#حلل_يا_دكتور

بقلم : محمد طه
كتبت من أسبوعين عن #اسراء_غريب، الفتاة الفلسطينية اللى أبوها وأخوها وجوز أختها ضربوها لغاية ما ماتت علشان نزلت تقابل خطيبها (وأخته)، وصورت فيديو ليهم مع بعض ونزلته على انستاجرام..
 
خلال الأسبوعين دول، حصلت حادثة أبشع فى السعودية.. من أب قام بضرب بنته اللى عمرها لا يتجاوز عام واحد بمنتهى القسوة والبشاعة.. علشان يعلمها المشى!! وقتها مقدرتش أكتب من كتر الألم النفسي اللى كنت فيه..
 
لكن اللى حصل امبارح ل(جنة) أقوى من أى ألم شخصى.. وأهول من أى رغبة أنانية فى السكوت..
 
جنة طفلة ٤ سنين، ابوها و امها منفصلين، وعايشه مع جدتها ام امها و خالها.. خالها (كما يقال) اغتصبها.. أيوه خالها اغتصبها.. ذكر فحل كبير اغتصب بنت رضيعه عندها ٤ سنوات..
 
جدتها عشان تداري الموضوع حرقتها بغطا الحله فى جسمها كله واماكنه الحساسه، عشان يبان مكان الجروح والكدمات والندوب، حروق..
 
چني تم بتر أحد أرجلها لعدم وصول الدمليها من الإصابات.. بعدها بساعات ماتت جنى متأثرة بحالتها..
 
أنا مش ناوى أكتب بالعواطف والمشاعر، لأنى لو سيبت نفسي للصدمة وللبكاء والغضب اللى جوايا، مش هاعرف أكتب ولا كلمة.. لكنى -زى أى دكتورخيبان- هاستخدم وسيلة دفاع نفسية شهيرة اسمها العقلنة Intellectualization.. يعنى هاركن مشاعرى على جنب، واستخدم العقل.. والعقل فقط..
 
اللى لفت نظرى فى حكاية جنى حاجتين.. الحاجة الأولى هى إن اللى حبت تدارى على الموضوع هى (جدتها).. مش جدها.. مش أبوها.. مش خالها اللى اغتصبها نفسه.. والحاجة التانية هى المعنى.. معنى اللى حصل لجنى، ومعنى كل تفصيلة فيه.. ومعنى ده بالنسبة لمجتمع كامل.. بقى واضح جداً إن عقله الجمعى أصابه من التشويه ما يفوق كل وصف.. ولا أعزل نفسى أو أفصلها عن هذا التشويه على الإطلاق..
 
ليه جدة جنى هى اللى حبت تدارى على اغتصاب ابنها للبنت؟
شوف يا سيدى..
 
- أولاً.. علشان العقل الجمعى بتاع ثقافتنا ومجتمعنا (اللى هذه الجدة جزء منه)، بيعلمنا إن الأنثى هى الطرف اللى بيقع عليه اللوم دائماً فى أى اعتداء أو جريمة أو مشكلة تخص الجنس أو العرض أو الشرف. لدرجة إن معنى إن (راجل يصون عرضه) هى أن راجل يحفظ فرج امرأته (مش فرجه هو شخصياً).. فشرف الرجل العربى يقع بين فخذى زوجته وأخته وأمه..
 
العقل الجمعى والموروثات الثقافية بتاعتنا بتقولنا إن حواء هى اللى أخرجت آدم من الجنة، وان أكثر أهل النار من النساء، وإن النساء هم أشد الفتن على الرجال، وان المرأة لو تعطرت وشم ريحتها رجل تبقى زانية..
 
المشكلة إن معظم الكلام ده وصلنا زوراً وبهتاناً باسم الدين الحنيف.. اللى فى حقيقته عكس ذلك تماماً.. واللى لا يفوت فرصة إلا ويؤكد على اننا جميعاً أمام الله كأسنان المشط.. وإن النساء هن القوارير.. وان القوامة الحقيقة هى أن يكون الرجل قائماً/قوَّاماً على رعاية امرأته.. مش أن يكون عليها مقيُِماً/مقوِّماً.. بأى حق أصلاً؟؟
 
المرأة يجب عليها الطاعة العمياء لمخلوق مثله مثلها مايفرقش عنها قدام ربنا أى شئ.. مخلوق بشرى يخطئ ويصيب.. بس تطيعه.. يرتفع مستوى ذكاؤه عنها أو ينخفض.. بس تسمع كلامه.. يصح نفسياً أو يمرض.. بس ماتخرجش ولا تشتغل ولا تسافر إلا بإذنه.. يطلع أنانى يطلع سادى يطلع سيكوباثى.. هو كده..
 
المرأة هى السبب دائماً.. وهى المتهم أبداً.. من أول حوادث التحرش (إيه اللى وداها هناك؟)، مروراً بحوادث الاغتصاب (إيه اللى لبسها كده؟).. لغاية (سينتهى الغلاء حينما تتحجب النساء)!!!
 
طب نحترم الستات ليه بقى؟
نشوفهم بنى آدميين زيهم زينا إزاى؟ نقدرهم ونبطل نحتقرهم ونقلل منهم بتاع إيه ان شاء الله؟
 
وبأى منطق نتكلم عن الحب بين رجل وامرأة ؟ حب إيه اللى طرف فيه ماينفعش يقول للطرف التانى "لأ"!
 
مش ناسى كلمة قالتهالى أحد عميلاتى فى العيادة من كذا سنة: "يا دكتور أنا وصلنى عن نفسي كأنثى إن وجودى خطر.. إن وجودى مشروع فضيحة.. إن وجودى يدعو للاحساس بالذنب"..
 
- ثانياً.. الضرب جزء أصيل متأصل لدينا كطريقة للتربية والتقويم.. انت عندك الراجل من حقه يضرب امرأته لو ماسمعتش كلامه..رغم وجود عشرات المعانى والتفسيرات لكلمة الضرب فى الآية الكريمة (ومنها البعد)، والأب من حقه يضرب أولاده علشان يصلوا (رغم إن ربنا أكيد مش عاوز الأطفال يوصلوله بالضرب)..
 
بذمتك لو حد شاف حد بيضرب ابنه أو بنته فى الشارع، وحاول يتدخل.. إيه أول كلمة هاتسمعها منه ومن الناس اللى حواليه: وانت مالك.. ابنه وهو حر فيه! مش كده؟
 
بلاش كده.. قولى كده رد فعل أى عيلة على معرفة ان ابنهم اتحرش بواحدة أو صاحب واحدة أو نام مع واحدة.. ورد فعل نفس العيلة.. نفس الأب والأم.. لو بنتهم اتحرشت بواحد.. أو صاحبت واحد.. أو نامت مع واحد؟ بلاش نفس العيلة.. شوف اللى انت شخصياً حسيته دلوقت إيه؟ وكم الاستنكار والاستغراب والاستهجان اللى حصلوا جواك لمجرد تشابه الفرضين..
 
شايف العقل الجمعى متوغل ومخترق وواصل لغاية فين؟
طيب.. يبقى من ناحية.. الأنثى دايماً مذنبة ومتهمة ويقع عليها اللوم، ومن الناحية التانية الضرب شئ مشروع ومباح (ومحدش يقولى ضرب خفيف وضرب تقيل، والضرب النفسي والضرب الجسدى.. الضرب ضرب).. هاتكون النتيجة إيه بقى؟ بالظبط..
 
لأ.. استنى..
 
أنا لسه ماقولتش ليه الجدة هى اللى ضربت وعذبت، مش الخال أو الأب أو العم.. ليه أنثى هى اللى قامت بالجريمة مش ذكر؟
 
أنا كل ده كنت بامهد بس :)
فيه عرض نفسي شهير جداً اسمه (متلازمة ستوكهولم).. فى العرض ده.. بتتماهى الضحية مع الجانى.. تتعاطف المظلومة مع اللى ظلمها.. تؤمن بنفس أفكاره.. تصير فى صفه.. تؤازره وتدعمه وتقف إلى جانبه.. بنسميها بمفردات أخرى (تقمص المعتدى) Identification with the aggressor.. يعنى المعتدى عليه يتحول بقدرة قادر إلى نسخة ممن اعتدى عليه.. وفى أحيان كتيرة بتكون هذه النسخة أشد وأصعب..
 
الحكاية دى بتخلى ستات كتير فى مجتمعنا يصبحوا أكثر قسوة على الإناث من الذكور أنفسهم.. يدافعوا عن ظلم اذكور وقهرهم للإناث بشكل غريب ومدهش وغير منطقى.. يتهموا بنى جنسهم بالعهر والفجور وأحياناً بالكفر لأنهم بيحاولوا يقولوا للذكور من هذا النوع (لأ).. يطلبوا منهم الذل والخنوع والخنوع للمنظومة الذكورية الفاشلة بلا أى عقل أو تفكير أو فهم.. وأى واحدة تخرج عن هذا المألوف.. وتحالو تعقل أو تفكر أو تفهم.. تنهال عليها الاتهامات والسباب والشتائم.. وكأنها خرجت من الملة.. لأ.. دول بيخرجوها من الملة فعلاً.. ونظرة سريعة على جروبات الستات واللى بيحصل فيها على السوشيال ميديا، هاتوريك إن التشويه اللى حصل للستات أكتر بكتير من التشويه اللى حصل للرجالة (أقصد الذكور).
 
بس كده تمام.. اكتملت الخلطة.. الأنثى دايماً مذنبة وسبب للعار والفتنة والفضيحة.. الضرب مباح ومطلوب أحياناً.. وست تقمصت المعتدى وتماهت مع الجانى فكرهت أنوثتها وأقسمت أن تدفنها بالحياه.. ومعها كل ما يمت للأنوثة بصلة.. ولو من طفلة صغيرة عندها 4 سنوات.. تكون النتيجة الحتمية جنى.. واسراء غريب.. وغيرها وغيرها..
 
خد عندك كمان:
- قضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة مندوب بالحبس سنة وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة، استنادًا على أن المتهم هو العائل الوحيد لأسرته، وحفاظًا على طفلته التى ولدت بعد وفاة شقيقتها، إلى جانب أن وجود إباحة شرعية فيما فعله المتهم، واستنادًا إلى المادة 60 من قانون العقوبات التى تنص على الآتى «لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة». اليوم السابع 11 يوليو 2018.
- دفعت فتاة مصرية حياتها، ثمنًا لموقفها برفض خطبتها لأحد الأشخاص، خلال أيام عيد الفطر المبارك؛ بعد خلافات مع شقيقها الذي حاول إجبارها على إتمام الخطوبة، وصولاً إلى ارتكابه جريمة القتل ضدها. وبدأت الواقعة في محافظة الإسكندرية ببلاغ إلى قسم شرطة برج العرب من المستشفى، يفيد بوصول الفتاة ”ع.م 26عامًا“ متأثرة بعدة طعنات نافذة في القلب، حيث لقيت مصرعها بمجرد وصولها للمستشفى. البوابة نيوز 18 يونيو 2018.
- ..........ما شهدته مدينة كفر الدوار من جريمة قتل بشعة بعد أن وثّق أب أبناءه الأطفال وربطهم بخرطوم بسبب خروجهم ولعبهم فى الشارع بدون إذن.
 
الدستور 28 يوليو 2018.
- قتل أستاذ بطب الأزهر نجله البالغ من العمر 14 عاما بعد تعذيبه بموتور غسالة مثبت به مفك حديد حتى لفظ أنفاسه. المصدر السابق.
- إلقاء رجل لزوجته من "البلكونة" على اثر مشاجرة زوجية. المصدر السابق.
- 64 %من السيدات يتعرضن للعنف من الزوج الحالي. المصدر السابق عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.
- 49.5% من الفتيات الصغيرات في سن 13- 17 سنة تعرضن للتحرش الجنسي في عام 2014. المصدر السابق عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.
 
طيب.. إيه بقى معنى كل ده؟
معناه يا سيدى الآتى..
- زى ما فيه أمراض نفسية بتصيب الأفراد.. فيه أمراض نفسية بتصيب المجتمعات.. وبتظهر أعراض وملامح هذه الأمراض من خلال العقل الجمعى لكل مجتمع.. واللى بينعكس على أفكار.. وشعور.. وسلوكيات أفراده..
 
- عقلنا الجمعى -خاصة فيما يخص علاقة الرجل بالمرأة- مشوه تماماً، وبدرجة غريبة ومرعبة.. وده موجود وملحوظ وبشكل يومى فى معظم العلاقات، من أول علاقة الأب ببنته، لغاية علاقة الزوج بزوجته.
 
- اللى بيكون العقل الجمعى لدى شعب ما هو تاريخه الطويل.. وموروثاته الثقافية.. وأصالة وعمق فنونه.. وفى حالتنا- وقبل وأقوى من كل ذلك- ما وصل إلينا من الدين.. وأكرر (ما وصل إلينا من الدين، اللى ممكن يختلف أحياناً وبشكل جذرى عن حقيقة الدين).
 
- رغم إنه (يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها)، لكننا دايماً بنختارالاستسهال والجمود ومحاربة أى مراجعة أو تجديد. وده برضه أحد أمراضنا المجتمعية.
 
- محتاجين وقفة حقيقة، نفوَّر فيها العقل الجمعى بتاعنا.. آه والله نفوره.. ونعالجه بشكل حقيقى وعميق، لغاية ما ربنا يكرمنا ونعيد صياغته وتقويمه.. ومن غير ما ده يحصل.. وبكل شجاعة وإصرار وإخلاص.. انتظروا نسخة أصعب وأسوأ من (جنة) كل يوم..
 
- إزاى ده يحصل؟ لسه مش عارف.. لكنى كطبيب نفسي بيؤمن جداً بفاعلية العلاج النفسي الجمعى، أقول يا ريت يكون فيه مجموعة علاجية نفسية توعوية (بواسطة معالجين نفسيين متخصصين) فى كل شارع.. فى كل قرية.. فى كل حارة.. فى كل حى.. فى كل كنيسة وجامع.. فى كل مدرسة ومستشفى.. ده غير طبعاً الدور المهم جداً للإعلام وللخطاب الدينى المتجدد المستنير.
 
- رغم إنه (عقل جمعى).. لكنه ممكن جداً يتغير بتغيير (الأفراد).. يعنى انت شخصياً تقدر تساهم فى تغيير العقل الجمعى لمجتمعك.. تقدر تختلف وترفض وتقول لأ.. تقدر تبدأ تشوف أمك وأختك ومراتك وبنتك على انها بنى آدمة.. تصور! بنى آدمة زيها زيك.. لا تنقص عنك أى شئ.. وليس لك عليها أى أفضلية أو فوقية.. آه والله..
 
- "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".. صدق الله العظيم.. يعنى تبدأ بنفسك.. بس احنا اتعودنا على الExternalization.. يعنى أسهل طريقة بالنسبة لنا فى التعامل مع أى شئ.. هى انك تعفى نفسك من المسئولية.. وتنكر دورك فى الوصول إلى ما تشتكى منه.. وتعلق الشيلة فى رقبة حد غيرك.. وتحمل المسئولية لحد خارجك.. وتستنى بقى الحلم والأمل والتغيير..
 
اللى عايز تغيير بجد.. يبدأ بنفسه..
اللى عايز حرية حقيقية.. يحرر وعيه..
اللى عايز ثورة ايجابية ناجحة.. يثور على عقله..
 
الIntellectualization (العقلنة الدفاعية النفسية) وصلتنى فى المقال لغاية هنا.. بس مش نافع أكمل بيها أكتر من كده.. الدموع فى عينى.. والغضب على جنة وأمثالها ملانى.. والحسرة والألم تغلبت علي.. كفاية كلام لغاية هنا..
 
ربنا يرحمك يا جنة..
أيتها الموءودة التى ستسأل..
بأى ذنب قتلت..