ثروت الخرباوي
الإخوان لا يحبون أن تحقق مصر أى انتصارات إلا إذا كانوا هم أصحاب أو قادة هذا الانتصار لأن منهجهم يقوم على ضرورة أن يصنعوا تاريخًا ناصعًا لأنفسهم يكون هو تاريخ مصر

هناك حقيقة إنسانية لا ينبغى أن تغيب عنا أبدًا، وهى أن الإنسان الذى يفرح لأحزانك، ويشمت فيك وقت انكسارك، ثم يكاد يموت كمدًا عند انتصاراتك وأفراحك، لا ينبغى أن تأمن له ولو أقسم لك بصلاح النية وحسن الطوية، وبيننا وبين إخوان الشيطان الأحزان والأفراح، الانتصارات والانكسارات، هؤلاء هم العدو فاحذرهم، ولكن معظمنا تغيب عنه هذه الحقيقة للأسف الشديد.

هناك حقيقة أخرى يجهلها البعض ويتجاهلها البعض الآخر، هى أن الإخوان كانوا يتمنون أن تنال مصر هزيمة ساحقة فى حرب أكتوبر عام ١٩٧٣، وقد يعتقد البعض أننى أبالغ هنا، ولكنها الحقيقة، فمن ناحية الإخوان لا يحبون أن تحقق مصر أى انتصارات إلا إذا كانوا هم أصحاب أو قادة هذا الانتصار، لأن منهجهم يقوم على ضرورة أن يصنعوا تاريخًا ناصعًا لأنفسهم يكون هو تاريخ مصر، وهو ما يقولون عنه: «التاريخ البديل» ويسعون من خلال تزوير التاريخ أن يصنعوا تاريخًا لقادة وزعماء وعلماء ينتمون إليهم غير قادة وزعماء وعلماء مصر، ولذلك فإن انتصار أكتوبر ١٩٧٣ كان من شأنه أن يصنع تاريخًا عظيمًا لمصر من دونهم، ومن ناحية أخرى فأمنيات الهزيمة كانت تراودهم لأنهم كانوا يعتقدون أنه لو نالت مصر هزيمة أخرى بعد هزيمة ١٩٦٧ ستنهار وتقع مؤسساتها وتقوم اضطرابات ومظاهرات، وقتئذ يسهل لهم القفز على حكم البلاد ولو على أشلاء رجال مصر وشبابها! هذه هى الحقيقة التى ظلت مخبوءة فى معبد الإخوان، وكم من الحقائق نجح الإخوان فى إخفائها فوقع كثير من رجال السياسة فى الخديعة، واعتقدوا أن الإخوان فصيل وطنى، بل وصل الأمر لدرجة أن بعض رجال السياسة طلبوا من النظام فى أواخر حكم مبارك أن يتم إدماج الإخوان فى العمل السياسى، باعتبارهم «فصيلًا وطنيًا يحب مصر».

قد لا يكون مجهولًا للمتابعين أن الإخوان فى أثناء حرب ١٩٥٦، التى استهدفت مصر كانوا أعوانًا للإنجليز، وأقصد هنا الإخوان الذين كانوا قد هربوا من مصر عقب محاولة اغتيال عبدالناصر الفاشلة، فقد توجه بعضهم إلى ليبيا، وبعضهم إلى قطر، وبعضهم إلى لندن، وفى لندن أنشأت لهم المخابرات البريطانية إذاعة موجهة لمصر أخذوا من خلالها يشنون حربًا معنوية ضد الشعب المصرى، صرخوا عبر موجات الأثير وقالوا للشعب المصرى: قم أيها الشعب واقض على حكم جمال عبدالناصر، فهو عميل للإنجليز! متواطئ مع اليهود، لأن أمه يهودية!! جاسوس للأمريكان! شيوعى يعمل مع المخابرات الروسية!! وكان من المطلوب أن يصدق الشعب المصرى كل هذا الهراء المتناقض، ولكنهم لم يهتموا بتناقض الأكاذيب، لأن الشماتة هى دين قلوبهم وما تخفى صدورهم أكبر، فسخر منهم الشعب وألقاهم وراء ظهره.

وكلنا رأى أو سمع أو عرف أن الإخوان فى حرب يونيو عام ١٩٦٧ شمتوا فى نكسة مصر، وهللوا وكبروا وهم فى السجون، وسجدوا لله شكرًا، لأنهم كانوا يظنون أن هذه النكسة سيترتب عليها سقوط حكم عبدالناصر، لا يأبهون لما ستناله مصر من خسائر تاريخية، ولا يشفقون على الشعب، الذى سيذوق ويلات الهزيمة، فهم يكرهون الشعب المصرى لأنه لم ينتصر لهم وانحاز للزعيم عبدالناصر، ولقد وصل الأمر بهم فى ردود فعلهم الشامتة فى مصر كلها عند هذه الهزيمة ما كتبه مصطفى مشهور فى أحد أعداد مجلة «الاعتصام الإسلامى» عام ١٩٧٨ أنه طلب من الإخوان الذين كانوا معه فى سجن الواحات يوم التاسع من يونيو عام ١٩٦٧ أن يقيموا صلاة تهجد يتهجدون فيها لله ثم يتوجهون له بالدعاء أن يُسقط حكم عبدالناصر، ويستطرد مشهور بأن أحد الإخوة الطيبين سأله: ألا نطلب من الله أن ينصر مصر، فرد مشهور: لو نصر الله مصر وعبدالناصر فى الحكم فسنموت نحن فى السجن، وإنما ندعو الله أن ينصر الإسلام ويعز الإخوان المسلمين!.

نعود إلى انتصار أكتوبر ١٩٧٣ وموقف الإخوان وقت تحقيقنا هذا النصر العظيم، أول من سأتكلم عن موقفه من كبار الإخوان هو المرشد الأسبق «عمر التلمسانى»، ففى ذكرى انتصار أكتوبر عام ١٩٧٦ طلب عدد من شباب الإخوان وقتها من عمر التلمسانى أن يقوم الإخوان بعمل إعلان كبير باسم الإخوان فى إحدى الصحف اليومية الكبرى يهنئون فيه شعب مصر بانتصار أكتوبر، فقال لهم التلمسانى: «أمركم غريب إحنا مالنا ومال أكتوبر واللى حصل فى أكتوبر، إنتم مصدقين إنه كان انتصار بجد، دا كان مجرد تمثيلية، وبعدين هو إحنا شاركنا فى الحرب دى علشان نحتفل بيها؟!».. التلمسانى هنا يرى أن حرب أكتوبر كانت مجرد تمثيلية! وقد كان هذا هو ما روَّجه الإخوان ولا يزالون يُروِّجونه إلى الآن، وقد استغلوا ثغرة «الدفرسوار» لينفوا عبر تأريخهم المزيف أننا انتصرنا فى أكتوبر.

أما مهدى عاكف، المرشد السابق للإخوان، فقد كان وقت انتصار أكتوبر لا يزال فى السجن، إذ إنه خرج من السجن عام ١٩٧٤ وأثناء درس كان يلقيه فى أحد مساجد مدينة نصر لمجموعة من الإخوان قال عن حرقة قلبه وقت الانتصار: «كنا فى السجن وعرفنا خبر الحرب، وكان معانا راديو ترانزستور، فسمعنا منه (بيان العبور) ما صدقناش وقلنا إن ده مش ممكن، أكيد بيقرَّعوا علينا زى ما حصل من أحمد سعيد فى ٦٧، راح واحد من إخوانا شاطر فى الكهرباء ظبط الإيريال ووصله بحتة صفيحة علشان تقوى الإرسال، وجبنا إذاعة إسرائيل علشان نتأكد إن ده محصلش، مالقيناش لا حس ولا خبر، جبنا (مونت كارلو) لقيناهم بينقلوا بيان العبور اللى طلع من مصر، ونفس الحكاية كانت فى إذاعة لندن، قام أخونا الحاج أحمد حسانين قايل بصوت عال: (يا داهية دقى ده يظهر إن الجيش عَبَر فعلا)»، وأحمد حسانين هذا كان من قيادات التنظيم السرى للإخوان فى عهد حسن البنا، وبعد أن خرج من السجن عام ١٩٧٤ أصبح أحد أتباع مصطفى مشهور لا يفارقه أبدًا.

ولمصطفى مشهور، مرشد الإخوان الأسبق، قصة عن حرب أكتوبر، كتبها فى مقال له بجريدة «الشعب» عام ١٩٩٨ حيث قال: «كنت وقت حرب أكتوبر فى بلدتى قرية (السعديين) منيا القمح محافظة الشرقية، وعند الظهر وجدت صياحًا وتهليلًا وتكبيرًا بين أهل القرية فاعتقدت أن أمرًا جللًا حدث فى القرية، إلى أن جاءنى الخبر بأن جيشنا عبر قناة السويس، وكان هذا هو سبب التهليل والتكبير، فقلت لا يمكن لبلدٍ لا يطبق الشريعة أن يحقق انتصارًا، وتحقق توقعى، فقد انقلبت الآية وعاد اليهود فانتصروا علينا فى الدفرسوار».

ومرت سنوات لندخل إلى عام ١٩٨١ وفى ذكرى السادس من أكتوبر وأثناء العرض العسكرى قام الإخوان باغتيال قائد الانتصار «أنور السادات»، وكأنهم كانوا يعاقبونه على هذا النصر العظيم، وأثناء حكم الإخوان لمصر وفى احتفال انتصار أكتوبر إذ بالإخوان يرتكبون حماقة كشفت عن سوء طويتهم عندما أحضروا وقت الاحتفال فى استاد القاهرة قتلة السادات ليجلسوا فى الصفوف الأولى! والحقيقة أنهم لم يكونوا وقتها يحتفلون بانتصار أكتوبر، ولكنهم كانوا يحتفلون بذكرى اغتيال قائد النصر الشهيد أنور السادات.
نقلا عن الدستور