من أربع سنين، كنت فى مشوار بعربيتى فى القاهرة.. وانا بهدى على أحد المطبات فى شارع البحر الأعظم واحد إبن حلال بياع مناديل شاورلى على عجلة العربية اللى قدام وقاللى: خلى بالك العجلة نايمة..أنا كنت هاطلع على الصحراوى بعدها فكان لازم اطمن واحل المشكلة..
 
بعد المطب بشوية -ولحسن حظى- لقيت واحد بتاع كاوتش، وقفت قدامه وطلبت منه فحص العجلة، وفوجئت إن العجلة مليانة قزاز وفيها مسمار..الراجل قاللى احمد ربنا انك حسيت بيها قبل ما تسافر..قولتله ده كرم ربنا اللى بعتلى الراجل بتاع المناديل..المهم..طلبت منه فحص باقى العجل..ولقيت الأربع عجلات كل واحدة فيها ما يتراوح بين 25 و30 خرم بسبب الزجاج والمسامير اللى حاولت بكل طريقة أفتكر جم منين وجم امتى؟؟ يمكن ركنت فى مكان مش نضيف..يمكن عديت عليهم فى طريقى..مش عارف..
 
ماكانش فيه حل سريع غير ان الراجل يركب حاجة اسمها (خابور) مكان كل خرم علشان يلحمه، يعنى أكتر من 100 خابور!!!.. الراجل عمل اللى عليه ودفعت الفين جنيه وشوية.. طبعا كان تغيير الكاوتش أرحم.. بس أوصل ازاى لبتاع كوتش فى التوقيت ده فى القاهرة اللى معرفش امشى فيها (وقتها) غير بالجى بى إس، ومعايا أربع عجلات نايمين!!! الراجل كان طيب وكريم جدا واشتغل بسرعة وبعد ما خلص جابلى قزازة مية معدنية وقاللى خدها علشان الطريق..
 
بعدها بشوية.. وانا فى الطريق.. جه فى دماغى شوية أسئلة: ازاى العجلة كانت نايمة وانا ماحستش؟؟..لا..ده الاربع عجلات كانوا نايمين وانا ماحستش!!! طيب ايه اللى خلى بتاع المناديل يركز فى الكاوتش بتاعى أنا بالذات؟؟ بلاش كده..هى صدفة إن دكان تصليح الكاوتش عل بعد أمتار من المطب؟؟؟ ومن الراجل-ابن الحلال- بتاع المناديل؟؟؟
 
طبعا إنتوا فهمتوا اللى أنا فهمته بالظبط..اتصلت باصحابى ودخلت على النت وعرفت إن دى خدعة مشهورة..مش بس كده..دى قديمة جداااااااااا..العجل ماكانش نايم ولا حاجة..والراجل بتاع الكاوتش راشش الأرض اللى قدام ورشته قزاز ومسامير علشان الزبون (اللى هو أنا) يعدى عليه.. وتكمل الحكاية..
 
إيه بقى علاقة الحكاية دى بتريند النهاردة بتاع الراجل (أقصد الذكر) اللى حب يدى خطيبته درس العمر، لأنها ماكانتش بتسمع كلامه، وكانت على غير وفاق مع مامته، فقرر يروح حفل الخطوبة عادى جداً.. ويأجل لبس الدبل شويتين بحجج مختلفة (علشان تراجع نفسها على حسب الكلام المنتشر/المنشور على لسانه)، وفجأة.. ساب هو وأهله حفل الخطوبة، واختفوا واحد ورا التانى بدون سابق انذار، وبعتلها بعد كده يقولها "مبروك يا عروسة، علشان تسمعى كلام اللى حواليكى كويس"- وفقاً لكلامها ونشرها.
 
العلاقة هنا حاجة اسمها التخطيط السيكوباثى Psychopathic Planning.. يعنى إيه؟
 
خلينا الأول نعرف مين هو الشخص السيكوباثى..
 
السيكوباثى ده نوع من اضطرابات الشخصية.. موجود فى حوالى 1% من البشر.. ونسبتهم فى الرجال إلى الإناث 20 إلى واحد (يعنى كل 100 سيكوباثى، فيه منهم ٩٥ ذكر، و ٥ اناث).. حوالى 15% من المجرمين والمساجين مصابين بهذا النوع من اضطراب الشخصية.. و 3% من رجال البيزنس الكبار فى العالم تم تصنيفهم انهم سيكوباث فى دراسة اتنشرت فى أمريكا سنة 2010.
 
الشخص السيكوباثى فيه 10 صفات لا تخطئها عين:
- جذاب ولطيف وحبوب جداً.. متحدث لبق ومتكلم من الطراز الأول.. معسول الكلام إلى أقصى درجة.. كلمة واحدة منه تطلعك سابع سما حرفياً.. أستاذ فى الغزل والإطراء، ورئيس قسم فى اللعب على أوتار المشاعر والاحتياجات النفسية والعاطفية والمادية.. عنده قدرة هائلة على الإقناع وطاقة جبارة على الإبهار..
 
- مش بيحس بالندم إطلاقاً.. هو حرفياً معندهوش ضمير.. مش بيلوم نفسه ولا يعاتبها ولا حتى يراجعها.. يقتل بدم بارد.. يجرح بابتسامة عريضة.. يدبح بكل صفاء ونقاء وأريحية.. ولا ذرة إحساس بالذنب..
 
- بالتالى.. فهو مش بيحب يتحمل مسئولية أفعاله خالص.. بالعكس.. ده دايماً يلقى اللوم على الضحية ويؤنبها ويقولها انت السبب.. لما يعمل حاجة تؤذى حد.. يقولك: ده كان يستاهل.. لما يجرح واحدة.. يقولها: انتى بس حساسة شوية.. لما حد يقوله انت بتعمل معايا كده ليه.. رده يكون: انت بس اللى مش عاوز تعترف بغلطك.. قدرة خارقة على قلب الترابيزة.. ومهارة فائقة فى تشكيك أى حد فى نفسه..
 
- احساس عالى جداً بالأهمية.. شايف نفسه مافيش زيه.. ومتوقع منك معاملة خاصة واهتمام زائد.. فاهم اللى محدش فاهمه.. وعارف اللى محدش عارفه.. ودايماً يستحق أكتر من اللى هو فيه.. بس مين يفهم؟ ومين يقدر؟ (ده رأيه فى نفسه).. نرجسية أصيلة متأصلة ذائبة حتى النخاع فى تركيبته النفسية المعقدة.. ودى أحد نقاط تشابه الشخص السبكوباثى بالشخص النرجسي (وهو تشابه كبير جداً).
 
- ذكى جداً.. لأ.. ده شديد الذكاء.. بيحسب كل خطوة، ويخطط لها قبلها بمراحل.. صعب أوى تضحك عليه أو تمسك عليه غلطة.. علشان كده بيسموا المجرمين السيكوباث فنانين فى الإجرام.. بيستمتع جداً بإيذاء الناس، وبالتحضير والتخطيط المحكم لده.. لكنه طبعاً بياخد مخاطرات غير محسوبة أحياناً.
 
- مش بيحس بالناس.. خاااالص.. معندهوش مشاعر أصلاً.. مش بيحب.. مش بيكره.. مش بيقرف.. مش بيهتم.. مش بيتألم.. مش بيخاف.. لكنه- وبكل أسف- بيعرف يمثل المشاعر كويس أوى، وأحياناً أحسن من أصحابها.. يعنى يقنعك إنه بيحبك، لغاية ما تصدقه.. وهو شخصياً يصدق نفسه.. يقنعك إنه زعلان من نفسه وندمان وحاسس بالذنب، لغاية ما تبقى عاوز تقطع شرايينك من كتر ماهو صعبان عليك.. يوريك انه مهتم ومشغول بيك ليل نهار.. لكنه فى الحقيقة- ومن جواه جداً.. أبيض.. فلات.. ولا حاجة.. مش حاسس بأى حاجة.. لكنه بارع فى اظهار واتقان أى حاجة..
 
- علشان كده، هو متخصص فى التلاعب بمشاعر الآخرين.. النهاردة يحسسك انك أحب الناس ليه.. بكرة يحسسك بالذنب إنه بيحبك أكتر مانت بتحبه.. بعد بكرة يشككك فى نفسك لأنك بتظلمه.. وكأنك حبيبات رقيقة من الذرة عمال تتقلب وتتشوى على نار هادية كل يوم بلا هوادة..
 
- مندفع جداً.. ماتعرفش تتوقع خطوته الجاية إيه.. الحاجة اللى تطق فى دماغه يعملها.. حتى لو كانت غلط.. حتى لو كانت خطر.. حتى لو كانت أذى أو ضرر لحد أو حتى لنفسه.. وده لا ينفى إنه أحياناً -زى ما قولت سابقاً- بيخطط بمنتهى الذكاء.
 
- كداااااااب.. بيكدب بشكل متكرر وغريب ومذهل.. لازم يطوع الحقيقة لصالحه.. يمزج الحق بالباطل.. يدخل الوهم فى الحقيقة.. ويعمل كده بمنهى البساطة.. من غير ما يبان عليه أى علامة.. هو أساساً عنده مشكلة فى ربط أى كلمة بأى شعور.. علشان كده مش بيبان عليه الكدب.
 
- عنيف.. خاصة وقت ما يصيبه الإحباط (مش الاكتئاب- هو لا يكتئب).. غضبه شديد وقاسى ومؤذى.. من أول العنف اللفظى.. لغاية العنف الجسدى والجنسي.. خناقات وضرب وتعوير ومشاكل ودم وأذى نفسي وجسدى قد لا يمكن توقعه.
 
نرجع بقى لحكاية التورتة والتخطيط السيكوباثى.. وأقولكم إيه أكتر حاجة واجعانى فيها.. هما حاجتين الحقيقة.. واللى جاى من كلامى هو توصيف لتصرف وليس تشخيص لإنسان أنا ماعرفوش وماقابلتهوش ولا شوفته أو سمعت نسخته من الحكاية..
 
الحاجة الأولى.. إن فيه حد خطط إنه يؤذى حد تانى، بدم بارد تماماً.. مش أى حد تانى.. لأ.. ده حد تانى المفترض إنه بيحبه.. يعنى سمعت منه كلمة (بحبك) عشرات المرات.. حلموا مع بعض ببيت وأسرة وحياة كل يوم.. بصوا فى عيون بعض وصدقوها..
 
برضه مش بس كده.. ده هذا التخطيط وهذا الأذى حصل فى أى يوم؟ فى يوم من أهم وأجمل أيام العمر.. وفى لحظة المفروض انها تكون الأجمل على الإطلاق.. وفى انتظار فرحة وبهجة وونس وورود ومشاعر وهوووووب.. تتقلب الترابيزة.. وكرسي فى الكلوب.. وتنطفئ جميع الأنوار..
 
علشان كده أنا كفرت من زمان بكلمة (الحب- بحبك- بنحب بعض)، لأن فى الحقيقة أكتر أنواع الأذى فى مجتمعنا بتتم باسم الحب.. ده غالباً الأذى مش بييجى غير من اللى بيقولوا انهم بيحبونا.. الناس بيخنقوا بعض باسم الحب.. بيدبحوا بعض باسم الحب.. بيطفوا بعض باسم الحب.. الحب الحقيقي اللى أعرفه اسمه (الاحترام).. انك تحترم البنى آدم اللى انت بتدعى إنك بتحبه.. تحترمه يعنى تقبله زى ما هو، وماتقللش منه، وتعامله ويعاملك الند للند وماتؤذيهوش بأى شكل ولا بأى درجة.
 
الحاجة التانية الموجعة لى فى هذه القصة هى اشتراك الأهل فى هذا التخطيط والتفيذ السيكوباثى الغريب.. محدش يقول لأ مايصحش.. محدش يقول عيب.. محدش يقول حرام نعمل كده فى الناس.. شئ عجيب فعلاً (والله أعلم بحقيقته).. المشكلة ان الأبحاث بتقول إن معظم السيكوباثيين (والنرجسيين) بيكون فيه جانب فى تربيتهم بيشجعهم على كده (من الأب أو الأم أو الاثنين).. لا حول ولا قوة إلا بالله..
 
طب وبعدين؟
لا.. هو مافيش بعدين؟ هو فيه قبلين.. بمعنى إيه؟
ماتبص كده فى العشر صفات اللى فوق، وتشوف قد إيه إنت قابلت منهم فى حياتك.. هو الفهلوة والتلاعب بعقول الغير مش سيكوباثى؟ هو الكدب والخداع فى البيع والشرا والحب والخطوبة والجواز والطلاق مش سيكوباثى؟ هو السخرية اللازعة إلى حد ايذاء نفوس الناس وأرواحهم مش سيكوباثى؟ هو التنمر والتريقة عمال على بطال على خلق الله مش سيكوباثى؟ هو العنف اللفظى والجسدى اللى فى البيوت والشوارع مش سيكوباثى؟ هو العنجهية والغرور والنفخة الكدابة و"انت ماتعرفش أنا مين؟" مش سيكوباثى؟ هو التنصل من أى مسئولية وانكارها ولوم الغير وتشكيكه فى نفسه مش سيكوباثى؟
 
الحكاية مش حكاية التورتة.. ولا الكاوتش.. ولا الخطوبة.. ولا قلة الرجولة وزيادة الذكورة.. الحكاية اننا بنتنفس سيكوباثى.. غرقانين فى سيكوباثى.. عايشين نايمين صاحيين واكلين شاربين سيكوباثى..
 
طب برضه وبعدين؟
بعدين نخلينا جدعان بقى.. وكل واحد يبص فى ورقته.. قصدى مرايته.. ويشوف هو شخصياً فيه قد إيه من العشر حاجات دول.. ويلحق نفسه قبل ما يؤذيها أو يؤذى بيها حد..
 
وكل واحد وكل واحدة.. قبل ما ترتبط بحد.. تاخد بالها والنبى.. الصفات مكتوبة أهى.. عشرة فى عين العدو.. احفظيهم.. اكتبيهم.. علقيهم على الحيطان.. اعملى منهم ميدالية وامسكيها فى ايدك..
 
ركزى كده واعقلى..
واعرفى انتى رايحة فين..
قبل الفاس، ما تقع فى راسك..