خالد منتصر
أتابع مسلسل «رأفت الهجان» على «دى إم سى دراما» بنفس الشغف الذى كنت أتابعه به عند عرضه الأول على القناة الأولى فى التليفزيون المصرى، فالمسلسل برغم الإمكانيات الفنية والتكنولوجية فى كل العناصر التى تطورت وتقدمت ألف مرة عن وقت إنتاجه، فإنه يظل قطعة ألماس درامية مبهرة وممتعة، كلمة السر الـ« perfection» والرغبة فى الكمال والإتقان بنسبة ١٠٠٪ فى كل التفاصيل، المؤلف صالح مرسى الذى عمل على كل التفاصيل وكأنه يحضر رسالة دكتوراه وأمسك بكل الخيوط وكأنه ينسج بمهارة قطعة سجاد أصفهانى، المخرج يحيى العلمى جنرال استراتيجى يدير معركة بكل حنكة وبكل حسم وبكل حب أيضاً، رئيس قطاع الإنتاج ممدوح الليثى فنان يهتم بكل التفاصيل الصغيرة، وقد حكى لى الفنان أبوبكر عزت كيف أنه كان مشغولاً وقت تصوير المسلسل، فذهب إليه ممدوح الليثى بنفسه فى الاستوديو حيث كان يعمل فى مسلسل آخر ليقنعه بالدور الذى كان صغيراً لكنه مؤثر!!،

إلى هذه الدرجة كانت الرغبة فى النجاح، استطاع الليثى حشد كل نجوم مصر الكبار فى هذا المسلسل، أما بطل المسلسل محمود عبدالعزيز فهو الذى دفعنى إلى كتابة هذا المقال، عندما شاهدت حلقة الأمس التى تلقى فيها خبر الهزيمة، أجمل ما شاهدت من أداء تمثيلى مركب فى حياتى، نجم عالمى بكل معنى الكلمة، الموقف مرعب لأى ممثل، لأنك كيف ستستحضر الإحساس والتعبير لشخص مصرى مزروع كجاسوس داخل إسرائيل لمدة ١٣ سنة، وتروج لهم بأنك أكبر كاره لمصر وأعظم محب لإسرائيل، وأنت داخلياً تذوب فى عشق تراب مصر، تعتبر نفسك قد حققت انتصاراً رهيباً بأن أرسلت إلى القيادة السياسية خبر الهجوم الإسرائيلى المتوقع فى 5 يونيو ٦٧، تنتظر خبر الانتصار بفارغ الصبر، وإذا بك تسمع خبر الهزيمة وصاعقة التنحى، فتسقط وتتهاوى كل أحلامك فى لحظة، يتلقى بداية خبر الهزيمة من صديقته الإسرائيلية، المشكلة التمثيلية هى كيف سيجسد محمود عبدالعزيز تلك المشاعر المتناقضة من نزيف داخلى من جراء الهزيمة، وفرح خارجى بانتصار إسرائيل حتى لا ينكشف أمره، كيف تختلط الضحكات بالدموع، الرقص فى حفل العزاء والتأبين، كيف توصل هذا العملاق محمود عبدالعزيز للوغاريتم الأداء، لا أعرف حتى هذه اللحظة، إنما هو مشهد يستحق الأوسكار،

أبهرنى وهزنى وأبكانى، هذا الممثل الذى ظنناه سيسجن فى دور الشاب الحليوة الوسيم الجان، وهو الدور الذى لا يحتاج إلا إلى ملامح جميلة وصوت رومانسى ونظرة غرام، لكنه انطلق كالمارد وتحرر من هذا السجن وصار أستاذاً للتمثيل وهو الذى لم يتخرج فى معهد التمثيل، لكن وأثناء فرجتى على المسلسل لم أستطِع أن أقاوم سؤالاً ملحاً: هل كان رأفت الهجان سيغير خطته لو كان هناك فيس بوك وقتها؟!، وهل لو تخيلناه أو أنتجناه فى تلك الأيام كبطل لهذا الزمان هل سيستطيع الاحتفاظ بأسراره فى زمن لا أسرار فيه؟!، هل كان المصريون سيستطيعون تطبيق خطط الخداع والمباغتة فى الحرب لتحقيق الثأر والانتصار فى ظل 50 مليون خبير استراتيجى على الفيس بوك وتويتر؟، السؤال ماذا كان سيفعل وكيف سيتصرف رأفت الهجان نسخة ٢٠١٩؟!.
نقلا عن الوطن