«اللى محتاج واسطة لجامعة يكلمنى».. هذا الإعلان نشره أحد الشباب على صفحة «الجامعات الخاصة للاستفسارات» على موقع «فيس بوك»، لدعوة متابعيه إلى التواصل معه من أجل مساعدتهم فى الالتحاق بأى كلية من كليات القمة بجامعات خاصة ودولية، بداية الخيط الذى تتبعته «الوطن» بعد إخفاء هوية محررتها الصحفية، للكشف عن نشاط سماسرة يلعبون دور الوسيط بين «طلبة» و«موظفين» بجامعات خاصة لتسهيل إلحاقهم بها بعد إغلاقها باب التقديم مقابل الحصول على مبالغ مالية يحددونها وفقاً للجامعة التى يتم اختيارها. توصلت «الوطن» إلى وجود صفحات إلكترونية تعلن عن إتاحة فرص للدراسة خارج مصر، مستغلة رغبة بعض الطلبة فى السفر للتربح من ورائهم وتحقيق مكاسب وصلت إلى نحو 70 ألف جنيه قيمة السمسرة التى يحصل عليها «الوسيط» أو «النصاب» من الطالب زاعماً قدرته على إلحاقه بجامعات خاصة بعد إغلاقها باب التقديم بها، مستعينين فى ذلك بوسائل التواصل الحديثة مثل «فيس بوك» وغيره، وهى نفس الأدوات التى استخدمتها «الوطن» فى التواصل مع بعض هؤلاء السماسرة للتعرف على طبيعة نشاطهم وعرضها هنا للتحذير من الوقوع فى الفخاخ التى ينصبونها للطامحين فى الالتحاق بكليات القمة.

مقابل 70 ألف جنيه.. سماسرة يعدون الطلبة بإلحاقهم رغم انتهاء التقديم
فى وقت أعلنت فيه أغلب الجامعات الخاصة إغلاق باب التقديم بالكليات الطبية فيها، كان هناك «سماسرة» يعلنون عبر صفحات على «فيس بوك» وجود فرص للالتحاق بها «فورى» مقابل الحصول على مبالغ مالية، كان من بينها إعلان لشاب تواصلت «الوطن» معه عبر «الماسنجر» للاستفسار عن مدى إمكانية الالتحاق بكلية طب الأسنان بالجامعة التى أعلن عن وجود مكان بها، فكان رده: «تواصلى مع صاحب الرقم ده هيساعدك»، ثم أرسل لنا بعدها بدقائق رقم تليفون لشخص يدعى «عمرو»، قمنا على الفور بالاتصال به، وأخبرناه بأننا حصلنا على رقمه من «أحمد»، اسم مستعار، ليساعدنا فى إلحاق أحد أقاربنا الذى حصل على مجموع 93% بأى كلية من كليات الطب، فجاء رده: «آآآه.. طيب هو متاح قدامى كلية علاج طبيعى بس الدكتور اللى بيخلص الموضوع هياخد منك فلوس عشان يدخله فورى لأن أنتى عارفة إن التقديم دلوقتى قفل»، وبسؤاله عن المبلغ الذى سيتم دفعه كـ«عمولة»، أوضح «عمرو» أن الوسيط يسهل دخول الطلبة للجامعة مقابل الحصول على 70 ألف جنيه لكل طالب، مضيفاً: «مش عايزك تقلقى، مش هتدفعى المبلغ إلا لما الطالب يتقبل، وبعد ما تدفعى مصاريف التيرم الأول هنكون معاكى وناخد عمولتنا».

وسيط لطالب: "لو المجموع 93% هدخلك جامعة (ن. ج) بكرة أو بعده بالكتير.. ويفضل أن يتواصل معى ولى الأمر للاتفاق على قيمة العمولة"
وأشار «عمرو» إلى أنه اعتاد منذ سنوات على التعامل مع «الدكتور»، حيث يقوم بمساعدته فى إلحاق الطلبة بمختلف الكليات بالجامعة، وبسؤاله إذا كان قد قام بإدخال طلبة قبلنا للجامعة بنفس هذه الطريقة هذا العام، أخبرنا أنه «لحد إمبارح كنا بندخل الطلبة، الموضوع بسيط ومابياخدش وقت، ولو وافقتوا على العمولة هاقول لك على كل التفاصيل».

لم نتردد حينها فى إبداء موافقتنا على المبلغ الذى حدده لاستكمال حديثه معنا، فطلب منا إرسال شهادة ميلاد الطالب وشهادة الثانوية العامة عبر «الواتس آب» على الرقم نفسه، والانتظار حتى يتم تحديد اليوم الذى سيتم فيه دفع مصاريف الدراسة، فأخبرناه قبل أن ننهى المكالمة معه أننا سنقوم خلال ساعات قليلة بتنفيذ ما طلبه، ليرد علينا قائلاً: «مجرد ما يبعت لى ورقه هيكون معانا فى الجامعة خلاص، بس أهم حاجة الطالب وولى أمره هما بس اللى يكونوا موجودين وقت دفع المصاريف عشان مايحصلش أى مشاكل».

تعرفنا خلال رحلة بحثنا على سمسار آخر، أخبرناه فى البداية بأننا طلبة فى المرحلة الثانوية وكنا ننتظر نتيجة التنسيق على أمل أن نلتحق بكلية الصيدلة، لكن مجموعنا لم يؤهلنا لذلك، وفى الوقت نفسه أغلقت كل الجامعات الخاصة باب التقديم، فسألنا «حامد»، اسم مستعار، عن المجموع، فأخبرناه بأنه 93%، فكان رده: «هادخلك جامعة (ن. ج) بكرة أو بعده بالكتير»، وبعدما طلبنا منه رقم الهاتف للاستفسار أكثر عن كيفية التقديم والأوراق المطلوبة منا، أخبرنا بأنه يفضل أن يتواصل معه ولى الأمر للاتفاق على «عمولته».

وفى اليوم نفسه، تواصلنا معه تليفونياً وأخبرناه فى بداية المكالمة أن والدنا يعمل خارج مصر ويصعب عليه التواصل معه، وأنه بمجرد الاتفاق على كل التفاصيل سيقوم بتحويل المبلغ الذى سيحدده، فبدأ فى شرح التفاصيل: «عندى فى الجامعة دى أماكن متاحة أقدر أدخلك فيها، ولو محتاجة جامعة غير دى هاشوف لك برضه، بس هتدفعى من 70 لـ100 ألف جنيه على حسب الجامعة اللى هنستقر عليها».


حاولنا التفاوض معه لتخفيض المبلغ لـ50 ألف جنيه، لكنه رفض تماماً، قائلاً بنبرة غاضبة: «حضرتك بتكلمينى بعد ما الجامعات قفلت، فطبيعى هندفع أكتر، ولو حضرتك ماعندكيش استعداد تدفعى المبلغ ده يا ريت تبلغينى من دلوقتى عشان غيرك أولى بالمكان ده»، فأجبناه بأننا سنخبر أسرتنا بما حدث ثم نعاود الاتصال به مرة أخرى.

وبعد مرور أقل من 24 ساعة، تواصلنا مع «حامد» مجدداً واتفقنا معه على دفع 70 ألف جنيه بشرط دخول الكلية فور إرسال أوراق التقديم، فكان رده: «أنا باروح كل يوم الجامعة، ابعتى لى صورة بطاقة ولى الأمر وشهادة الثانوية العامة بتاعتك، وهقدملك تانى يوم على طول»، وعن طريقة دفع «العمولة»، أوضح «حامد» الذى يعمل كسمسار منذ 4 سنوات، أنه سيقوم بتسلمها بمجرد دفع مصاريف الدراسة بالجامعة، متابعاً: «إحنا مابناخدش حاجة فى جيبنا غير بعد ما بنطّمن أن الطالب اتقبل، ووقت ما هتدفعى المصاريف هكون موجود معاكى وهاخلَّص لك أى حاجة، وبعدها هنتحاسب».

لم تقتصر هذه النوعية من الإعلانات على الجامعات المصرية وحدها، إنما رصدنا خلال بحثنا صفحات تعلن عن وجود فرص للدراسة بكليات القمة خارج مصر، تفاعل معها العديد من الطلبة الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعات المصرية، فمنهم من يستفسر عن كيفية التقديم والأوراق المطلوبة منهم، وآخرون يسألون عن إمكانية التحويل من جامعة مصرية لأخرى أجنبية، ليرد عليهم أصحابها بأن عليهم التواصل معه على «الواتس آب» أو «الماسنجر».

إعلان "خالد" على موقع "فيس بوك": "لو خايف على طموحك ومصمم ترسم مستقبلك بنفسك.. فالحل إنك تيجى تدرس فى السودان"
«كان حلمك تدخل كلية طب أو صيدلة أو هندسة أو أى كلية من كليات القمة؟ مجموعك مش جايب الكلية اللى نفسك فيها فى الجامعات الحكومية أو فى الجامعات الخاصة فى مصر.. لو خايف على طموحك ومصمم ترسم مستقبلك بنفسك.. فالحل إنك تيجى تدرس فى السودان»، إعلان نشره «خالد»، اسم مستعار، على إحدى الصفحات على موقع «فيس بوك» أوضح خلاله لمتابعيه كيفية التقديم والأوراق المطلوبة، وتكاليفها، لتشجيع الطلبة على الالتحاق بها وخصوصاً أن تنسيق كليات القمة بها أقل من الجامعات المصرية، مما دفعنا إلى التواصل معه عن طريق «الماسنجر» بحجة مساعدتنا فى التقديم لأحد الطلبة بكلية طب بشرى، فرحب بنا ثم بدأ يشرح طبيعة الدراسة بالجامعات السودانية قائلاً: «الدراسة هنا أسهل وكمان مصاريفها أقل، يعنى لو هيدرس طب هيدفع فى السنة 3000 دولار، ومدة الدراسة فى 5 سنين وبيرجع ياخد سنة الامتياز فى مصر وبيمارس الطب زيه زى أى طالب درس فى مصر، وممكن تكلمينى فى التليفون ونتفق على كل حاجة لو قررتوا أنه يسافر فعلاً».


بعدما تأكد «خالد» الذى أخبرنا بأنه يدرس فى كلية «طب بشرى» بإحدى الجامعات السودانية، من رغبتنا فى التقديم، طلب منا تحديد الجامعة التى نرغب فى الالتحاق بها، فأجبناه بأننا لسنا على دراية بكل الجامعات السودانية، فهى أول تجربة لنا للدراسة خارج مصر، وأنه من الأفضل أن يساعدنا فى اختيار جامعة بشرط أن تكون معتمدة، فرد علينا، قائلاً: «كل الجامعات اللى هنا تحت إيدى، بس لو محتاجة جامعة مشهورة هتضطرى تدفعى مبلغ أعلى لأن الإقبال بيكون عليها كبير، لكن فيه جامعة زى الدلتا دى فاتحة بقالها سنتين وأضمن لك القبول فيها بنسبة 100%».

أوراق عديدة طلب الشاب العشرينى إرسالها له حتى يتمكن من التقديم فى جامعة الدلتا كما اتفقنا معه، من بينها شهادة الثانوية العامة موثقة من مديرية التربية والتعليم التابع لها ووزارة الخارجية والسفارة السودانية فى مصر، وصورة لشهادة الميلاد وجواز السفر، بجانب تحويل 300 دولار على حسابه الخاص كرسوم إدارية للجامعة، فأخبرناه بأننا سندفع المبلغ كاملاً بعد تسلم شهادة القيد لأننا نخشى من عمليات النصب، لكنه أصر على دفع جزء من عمولته مقدماً كـ«ضمان»، متابعاً: «أى ورق باخلَّصه فى الجامعة بادفع فيه فلوس، ماقدرش أجازف وأدفع من جيبى وبعد ما أطلع لكم الشهادة تغيروا رأيكم، فأنا هاخد 300 دولار دلوقتى، و500 دولار لما تستلموها منى».

وبعد انتهاء المكالمة، أرسل لنا «خالد» عبر «الماسنجر» عدداً من شهادات قبول لطلبة تواصلوا معه من قبل وتمكنوا من الالتحاق بكلية الطب كنوع من إضفاء المصداقية، فطلبنا منه إعطاءنا فرصة للتفكير مرة أخرى فيما طلبه.