سليمان شفيق
يدور هذة الايام جدل كنسي ما بين الاكليروس والاكليروس من جهة والعلمانيين والعلمانيين من جهة اخري حول الاصلاح الكنسي ،والاصلاح الديني ، وبالطبع ليست هذة المرة الاولي التي يدور فيها مثل هذا الحوار المجتمعي ـ المسيحي حول تلك الامور ، فقد بدأ الامر منذ اكثر من قرن ونصف القرن ، ولا يمكن إدراك وفهم هذا الجدل وتلك التعددية في الاراء ،دون ادراك ما يحدث في الوطن منذ تأسيس الدولة الحديثة، ولا يمكن ادراك مايحدث في الوطن دون ادراك مايحدث في الكنيسة العتيدة ، فمنذ 1873وحتي 2019، ما يقارب القرن ونصف القرن ، سبعة بابوات (كيرلس الخامس ، يوانس التاسع عشر ، مكاريوس الثالث ، يوساب الثاني، كيرلس السادس ، شنودة الثالث ، تواضروس الثاني)و18 مجلسا مليا ، ولم تخلوا دورة للمجالس الملية من مشكلات وخلافات بين الاكليروس والعلمانيين الا في عهد البابا المتنيح شنودة الثالث ، ويعود ذلك الي رسامة الاعضاء الموقرين شمامسة ، ومن ثم عملوا ليس بصفتهم علمانيين بل درجة من درجات الاكليروس !! ولذلك كانت دورات المجلس الملي المتعاقبة في حبرية البابا المتنيح شنودة الثاني تخلوا من أي نزاع ، مجرد ألية تنفيذية للاكليروس ، اصدار بيانات وفقط ، حتي ان انتخابات المجالس في حبريتة كانت تتم بقوائم متفق عليها مع المقر البابوي ، ولذلك يكاد يكون دور المجلس الملي قد افرغ من مضمونة بعد يوليو 1952 بشكل موضوعي ، ومن غلبة الليبراليين وكبار الملاك علي عضويتة من 1873 وحتي 1952

، الي كبار الموظفين ورجال الدولة والتكنوقراط بعد 1952 ، الي متغيرات كبري حدثت للنخب القبطية بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث لم تعد النخب لا كبار ملاك ولا تكنوقراط بل ابناء الفئات الوسطي والدنيا من الطبقة الوسطي ، هذة اللمحة التاريخية مهمة جدا لكي تأصل للجدل بين الاكليروس والعلمانيين علي قيادة الادارة الكنسية ،واستمرت الخلافات فيما بعد نياحة كيرلس الخامس وفي انتخابات البطريرك يؤانس حول لائحة انتخاب البطريرك ،وشهد انتخابات البطريرك لاول مرة منذ القرن الرابع ترشح القمص يوحنا سلامة ـ ارمل ـ وحبيب جرجس علماني ، واستمرت الخلافات وفي عهد البطريرك مكاريوس الذي اعاد للمجلس الملي كافة الصلاحيات واختلف مع المجمع المقدس وصار المجمع ينعقد بدون البطريرك ، واشتد الخلاف ووجد البطريرك نفسة وحيدا بين المجمع المتشدد والمجلس الملي الاكثر تشددا هجر البطريركية الي دير الانبا بولا،وبعد توسط احمد باشا ماهر رئيس الوزراء عاد البطريرك في 8 أكتوبر 1944 وجمع البطريرك المجمع واعاد لة صلاحياتة علي حساب حلفائة في المجلس الملي واعطي اوامرة ألا تصرف اي اموال إلا بتوقيعة شخصيا وتواترت المشاكل حتي نياحتة في 31 أغسطس 1945. واستمرت الخلافات علي اشدها في عهد البطريرك

الانبا يوساب ، وقصة خطفة من جماعة الامة القبطية معروفة ، وخلافاتة مع وكيل المجلس د .المنياوي الخ.. وجأت يوليو 1952، وتغيرت لائحة البطريرك ، واعتلي كرسي مار مرقص القديس الانبا كيرلس السادس ، وتجددت الخلافات وادعيّ المجلس ان البابا القديس لايستطيع الانفاق علي البطريركية والكنيسة ، وانة استدان من جمعية التوفيق القبطية الفي جنية ليدفع مرتبات الموظفين ، وانة رجل صلاة ولا يهتم كأسلافة بأمور الكنيسة!! بعدما نشر بعض اعضاء المجلس الملي هذة الانتقادات في صحيفة "مصر" حينذاك ذهب البابا الي عبد الناصر وعرض علية الامر ، فأمر عبد الناصر في ذلك الوقت بصرف تبرع من الدولة وقدرة عشرة الاف جنيها مصريا مع حل المجلس الملي الذي ثبت فشلة وشمل القرار تشكيل لجنة برئاسة البابا كيرلس عام 1967 لادارة اوقاف الكنيسة ، وكانت نتيجة ذلك ان عبرت الكنيسة ازمتها المالية وسددت ديونها وارتفع رصيدها الي 150 الف جنية .

هكذا كان التاريخ وشمل خلافات وصلت الي البرلمانات والمحاكم ، اي اننا امام تعددية كنسية منذ زمن بعيد في تلك الكنيسة العتيدة ، واذا انتقلنا من الاصلاح الاداري حول المجلس الملي ولائحة انتخاب البطريرك الي الجدل حول الاصلاح الطقسي حول الاعياد .

كتبت اكثر من مرة حول البعد الثقافي لمواعيد الاعياد والانقسام في الرؤية وخطورة الإصلاح المتسرع غير المتدرج ،وعلي سبيل المثال ضربت أمثلة بما فعلة المجمع الفاتيكاني الثاني ـــ بمنصف ستينيات القرن الماضي ـ ، في المسيحية بأوربا ورغم تقدم وحداثة المجمع الا أنة خلال عشرة أعوام تراجع بسببة ٧٥% عن المسيحية والحياة الكنسية في الغرب ، وكذلك الإصلاح السريع للبطريرك غبريال بن تريك ـ القرن العاشرـ وكيف ادي ذلك إلي تحول المسيحيين من أغلبية ٧٠% الي أقلية خلال أقل من قرن، ومن ثم فالقضية ليست في الاعياد ،ولا في علم التقويم بل في الخصوصية الثقافية للمسيحيين الأقباط بعد الانقطاع المعرفي بين الشرق والغرب منذ أكثر من ١٦٠٠ عام وحفظ الايمان وتحويلة الي تقويم وليس فقط مجموعة شهور بل تقويم يحمل جهاد الكنيسة حتى الدم عن ايمانها وعمقها وبساطتها وامتدت الجذور الثقافية ايضاً للهوية المسيحية الى نظام ري وعادات وتقاليد وامثال وطقوس وثقافة وهوية ومن ثم نذكر كيف جاء البطريرك كيرلس الرابع بالمطبعة وكيف آمر باستقبالها بالالحان وبدء طبع القطمارس ؟ ولماذا لم تطبع الكنيسة الأرثوذكسية الكتاب المقدس حتي الآن ، لانها عاشت انجيلها فى طقسها وليتورجيتها . ولذلك ليس بالخلاف في التقويم ولا بالاتفاق تحدد الاعياد بل بأدراك الخصوصية الثقافية واحساس الاقباط من غير النخب وبالاخص البسطاء من المؤمنين – الذين هم" شهداء ومعترفين" هذا العصر - بخطورة التحول عن الهوية الثقافية والطقسية القبطية واحساسهم بالاغتراب عن الهوية العميقة للشخصية – المسيحية -القبطية - .

بالطبع ايضا لابد من ادراك دور ثورة المعلومات ومركزية السوشيال ميديا وظهور نخب شبابية جديدة ، ثوار وخدام ،من ابناء ثورة الاتصالات وليسوا ابناء الثورة الزراعية، ثوار كسروا منهج ومفهوم الابوية التسلطية ومن هنا انتقلنا الى دور النخبة القبطية التى تحولت من كبار الملاك وتجاوزت حتى كبار الموظفين والتكنوقراط الى فئة عموم الشعب من شباب مثقف وذو تعليم عال حتى الى شباب لا يتعامل إلا كمتلقى على شاشات السوشيال ميديا , فتجاوز الجدل حد السيطرة واصبح يمثل كارثة الشعور بالاغتراب عن الهوية .

ومَن لة اذنان للسمع فليسمع ومن له عينان للنظر فلينظر.