شوارع القاهرة جميلة ليلًا، القاهرة الساحرة العامرة، القاهرة المليئة بالحياة، المدينة التى لا تنام!.

 
تلك الجمل صارت «أكلشيهات» تتردد دون تطبيق، وربما دون تفكير، فى مدى صحتها ولا مطابقتها للواقع.. القاهرة لم تعد ساحرة! ولا جميلة.. فارقتها (الحياة)! بخلاف منطقة شوارع وسط البلد القديمة.. لن تجد فى القاهرة مكانا إلا وأحاطت به أسوار خرسانية لدواع أمنية أو أسوار حجرية لدواع طبقية!!.
 
الكتلة الخضراء تتقطع وتنتهك.. لم أفهم معنى أن تقطع أشجار حديقة المتحف الزراعى بالدقى التى يزيد عمرها على ١٠٠ عام ليبنى مكانها أكشاكا من الصفيح بألوان زاعقة اسمها شارع ٣٠٦ ومهما بلغ تعاطفى مع المشروع وحبى للفكرة إلا أننى لا أفهم فكرة وجودها فى قلب منطقة مزدحمة ولها فرص الزيارات السياحية إذا اهتم أحد بالمتحف يوما ما!.
 
سكان مصر الجديدة يستطيعون أن يشاركوك مئات القصص عن اللون الأخضر الذى كان عنوانا لشوارع الحى الأصيل فى القاهرة.. الأخضر يختفى ويستبدل بالرمادى بسرعة مهولة.. حتى منطقة المطار التى كان القادم إلى القاهرة يستمتع بمشاهدة المطار على جانب الطريق.. فوجئ سكان المنطقة باستبدال السور الشبكى الهادئ الذى كانت تسكنه أشجار قصيرة لا تحجب رؤية المطار.. بسور عال، مغلق حول المنطقة كلها إلى كتلة صماء من الذوق السيئ..!.
 
شارع المعز.. ذلك الملاذ التاريخى الذى اعتدنا أن نأخذ إليه كل من يأتى إلينا بعد تجديده منذ عشر سنوات كان كمتحف مفتوح، منذ أيام زرته لأجد الكراسى البلاستيكية القميئة تعود لتحتله وأغانى المهرجان هى الخلفية الموسيقية لهذا الجمال الذى لا يضاهى!!.
 
لا مجال هنا لسرد أمثلة.. ببساطة نحن نعرف القاهرة - رغم كل المزارات التاريخية وفرص الجمال فيها - هى ليست عاصمة الجمال بطبيعة الحال.. لكن على الأقل نريدها أن تعود مدينة صالحة للعيش.. فهى عاصمتنا وعنواننا وتاريخنا.
 
نريدها بلا أسوار خانقة، وبلا خوف فى شوارعها.
 
نريد شبابها أيضا- ممن لم يتورطوا فى شىء - خارج الأسوار ولا يتم توقيفهم واحتجازهم بدون سبب ولا مبرر.. نريد لأوطاننا الحرية فكيف نتقبل وجود كل تلك الأسوار تحيط بكل شىء.
 
فلا من مصلحة القاهرة أن تقهرهم.. ولا أن تحتجز وتسرح دون وجه حق ودون اعتذار.
 
المحافظة على الجمال والشعور بالأمان فى شوارع ترحب بوجودك فيها ولا تعتبر زائرا ثقيلا أو مجرد زبون تزورها لإتمام مصلحة، هى على المدى البعيد استثمار فى الانتماء واستثمار فى الحس العام بالجمال.. ذلك الذى يجعل الناس بشرا أسوياء ويجعل من البلاد أوطانا.
 
تحيا مصر.. حرة.. جميلة.. وطنا.
نقلا عن المصرى اليوم