هم الضحايا على مستويات مختلفة على يد الصهيونية والرجعية العربية.
 
كتاب يهودي في القاهرة يروي مذكرات الألم والحب 
اتهم أكثر من مرة أنه جاسوس يعمل لحساب إسرائيل، وقام بتأليف كتب "يهودي في القاهرة" روى فيه تفاصيل معاناته وحبه الشديد لمصر وطنه الأم، والتنكيل الذي تعرض له في عهد عبد الناصر بالسجون. 
 
من أشهر عباراته
"أرفض كل فكرة تجعلني مختلفًا عن بني وطني أو منفصلا عنهم، ومن هنا نشأت كراهيتي للفكرة الصهيونية.
 
"أرفض أن أنزع عن نفسي وباختياري صفتي كمواطن وحتى كإنسان، كما أرفض صورة اليهودي التائه.. على اليهودي كأي مواطن أن يتبني قضايا الوطن الذي ينتمي إليه، فهذا هو ضمانه وليست الصهيونية".
 
هارون يفقد ابنته الكبرى وتموت بين يديه عقب رفضه مغادرة مصر للأبد لعلاجها 
لعل من أكبر المآسي بحياة المصري اليهودي "شحاتة هارون" هو فقده لابنته الكبرى التي أصيبت بمرض خطير في الدم وكان علاجها يستلزم السفر إلى باريس، وعند توجهه لطلب التأشيرة، أصرت السلطات المصرية آنذاك بأنه إن سافر لن يعود إلى الوطن أبدًا.
 
وكان الخيار صعب ما بين الوطن وفقد ابنته الكبرى، ولكنه آثر البقاء في الوطن وعلاج ابنته بالإمكانيات المتاحة في مصر
 
ما أدى إلى وفاة ابنته الكبرى "منى"، ليقوم بعدها بإحراق كافة صورها حتى ينسى الأمر وبشاعته! 
زوجة شحاتة هارون وابنتهما
 
لن أترك مصر ولو قطعوا رقبتي
قال عن مصر بعد محاولات لإقناعه بمغادرة البلاد، "لن أترك مصر حتى لو قطعوا رقبتي، إنها وطني وحقي وواجبي، وأنا رجل محام لا يفرط في حقه ولا يتهرب من واجبه، ثم إنني لم أشعر في أي وقت من الأوقات بأن شعبها قد لفظني، وعندما قبض عليّ وجدت عشرات من المواطنين معي في السجن، ووجدتهم من مختلف الأديان والمعتقدات، ولم أشعر بأنني عوملت معاملة تختلف عنهم". 
 
يكتب لمحمود درويش: تحية من القاهرة، صخرتي التي لن أبيعها باللآلئ، حبيبتي التي لن أهجرها
 
وفي أحد خطاباته للشاعر الفلسطيني محمود درويش عندما قرر الخروج من حيفا، ناشده العودة إليها والبقاء فيها، فكتب له قائًلا: "تحية من القاهرة، صخرتي التي لن أبيعها باللآلئ، حبيبتي التي لن أهجرها، أنت وأنا الأمل، لو عدت أنت لحيفا، وصمدت أنا في القاهرة". 
 
هارون يتطوع لمساندة الجيش المصري بعد النكسة 
وفي أعقاب النكسة فتحت نقابة المحامين المصرية باب التطوع لمساندة القوات المسلحة، فكتب شحاتة إلى نقيب المحامين آنذاك يقول له: "عزيزي أحمد، تحية كفاح أبعثها إليك مع استمارة التطوع.. تاركًا لك اختيار المكان الذي أستطيع فيه أن أؤدي حقي وواجبي في المعركة، وإذ أعتبر مجلس النقابة قيادة لي"، وكان رد السلطات المصرية آنذاك هو الاعتقال.
 
يعارض اتفاقية كامب ديفيد
كان هارون معارضًا لاتفاقية كامب ديفيد، وكان يرى أنها اتفاقية سلام أمريكية بشروط الصهيونية الحاكمة في إسرائيل، وأنها ضد مصالح الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، وكان يرى أن قيام دولة إسرائيل هو محض خيال وخرافة يستحيل أن تتحقق، إذ أنه لا توجد دولة في التاريخ تتألف من عنصر واحد فقط، وكان يرى أنها ضد التاريخ وضد قانون الطبيعة. 
 
تبقى من بناته اثنين هما ماجدة ونادية وقد توفت نادية في مارس 2014، الأولى تزوجت من دكتور مسيحي إيطالي، وتزوجت نادية من مصري مسلم. 
 
منزل شحاتة هارون الملقب بـ محطة مصر
كان أصدقائه يلقبون منزله بـ محطة مصر، إذ يجمع بين جنباته كل الطوائف والديانات والجنسيات أيضًا وباعتباره منزل متميز يحتفل بكل المناسبات الدينية. 
 
وفاته بعد إصابته بـ ألزهايمر
توفي شحاتة هارون في مارس 2001 بعد فترة من إصابته بمرض ألزهايمر، وكان يوصي بأن يدفن وفق الطقوس اليهودية رافضًا استحضار حاخام من إسرائيل للصلاة على جثمانه، وبالفعل أستدعت ابنته نادية حاخام من فرنسا للصلاة عليه وبقي جثمانه خمسة أيام بانتظار الحاخام.
 
الأهرام ترفض نشر النعي
وتقول نادية أن جريدة الأهرام رفضت نشر النعي الذي قالت فيه عبارة والدها الشهيرة "لكل إنسان أكثر من هوية، وأنا إنسان مصري حين يضطهد المصريون.. أسود حين يضطهد السود.. يهودي حين يضطهد اليهود.. فلسطيني حين يضطهد الفلسطينيون"، وذلك احتجاجًا على كلمة يهود، ثم تم النشر بعدما نشرته جريدة لوموند الفرنسية. 
 
وفي لقاء سابق لها روت أنها حين قامت بزيارة قبر والدها واختها أنها شاهدت شباب يتجمعون ويسبون اليهود بشتائم إباحية، فصمتت ولكنها أشتاطت غضبًا حين قام هؤلاء الشباب بالتبول على قبر والدها وأختها أمامها، قائلة: جريت وراهم ومش عارفة لو كنت مسكتهم يمكن كنت قتلتهم.