كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
 
كنا نحن أبناء الزمن الناصري ندرس مواد كتيب " الميثاق الوطني " والذي اعتبرته سلطة الثورة الناصرية بمثابة عقد اجتماعي بين الثورة والجماهير ، وكانت أهم العبارات المطلوب حفظها " الأسرة هي الخلية الأولى للمجتمع " ..
 
والأن يتلاحظ في مجتمعنا خروج المرأة رغم التقدير العظيم لدورها عن نسق تلك الخلية حيث هناك حساسية بالغة  تجاه أي لون من ألوان التمرد النسائي ضد الرجل مهما كان مُقنعًا في دوافعه وأسبابه ، لأنه يعتبره اعتداء على القيم السائدة ذاتها ، و قد يتضح ذلك من خلال مقارنة الكثير من الأحكام التي ترصدها المراكز البحثية النسوية والتي تصدر عن القضاة في قضايا تتعلق بالنساء أو الرجال ، فعلى سبيل المثال كانت عقوبة شاب قتل الرجل شقيقته الحبس سنة مع إيقاف التنفيذ ، في حين حبست إحدى الزوجات ستة أشهر مع النفاذ لأنها ضربت زوجها ، رغم أن الضرر الناتج في الحالتين لا يُقارن ، كذلك قررت النيابة إخلاء سبيل أب فقأ بقسوة عيني إحدى بناته بضمان مالي ليستطيع إعالة بقية أبنائه دون التنبه إلى خطورته الإجرامية على بقية بناته ، خاصة وأنه اشتُهر بكراهيته للبنات ، وقسوته البالغة في معاملتهن ، ودون أن يحصل من المجتمع رد فعلي تلقائي على الحادث ، لأن " الإحساس بكراهية الفتيات إنما يعبر عن قيمة اجتماعية راسخة ناتجة عن الوضع المتدني للمرأة " ، وأبرز أشكال العنف الموجهة ضد المرأة تتمثل في الإيذاء البدني ، والطلاق التعسفي قد تجسد ممارسة للعنف عندما يرسل الزوج للزوجة ورقة تعلمها بأنها طالق ، لمجرد إشباع نزوة كالزواج من أخرى ، أو يحاول إذلالها وجرجرتها إلى المحاكم لسنوات عدة ، رافضًا تطليقها ، حتى تتنازل له عن كافة حقوقها ، بل وحتى تدفع له مبلغًا كبيرًاا ، ودعاوى النفقة التي ترفعها الزوجات القادرات على مقاضاة الزوج كثيرة جدًا ، وتشهد على ما تعانيه المرأة من إذلال ، وإهدار لحقوقها ، وانتهاك لكرامتها ..
 
أيضًا ، ممارسات التحرش وجرائم هتك العرض والاغتصاب ، و التي يشير في صددها المراكز البحثية أن التي لا يكشف عنها تفوق بكثير تلك التي يُبلغ عنها ، لأن كثيرات من النساء ، يرغبن في تجنب الفضيحة التي سيحدثها إبلاغهن عن الجريمة ، وما يتبعه من تحقيق ومحاكمة ، والحرج الناشئ عن نظرة الناس إليهن ، والتي تجعلهن يشعرن وكأنهن هن اللاتي أجرمن ، ذلك أن المعاملة التي تلقاها النساء المغتصبات ، سواء من رجال الشرطة عند الإبلاغ عن الجريمة ، أو من جهاز العدالة أثناء المحاكمة تسبب لهن ارتباكًا شديدًا ، إذ يُنظر إليهن المعنيون في خبث وارتياب ، ويبالغون في توجيه الأسئلة التي تتناول أدق التفاصيل ، وغالبًا ما يعتبرون أن الضحية كانت سببًا في وقوع الجريمة ، سواء لأن مظهرها جذاب ، أو لأن سلوكها فيه شيء من الليونة ، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعذر زواج الضحية إذا كانت لم تتزوج بعد ، أو إلى طلاقها إذا علم زوجها بما حدث ، فتفضل إبقاء الأمر سرًا ، كذلك ، قد تكون الفتاة على علاقة عاطفية برجل يغتصبها ويعدها بالزواج ريثما تنقضي اللحظات التالية للاغتصاب بما يكتنفها من مشاعر القلق والندم من جانب الفتاة ، فإذا انتهى الأمر ، ولم تقم الفتاة بالإبلاغ عما حدث ، ، عمد إلى إنهاء العلاقة ، أو أبقى عليها في شكلها الجديد ..
 
وأرى أن هناك ممارسة لما يمكن أن نطلق عليه اغتيال وعنف معنوي يمارسه الإعلام وأهل الدراما بكافة أشكالها الإذاعية والتليفزيونية والمسرحية و السينمائية ، وقد أوضحت دراسة قديمة نسبيًا نُشرت بمركز بحوث الإعلام بجامعة القاهرة، وأجراها الدكتور محمود يوسف الأستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة عن صورة المرأة المصرية في الأفلام السينمائية التي يقدمها التليفزيون خلصت إلى أن 72% من تلك الشخصيات النسائية تحمل ملامح سلبية مقابل 28% فقط يحملن قيماً إيجابية لصورة حواء السينمائية جاء في مقدمتها التفكير المادي واستخدام عبارات مبتذلة أثناء الحديث، وإظهار مفاتن الجسد بطريقة مبالغ فيها، وشرب الخمر وتزيين الفاحشة وتجميل السقوط للرجل. كما أكدت الدراسة ــ كما جاء في صحيفة الأهرام - أن 35% من تلك النماذج التي تقدمها السينما يدفعها الثراء السريع لممارسة أعمال غير مشروعة ...
 
تلك بعض التحديات التي تعاني المرأة من تبعاتها  في بلادنا ، فإذا أضفنا إليها مجموعة المحاذير والتعليمات باسم تطبيقات التدين الشكلي التي يطالبها بها الأسقف أو الشيخ من فرمانات بأشكال الحشمة وآداب وتعاليم الطهارة عند دخول بيوت الله والصيام وإلى غير ذلك من محظورات ، مما يكمل الصورة التي ينبغي أن تكون عليها في كل تعاملاتها مع الدنيا التي باتت تضيق عليها ، وهي التي أكدت الإحصائيات أنها وهي المعيلة تعول ثلث المصريين !!!
 
وعليه ، كيف يمكن للمرأة أن تلعب دورًا في نشر ثقافة السلام إذا كانت تشعر أنها لا تعيش سلاما داخليًا، وأن علاقتها مع ذاتها لا تعمرها مشاعر الرضا والطمأنينة والأمان وعدم الخوف من المستقبل. لذلك ، وكما تؤكد الباحثة الدكتورة وفاء جناحي ، وحتى تضطلع المرأة بدورها في نشر ثقافة السلام في المجتمعات فيجب التأكد من تمتعها بالسلام الذاتي وأيضا السلام الأسري، ولن يتحقق ذلك إلا بضمان حصول المرأة على المكتسبات الإنسانية والاجتماعية والعلمية (كالاحترام، التعليم، العمل، حرية التعبير، التصويت والترشح)، وضمان تمتعها بحقوقها في قوانين الأحوال الشخصية (سن الزواج، الإرث، الطلاق، حضانة الأطفال، الزواج بالإكراه، التبعية.. إلخ)، ليس هذا فحسب، بل لا بد من الاهتمام بالجانب التعليمي للمرأة لتتحمل قدرا من المسؤولية، وكما قال الشاعر " الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق ".