مدحت بشاى

 مع نهاية التسعينيات من القرن الماضى، وبدايات الألفية الجديدة فى زمن أصعب أيام التراجع الأمنى والاجتماعى والاقتصادى «المباركى»، توالى وقوع الأحداث الطائفية، وسقوط العشرات شهداء على أبواب الكنائس وأمام مذابح الكنائس والأديرة والبيوت المسيحية، وكان آخرها فى عهده تفجير كنيسة «القديسين» بالإسكندرية، والتى استشهد وأصيب فيها العشرات وهم يمارسون شعائر صلاتهم، وذلك قبل إسقاط حكم وولاية «مبارك» بأيام.

على مدى ٣٠ سنة هى زمن الحكم المباركى، كان التمهيد التدريجى لخروج أوغاد الشر من أوكارهم تحت الأرض ليساهموا فى تشكيل واقع مصرى جديد.. باسم الدين كان لهم اقتصادهم الدينى الخاص المحقق لأهدافهم، وكان لهم الشكل والنسق الاجتماعى والسياسى والدينى والتعليمى والثقافى الخاص بهم، والاتجاه لفرض كل تلك البدع على مواطنيهم بأساليب خادعة، ووعود مضللة، ورشاوى لشراء بسطاء القوم ماديًا وعلميًا.
 
ووصل الأمر للسماح بعضوية ٨٨ متطرفًا ومنتسبًا لجماعات الشر والتعصب وأصحاب دعوات تكفير الناس، بل وتكفير إدارات المؤسسات المصرية المعنية بإدارة وتسيير الحياة على أرض المحروسة.
 
وفى المقابل، عاش المواطن المسيحى معاناة الحرب المباشرة والمادية من قبل تلك الجماعات، وتكرار سقوط ضحايا، ووقوع خسائر مادية ومعنوية مدعومة بفتاوى مضللة لاستباحة الأرواح والأملاك والأموال.
 
وبالتوازى مع تلك الحالة، كان أمر تغييب وجود المواطن المسيحى فى أعلى حالاته.. التغييب فى وسائل الإعلام وقبل وجود قنوات فضائية دينية مسيحية، والتغييب فى التمثيل البرلمانى بشكل غير مقبول، والتغييب فى المراكز الوظائفية العليا بالشكل المناسب.. والتغييب لتاريخ وجود المواطن المسيحى عبر التاريخ المصرى الذى يدرسه الطلاب.. غياب الكثير من حقوق «المواطنة الكاملة»، والتى أعادت بعضها ثورة ٣٠ يونيو المجيدة بحمد الله، والأمل فى استكمالها فى ظل ولاية الرئيس «السيسى» أول رئيس مصرى ينادى بإصلاح الخطاب الثقافى والدينى.
 
وأعود للزمن المباركى وتصاعد حالة تمكين الإخوان وتصاعد الأحداث الطائفية والممارسات التمييزية، وعليه يطلق رجل الأعمال «عدلى أبادير» مشروعه موقع «الأقباط متحدون»، وهو موقع إلكترونى يتحدث عن حلم المواطن المسيحى فى وطن تتوافر فيه المساواة وتكفل نظمه كل حقوق «المواطنة الكاملة».. وقد تم إرساء المشروع والتفكير فى إطلاقه فى أول مؤتمرات تلك المنظمة عام ٢٠٠٤. وقد استطاع الموقع معالجة أمر غياب إعلامى كان يعانى منه المواطن المسيحى فى تلك الفترة، وبات له نافذة وطنية أمينة يعلم عن طريقها كل الأحداث الإيجابية والسلبية حول الشأن المسيحى وأحوال المواطن فى أنحاء مصر. وبعد رحيل المهندس «أبادير» كان على المهندس، «عزت بولس»، رئيس تحرير الموقع تكملة المسيرة، فقام بتطوير الموقع وإنشاء «استديو تليفزيونى» يقدم كل يوم حلقة مع أسرة إعلامية مختلفة، فى أمور إثراء الوعى فى مجالات الموارد البشرية والثقافة الدينية، والوعى الجمالى والفنى والقانونى.. وتستضيف تلك الحلقات رموز الفكر والوطنية والاعتدال فى حوارات رائعة بعيدًا عن التنظير الحنجورى الأجوف.
 
وبالأمس القريب تم الاحتفال بمرور ١٥ سنة من العمل الوطنى الجاد والداعم لقضايا الانتماء وتفعيل إنجازات ثورة ٣٠ يونيو المجيدة عبر نافذة ذلك الموقع الإلكترونى الناجح.
 
وإعلام الموقع يستقى رسالته من الأهداف التى يسعى لتحقيقها وهى العدالة والسلام والسعى إلى زرع قيم أصيلة فى أرض خصبة، لأن تثمر يومًا مفاهيم جيدة، يتم استثمارها فى الحوار المبنى على المحبة والتسامح وتقبل الرأى الآخر، ودعم التوجهات الإنسانية والفكرية للوصول إلى عيش مشترك تسوده المحبة والألفة والسلام.. حياة متوازنة خالية من أى تشوهات إلى حد كبير.. والأهم تقديم رسالة ذات أبعاد إنسانية نبيلة تخدم المواطن وتجعل من مشروع الموقع وبرامجه سراجًا مضيئًا فى سماء الإعلام المصرى، ليبقى بإذن الله منيرًا ومشعًا بمصداقيته؛ ليعطى نور الحقيقة، الذى لا يمكن لأحد أن يواريها أو يتجاهلها.. وكل عام و«المصريون متحدون»ـــ كما يحب أن تطلق عليه أسرة عمل إدارته مضافًا لاسمه الأول- بخير وازدهار وتقدم.