ما فات لن يكون أبدا مثل القادم، في علاقة جماعة الإخوان الإرهابية بالغرب؛ من هجوم في شتى وسائل الإعلام، إلى تسليط الضوء على ممارسات الجماعة، واعتبارها الشر الأكبر الذي جلب التطرف للعالم، إلى بحوث تجرى في قاعات الجامعات، وأخيرًا، كتاب جديد صدر قبل يومين، للباحث الإنجليزي، مارتن فرامبتون، أستاذ التاريخ في جامعة كوين ماري، ووضع له عنوانا يعبر عن المرحلة: «الإخوان المسلمون والغرب.. تاريخ العداوة والارتباط».

الكتاب الذي يضم «672 صفحة»، ويصدر عن مطبعة جامعة هارفارد الأمريكية، قام بنقل العديد من فصوله المكتب الإعلامي الفلسطيني في أوروبا، وتنقله عنه «فيتو» يقول عنه مؤلفه، إن فكرته راودته خلال أحداث الربيع العربي، خصوصا وأن البريطانيين، هم الذي اهتموا بالجماعة، بعد تحولها إلى تنظيم شبه عسكري مطلع الثلاثينيات، في ظل التعاون الوثيق بين حسن البنا والإنجليز، الأمر الذي دعاه لقبول تبرعاتهم.

ويكشف الكتاب، عن حلقات التاريخ الأكثر التباسًا، وهي جذور العلاقة بين تنظيم الإخوان المسلمين والغرب، وكيف تطورت، وفي أي سياقات سياسية واستراتيجية واجتماعية، كما يكشف عن دور التنظيم داخليًا في مصر وعالميًا، وكيف أثرت أفكاره على السياسات الغربية، البريطانية والأمريكية تحديدًا في الشرق الأوسط.

جذور العلاقة بين الإخوان وبريطانيا
ويعتبر كتاب «مارتن فرامبتون» العمل الأكاديمي الأول، الذي يتناول تحديدًا، جذور تلك العلاقة وآثارها في ضوء الوثائق الحكومية الأمريكية والبريطانية والأعمال الأكاديمية الأخرى، وهي الإشكالية التي حاول الكاتب، البحث فيها، وبشكل خاص، أيديولوجية تنظيم الإخوان وأدوارهم السياسية واستخدامهم للعنف، والعلاقات الغامضة والتحالفات التي كانت تجرى دائما في الخفاء على مدى نحو 90 عامًا.

يقول فرامبتون: خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، ظهر هذا التناقض بين رؤية الغرب السلبية لتنظيم الإخوان بسبب أيديولوجيتهم، التي وصفها الدبلوماسيون البريطانيون في القاهرة، في رسائلهم إلى لندن بالظلامية والمنغلقة، والمحرضة على الأجانب، وبين التواصل مع التنظيم لتحقيق مصالح سياسية آنية جلها مرتبط بإضعاف الحركات والأحزاب والشخصيات التي تكافح الاحتلال البريطاني لمصر.

يعالج الكتاب، المكون من ثمانية فصول، جذور العلاقة بين تنظيم الإخوان والغرب بين أعوام 1928 و1939، وكيف تطورت إلى علاقات مركبة ومعقدة ومتداخلة يسميها المؤلف «أفضل الأعداء» على مدار العقود، كما يعالج موقف تنظيم الإخوان من الاستعمار البريطاني والحركة الوطنية في الأربعينيات والخمسينيات بعد ثورة يوليو وخلال حرب السويس وحتى وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكذلك ما أسماه الكاتب «الإخوان والعصر الأمريكي» بعد تراجع النفوذ البريطاني في المنطقة وصعود الدور الأمريكي.

كما يناقش الكتاب، صعود المد الأصولي في السبعينيات والثمانينيات، واللجوء للعنف وموقف الغرب، والأرضية الملتبسة والخطوط المتداخلة لمواقفهم من قضايا الديمقراطية في مصر وتطورات علاقاتهم مع الغرب، ويقف الكتاب عند عام 2010.

يقول فرامبتون إن تنظيم الإخوان لم يحصل في البداية على اهتمام البريطانيين، لكن هذا بدأ يتغير في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين عندما حول التنظيم اهتمامه نحو الأجندة السياسية، وانتقل مؤسسه حسن البنا إلى القاهرة عام 1932 حيث تم تعزيز الهيكل التنظيمي للحركة وإحكام السيطرة مركزيًا من قبل البنا، وبحلول نهاية الثلاثينيات، لم يعد الإخوان تنظيما دعويا، بل أصبح تنظيما سياسيا شبه عسكري.

تقارير سرية
في أبريل 1936، أرسل المفوض البريطاني السامي إلى مصر، السير مايلز لامبسون، برقية إلى لندن تضمنت تقريرًا من القسم الخاص بوزارة الداخلية المصرية، عن تفاصيل «حفل شاي» عقده فرع من جمعية الإخوان المسلمين، بمناسبة زيارة وفد كبير من جمعية خيرية سورية، وكان معظم الحاضرين، نحو 200 شخص طلابا من جامعة فؤاد الأول وجامعة الأزهر، وقد وصفوا في التقرير بأنهم «شباب متطرفون».

وعبر وقتها كاتب التقرير عن قلقه من مستقبل جماعة الإخوان، وقدرتها مع الوقت على خلق أجيال «متهورة ومتطرفة».

ويتابع: بعد ما يزيد قليلًا على شهر من صدور المذكرة الأصلية لعام 1936، أرسلت السفارة البريطانية في القاهرة 1936 تقريرا آخر إلى لندن جمعه مدير الأمن العام المصري وركز فقط على الإخوان في علامة على تزايد القلق منهم، أما المفوض البريطاني السامي إلى مصر، السير مايلز لامبسون، وفي إشارة مباشرة إلى تنظيم الإخوان، أكد أن مصر شهدت «تكاثرًا للجمعيات الإسلامية ببرامج ظلامية»، تدعو لإحياء ادعاءات العصور الوسطي لأسلمة الهيكل القضائي والإداري للدولة».

ويضيف الكاتب: تقييم لامبسون للإخوان، أن مثل هذه التنظيمات، لا يمكن أن يأتي منها، أي خير من هذه التحركات، وهو ما دعا الحكومة المصرية، بعد محاولة اغتيال الزعيم الوفدي مصطفى النحاس، لحظر جميع الحركات الشبابية شبه العسكرية في البلاد وعلى رأسها «مصر الفتاة» في مارس 1938، لكن تنظيم الإخوان المسلمين، نجا من الحظر، من خلال تصنيفهم كجزء من حركة الكشافة المصرية.

ويوضح «مارتن فرامبتون» أن اهتمام البريطانيين بتنظيم الإخوان، ازدادت وتيرته مع تحرك التنظيم أكثر للانغماس في الشأن السياسي، موضحا أن هذه المرحلة، شهدت إقامة البنا علاقة جيدة مع «الرجل القوى» في السياسة المصرية، على ماهر باشا، الملقب أيضًا بـ«رجل الأزمات» والذي ظهر بعد عام 1937 كشخص قوي التأثير على الملك الشاب فاروق.

كان على ماهر رئيسا للديوان الملكي، وأشيع على نطاق واسع أنه يسعي إلى العودة إلى منصب رئيس الوزراء، وكان قد خدم لفترة وجيزة في هذا المنصب عام 1936، وكان البريطانيون يصفون على ماهر، بأنه متآمر وعتيد، وعبقري وشرير، يقف خلف الملك، وفي ضوء هذا، كانت العلاقة الغريبة والمزدهرة بين على ماهر والإخوان سببًا واضحًا للقلق لدى البريطانيين.

ويتابع فرامبتون: يبدو أن ماهر شجع القصر على تطوير علاقات مع تنظيم الإخوان من أجل بناء تحالف مؤيد للقصر، ضد حزب الوفد، خصوصا أن البنا كان يعتبر الملك فاروق «أميرا إسلاميا» وهذا أفضل من البرلمان والحزبية السياسية، لذا ساعد على ماهر، الإخوان في الوصول إلى شيخ الأزهر، مصطفى المراغي، مما شجعهم على التمدد وطلب مزايا، بحسب الكتاب.

ويضيف: رغم أن البنا كان ينفي دائما الاتهامات بإقامة علاقات سرية مع نخبة القصر أو حصوله على أموال أو مساعدات منها، إلا أن هذا النفي لا يستقيم مع حقائق معينة على الأرض، منها قبول التنظيم تبرعا كبيرا من شركة قناة السويس، ما ساعد الإخوان على بناء أول مسجد لهم في الإسماعيلية، وبعد مرور سنوات، اعترف البنا علنًا أيضًا، أن الإخوان قد حصلوا على تمويل من وزارة الشئون الاجتماعية من أجل أعمالهم في مجال الرعاية الاجتماعية، علاوةً على ذلك، كانت هناك شكوك قوية بأن الإخوان، قد تلقوا أموالا من قوى أجنبية، بينها إيطاليا وألمانيا وبريطانيا.

ويرصد الكتاب، تقرير لوزارة الخارجية البريطانية، يؤكد أن الإخوان استفادوا من مساعدات مالية من دول المحور، قبل الحرب العالمية الثانية بين 1934 و1939 وأنهم حصلوا من الألمان على 5 آلاف جنيه استرليني، وفي نظر البريطانيين فإن وجود مثل هذه الروابط يؤكد فقط وجهات نظرهم فيما يتعلق بالطابع الخبيث للإخوان، والبرجماتية السياسية، التي مارسها التنظيم طوال تاريخه.

ويتابع فرامبتون: «الحقيقة هي أن البنا كان على استعداد تام للتعاون مع النخب الاجتماعية والسياسية وتأمين الدعم منهم لتنظيم الإخوان، سواء على المستوي المحلي أو على المستوي الوطني، وكان يسعي دومًا إلى تجنب استعداء الأعيان المحليين. كما كان الإخوان حريصين على تأكيد الولاء للملك.

قضية فلسطين
يرصد الكتاب تعامل الإخوان مع القضية الفلسطينية، ويؤكد أنه استغلها بالشكل الأمثل، لمد نفوذه، ويوضح أنه بحلول عام 1938، كان البنا يجتمع مع رئيس الوزراء آنذاك محمد محمود باشا لمناقشة قضية فلسطين؛ أرسل البنا برقية إلى السفارة البريطانية للاحتجاج على أعمال الظلم والوحشية في فلسطين، لكن هذه التحركات كانت بالنسبة للسفير لامبسون مجرد «حماسة إسلامية مصطنعة».

ويضيف: ومع ذلك أبلغ لامبسون لندن في برقيات لاحقة أن قرار تقسيم فلسطين يلاقي إدانة عامة في مصر، وان الإدانات لموقف بريطانيا تأتي من أكبر الصحف إلى أصغرها وسط مخاوف من أن الألمان والإيطاليين يمكن أن يستخدموا السخط العربي من أجل فلسطين لتقويض سيطرة بريطانيا على إمبراطوريتها الشرق أوسطية.

كشف الإخوان
بحسب الكاتب، تزايدت المخاوف من تنظيم الإخوان وأفعاله، خلال النصف الأخير من الثلاثينيات، فمن وجهة نظر بريطانية، كان صعود الإخوان مرتبطًا بتدهور البيئة الاجتماعية والسياسية في مصر، وكان ينُظر إلى الحركة على أنها تشكل خطرًا على مصالحهم، ومع ذلك، لم يكن الجميع مقتنعين بأن الإخوان لا يمكن شراؤهم، وفي خضم أزمات الحرب، بدأ البعض في السفارة البريطانية في التفكير بجدوي مقاربة بديلة لاختبار الجماعة.

ويضيف: «كانت السلطات البريطانية، مستعدة لتقديم مثل هذه الإغراءات المالية، فما كشفته هذه الحالة، عندما يتم وضعها إلى جانب حوادث مشابهة مع تنظيم مصر الفتاة، هي طريقة معينة للقيام بأمور كانت سائدة في الدوائر البريطانية خلال الحرب، وكان جوهر هذا النهج هو الاعتقاد بأن كل منظمة أو فرد، هو في نهاية المطاف يمكن تطويعه، بغض النظر عن مدي عدائه العلني للبريطانيين».

ويختتم الكتاب المثير للجدل والمتوقع أن يثير ضجة كبرى خلال الأيام المقبلة: كانت هذه هي المقدمات الأولى للعلاقات المركبة والخفية والمعقدة، بين تنظيم الإخوان المسلمين وبريطانيا.

يرى سامح عيد، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية أن هناك علاقة وثيقة بين المخابرات البريطانية والتنظيم الإخوانى، وهو ما يتم كشفه في الكتاب.

ويوضح «عيد»، أن العلاقة السرية بين الإخوان وبريطانيا، كانت وراء عدم تحرك الأخيرة، بشكل جاد لتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، بعد أن سلمتها مصر وثيقة تثبت تورطهم في أحداث لندن.

ويؤكد الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، أن بريطانيا قدمت تقريرا مفصلا عن الجماعة في 2014 بتصنيف جزئي فقط بعد الضغوط التي مورست عليها عربيا، ولكنهم امتنعوا بشكل كامل عن الاعتراف بحقيقتهم، وهو ما يجب العمل عليه في المرحلة المقبلة، لفك الارتباط بين التنظيم وبريطانيا.