جريدة الأهرام 12 أغسطس 2019

الكنيسة القبطية ومراجعات الإصلاح [3]
 
الأسقف فى الكنيسة
كمال زاخر
يُعد الأسقف فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حجر الزاوية فى تراتبية الهرم الإكليروسى، تأسيساً على أن اسقف الكنيسة هو المسيح نفسه، بحسب الرسول بطرس "لانكم كنتم كخراف ضالة، لكنكم رجعتم الان الى راعي نفوسكم واسقفها"، فيما يصف الرسول بولس نفسه وبقية التلاميذ، وينسحب الوصف على من اقاموهم للخدمة، فيما يعرف بالتسلسل الرسولى، بقوله "هكذا فليحسبنا الانسان كخدام المسيح، ووكلاء سرائر الله، ثم يسال في الوكلاء لكي يوجد الانسان امينا ."، ويعود ق. بطرس ليضبط عمل الأسقف ومهمته "اطلب الى الشيوخ (الأساقفة) الذين بينكم، انا الشيخ رفيقهم، والشاهد لآلام المسيح، وشريك المجد العتيد ان يعلن، ارعوا رعية الله التي بينكم نظارا، لا عن اضطرار بل بالاختيار، ولا لربح قبيح بل بنشاط، ولا كمن يسود على الانصبة، بل صائرين امثلة للرعية، ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون اكليل المجد الذي لا يبلى." فالأسقف هنا هو وكيل مؤتمن على الخدمة للعتيدين أن يرثوا الخلاص.
وعندما نطالع الهرم الخدمى الإكليروسى بالكنيسة نجد على قمته البابا، وهو نفسه اسقف مدينة الأسكندرية، وقد اقرت الكنيسة الجامعة فى القرن الرابع فى مجمع نيقية (325 م) قيادة اسقف الاسكندرية للكنيسة فى مصر وليبيا، وهو الأمر الذى كان قائماً بمصر قبل نيقية، "القانون السادس : فلتحفظ العادات القديمة في مصر وليبيا والمدن الخمس، في أن أسقف الإسكندرية له السلطان والرئاسة على كل هذه الأقاليم". ويقام على كل اقليم اسقف يدبر شئون رعيتها، ومن مجموع الأساقفة يتشكل مجمع الكنيسة برئاسة البابا البطريرك.
 
وعند قاعدة الهرم نجد القساوسة موزعون على كنائس الإقليم (الإيبارشية)، وفى كل كنيسة يختار أحد الكهنة ليصير قمصاً (أيغومانوس) يكون هو المدبر لإخوته الكهنة وللرعية.
 
نحن أمام ترتيب ادارى محكم ويبقى الكهنوت واحداً، وإن تمايزت الصلاحيات بقدر تمايز المسئوليات بين الأسقف والدرجات الكهنوتية الأخرى، لذلك لا يمكن الكلام عن كاهن دون رعية.
 
فماذا عن الأسقف العام، والذى يقام لمهام عامة دون رعية يضمها نطاق جغرافى، وهو نسق استحدثه قداسة البابا كيرلس السادس، عندما أقام اسقفاً للخدمات الإجتماعية واسقفاً للتعليم 1962، واختارهما من طاقم سكرتاريته، ولمعاونته، حتى لا يصطدم بشرط موافقة اساقفة ومطارنة المجمع آنذاك. وكانت تجربة متطورة وناجحة أكدت على مواكبة الكنيسة للتطورات المجتمعية ولتطور علوم الإدارة ايضاً، وتشهد الكنيسة نقلة نوعية فى دوائر عمل الأسقفين.
 
ويمتد الأمر الى ادارة البابا شنودة فيقيم اسقفاً للشباب 1980، والذى أكد على نجاح التجربة، لكن تطوراً جديداً لحق بفكرة الأسقف العام، إذ اتجه البابا وقتها إلى التوسع فى رسامة الأساقفة العموم (اسقف بلا رعية أو مسئوليات نوعية محددة كالسابق)، ثم اسناد بعض المهام لهم كلما اقتضت الحاجة ذلك، وفى تطور جديد فى حبرية البابا تواضروس لاحظنا تفضيل رسامة اساقفة عموم واسناد ادارة ايبارشيات لهم، لفترة تطول أو تقصر تنتهى إما بتجليسهم على هذه الايبارشيات أو نقلهم الى مهام أخرى.
 
وفى سياق مراجعات الإصلاح تحتاج تجربة الأسقف العام إلى إعادة فحص، ما لها وما عليها، وتقييمها بشكل موضوعى لحساب الرسالة المحمل بها الأسقف، ولحساب الكنيسة أيضاً.
 
فقد اختفت رتبة مساعد الأسقف (الخورى ابسكوبس)، وتم افراغ رتبة الإيغومانوس عملياً من مهامها التدبيرية، وتجربة تقسيم ايبارشية البابا الى نطاقات جغرافية صغيرة واسنادها الى اسقف عام خير مثال، إذ صار بابه مفتوحاً للكهنة والرعية لتلقى الشكاوى والطلبات، دون المرور على "الأب القمص"، فلم يعد للأخير قدرة على توجيه كهنته القساوسة، أو حتى رعية كنيسته، وهو الأكثر دراية بتفاصيلها والأكثر خبرة لكونه شيخاً مختبراً، بما لا يتوافر للأب الاسقف الذى تستغرقه المشاكل والصراعات الصغيرة.
 
ويبقى الأسقف العام هنا معرضاً للنقل أو إعادته للدير، لأسباب متعددة، ليست كلها موضوعية، لأنه يتولى عملاً معاونا لأسقف المدينة بغير أن يكون له سند قانونى يستمده من رسامته على المكان ويضمن له الإستقرار والإستمرار، أو ربما بفعل الوقيعة بينه وبين اسقف المدينة على خلفية القبول الشعبى الذى يمكن أن يحققه الأسقف العام وما يولده من مقارانات قد يراها اسقف المدينة انتقاصاً من هيبته، وهو وضع يحتاج إلى دراسة قانونية كنسية، وينبه الى أهمية إعادة الإعتبار لرتبة الإيغومانوس، والتى هى، وفق التجارب المعاشة فى زمن أسبق، الأفضل رعوياً وتدبيرياً، وينطبق هذا أيضا على دراسة إحياء رتبة الـخورى إيبسكوبوس، والتى تم تجربتها على استحياء فى ايبارشيتى بنى سويف والقليوبية، ولم يكتب للتجربتين الإستمرار أو التكرار لأسباب مختلفة وغير معلنة، رغم أنهما وفرا حلاً قانونياً بحسب الآباء، ولست بحاجة إلى التأكيد على إحترامى وتقديرى للأباء الأساقفة العموميين الموكل إليهم هذه المهام، فالطرح ينصب على التجربة لا الأشخاص.
 
وفى مواجهة اشكالية حاجة الإيبارشيات لأسقف يملك التعامل السوى مع المجتمع العام، الرعية والكهنة والإدارة والأجهزة الحكومية والمجتمع بأطيافه، يتوجب إعادة احياء "مدرسة الرهبان" التى افتتحها البابا يوأنس الـ 19 عام 1929 وأُغلقت فى ستينيات القرن العشرين، وكانت تعد الرهبان المتميزين لمهام الخدمة خارج اسوار الأديرة، وكانت بمثابة مرحلة انتقالية من الحياة الديرية إلى الحياة المدنية، وانعكس هذا على اداء الأساقفة المختارين من رهبانها.
 
يبقى فى سياق التدبير الأسقفى مراجعة تجربة تقسيم الإيبارشبات، وما انتجته من اشكاليات، وبغير خروج عن الترتيب الكنسى، نرى اعتبار المحافظة ذات الكثافة القبطية وحدة كنسية يقام عليها "مطران" فيما يقام "أسقف" لكل مدينة من مدن المحافظة، وتجمع المحافظات المتجاورة ذات الكثافة الأقل فى تجمع واحد يمثل وحدة كنسية ويقام عليها "مطران" فيما يقام "اسقف" لكل عدة مدن متجاورة، ويشكل المطران واساقفته مجمع المطرانية، وبناء علية، يتم تشكيل مجمع لمطارنة الكنيسة، يسند اليه برئاسة البابا البطريرك تدبير الكنيسة. ونجده يتميز بتجمع الخبرات الحياتية والتدبيرية ومحدود العدد بما يتيح مناقشة أهدأ وأعمق وأحكم لما يناقشه وانعكاس هذا بالضرورة على قراراته.