محمود العلايلي
التقى الرئيس المصرى السيد عبدالفتاح السيسى بكل من الرئيس القبرصى ورئيس الوزراء اليونانى، وذلك يوم الثلاثاء الماضى، فى سابع لقاء ثلاثى ضم قادة الدول الثلاث بصفتهم على مدار الأعوام الماضية، وقد بدأ هذا التحرك بمبادرة من الإدارة السياسية المصرية على سبيل البدء فى ترسيم الحدود البحرية بين الدول الثلاث، ومن ثم ترسيم الحدود البحرية لبعض الدول الأخرى الواقعة فى منطقة شرق المتوسط بشكل تلقائى، وهو ما أسفر أيضا عن تشكيل منتدى غاز شرق المتوسط فى يناير 2019، والذى ضم إيطاليا والأردن وفلسطين وإسرائيل مع مصر واليونان وقبرص، والذى يعمل على إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد على الوجه الأمثل، فى إطار احترام حقوق الدول الأعضاء بشأن مواردها الطبيعية بما يتفق ومبادئ القانون الدولى.

وجاء هذا اللقاء الأخير لبحث الأمور التى تهم الدول الثلاث فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، كما تمت مناقشة التهديدات التركية للحدود البحرية والاقتصادية للجمهورية القبرصية، على غير ما يقره العرف والقانون الدوليان. ويعتبر التعاون الثلاثى بين مصر وهاتين الدولتين خطوة مهمة للغاية، حيث يعتبر هذا فرعا من علاقة مصر الأوروبية، التى تتركز أحيانا فى المنطقة الأوروأوسطية، بينما يأتى منتدى غاز شرق المتوسط كتجمع إقليمى نوعى قائم على أسس محددة، مستند على علاقات متكافئة بين أعضائه، ارتكازا على أهداف متبادلة ومصالح مشتركة، ساعد على تدعيمها المخاطر والتهديدات الموحدة. ويمثل هذا التجمع الإقليمى ثقلا ذاتيا لكل دولة من أعضائه على حدة، حيث تمثل الطاقة فى هذه المنطقة أساسا مهما للسيطرة والهيمنة، كما أن مسائل منابع الطاقة غالبا ما يصاحبها استنفار اقتصادى وقلق عسكرى يستوجب التجمع لحماية هذا المصدر الاقتصادى المباشر، كما أنه يمثل ثقلا سياسيا لدول المنتدى التى تهدف إلى تسييل الغاز وتصديره إلى أوروبا التى تهدف إلى تقليل اعتمادها على إمدادات الغاز الروسية واستبدالها بمصادر أخرى من الجزء الجنوبى من القارة، عن طريق أنابيب للغاز المسال من مصر التى تعد الدولة الوحيدة من دول المنتدى التى تمتلك إمكانيات ضغط الغاز وإسالته. والحقيقة أن الوضع فى شرق المتوسط، الذى كان لمصر الدور الأهم فيه للوصول إلى الوضع القائم، حيث قامت الإدارة السياسية المصرية بدور لاعب الشطرنج الذى يحرك القطع على الرقعة المعدة لذلك، حتى أصبحت كل القطع المهمة محمية من أى هجوم عسكرى أو اقتصادى محتمل، والأهم أن المجموعة قادرة أيضا على الهجوم الوقائى حين يدعو الداعى لذلك. ومن أهم المؤشرات فى هذا التحرك بالذات أنه تحرر من الأنماط التقليدية للتحالفات الإقليمية التى طالما صدرت للمواطنين المصريين معانى الأخوة والمحبة والصداقة وأنها الدافع لتشكيل تحالف ما، بينما كان هذا التحالف مختلفا حيث قام من أساسه واتخذ شرعيته من الداخل المصرى على أساس الأمن والمصلحة العسكرية والاقتصادية المشتركة، وهو نهج واقعى لم يعتده الشارع المصرى الذى استعذب الأحضان الدافئة والكلمات الرقيقة والمعانى التى لا تؤدى إلى شىء، وينتهى مفعولها فور انتهاء النطق بها.

إن الجغرافيا السياسية للمنطقة تتشكل عاما بعد عام، والتوجهات السياسية تتغير يوما بعد يوم، فيتحول أعداء الأمس إلى حلفاء اليوم، وتصير شعارات وحدة الدم والمصير من التراث الأدبى والمخلفات الشعرية، ويتغلب قانون الواقع على المشاعر والأحلام، حيث يدفن الماضى فى التطلع للمستقبل، حتى صار العام 2030 مادة للتصريحات المستهلكة، وأصبح السياسيون والاقتصاديون والعسكريون يعملون على مدى زمنى لا يقل بحال عن خمسين سنة أو يزيد إن كنا نريد أن ننجو بأنفسنا فى القرن الحادى والعشرين.
نقلا عن المصرى اليوم