كشفت الأحداث الأخيرة عن ضَعف الإعلام المصرى وبطء تعامله مع التحديات التى تواجه مجتمعنا، فى ظل ما يمر به العالم من تغيرات سريعة تتطلب أداءً مهنيًا مختلفًا ورفيع المستوى، بعيدًا عن الفهلوة التى اشتهرنا بها عبر عقود مضت، خاصة فى عصر السوشيال ميديا وما تلعبه بعض المنشورات التى تعمل على سرعة انتشار المعلومات حتى ولو كان بعضها غير صحيح، ومن ثم زيادة العبء على الطرف المجنى عليه.

 
الآن هناك حاجة لكى يكون لمصر صوت باللغات الأجنبية ويتفاعل مع الأحداث بوتيرة مناسبة، فالهيئة العامة للاستعلامات مع كامل احترامى لها، لم تعد تتعامل بنفس القدر مع التغيرات التى يمر بها العالم، ومواجهة هذه الأمور من خلال بيان صحفى أو مؤتمر صحفى ليس ذا جدوى، وإنما لابد أن تكون هناك قناة رسمية ناطقة بالإنجليزية على الأقل، وتفعيل موقع إلكترونى باللغات الأجنبية مرتبط بالسوشيال ميديا، يتم تحديثه على مدار الساعة، ويسمح لمراسلى الوكالات الأجنبية أو الخارج بمعرفة ما يدور بمصر من خلال هذه الوسيلة الإعلامية، بدلًا من ترك الساحة لقناة الجزيرة، سواء بنسختها العربية أو الإنجليزية، أو حسب أهواء الإعلام الأجنبى.
 
من يسافر إلى المدن الأوروبية سيجد قناة الجزيرة بالإنجليزية مصدرًا دائمًا للأخبار لمنطقة الشرق الأوسط، بما تقوم به من معلومات مضللة، وبناء رأى عام أجنبى مغلوط، لتصبح الساحة فارغة من وسيلة مصرية أو عربية قوية تسمح بتقديم المعلومات اللازمة، خاصة مع بطء أداء المسؤول الإعلامى لكل وزارة، وهو ما يعقد من الأزمة، ويضع الحكومة فى وجه المدفع دائما.
 
هناك حاجة أيضًا للمصارحة والمكاشفة ومواجهة ترهل الأداء الإعلامى فى الداخل، وضرورة منح الفرصة لكثير من الشباب والوجوه الجديدة، فمن أهم أسباب عدم مصداقية القنوات المصرية هو تغير اتجاهات بعض الوجوه الإعلامية، بما أضعف من مصداقيتها أمام الكاميرات، وبالتالى لابد من الاستعانة بوجوه جديدة مهنية يتم تدريبها على أعلى مستوى، مع منحهم مساحة من الحرية اللازمة التى تسمح لهم بتوجيه انتقادات للحكومة والبرلمان، وإلا سيلجأ المواطن للبحث عن الرأى الآخر فى قنوات مُعادية، خاصة أن الرأى الأوحد والدفاع عن الحكومة ليلًا ونهارًا لم يعد مجديًا وغير صحى.
 
لدينا أساتذة الإعلام وخبراء التسويق والسوشيال ميديا، لماذا لا تتم الاستعانة بهم لتطوير قدرات مبنى الإذاعة والتليفزيون بدلًا من الترهل الذى ضرب الجهاز الإعلامى الرسمى للدولة، لماذا لا يتم إنشاء قناة إخبارية مصرية على مدار الساعة، مثل يورو نيوز أو فرانس 24، أو غيرها من القنوات العربية والأجنبية، لتصبح مصدرا للأخبار بمهنية وتفاعل سريع مع الأحداث، التباطؤ فى التغطية هو من ساهم فى إثارة الجدل حول المظاهرات الأخيرة، وجعل المواطن يسقط فى فخ الشائعات.
 
كلنا نحب بلدنا ونتمنى للحكومة التوفيق والقيام بعملها، ولكن توفر مساحة للنقد البناء فى صالح الحكومة وليس العكس، فى ظل تكتل عدد من القوى المُعادية لمصر فى الخارج وتوجيه ضربات واتهامات بعضها غير صحيح للأسف ولكن فى ظل غياب احترافية فى التعامل مع مثل هذه الأمور، تصبح الحكومة فى موقف دافعى غير مفيد، وتقع بالمواطن فى المصيدة.
 
تحدثنا كثيرا عن دور الإعلام، وحذرنا من ترك الساحة لصالح تيارات معينة، وبالتالى استمرار الأوضاع على ما هى عليه يضر بالمجتمع والتعددية ويهدر كل جهود محاولات الإصلاح لبناء الدولة الوطنية الدستورية الحديثة التى تقوم على أساس المواطنة، وإغفال حق المواطن فى المعرفة يهدر هذه الجهود من المنبع.
 
ومع انعقاد مجلس النواب فى دورته الجديدة، ننتظر قرارات حاسمة من خلال النظر فى المجلس الأعلى للإعلام، والمجلس القومى لحقوق الإنسان، وغيرهما من المجالس التى حان أن يكون لها دور فى تحريك المياه الراكدة، بينما استمرار الأوضاع الراهنة يؤدى إلى الانفجار الذى نخشاه ولا نتمناه، فهل من مجيب؟.
 
* برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
نقلا عن المصرى اليوم