فى بداية الأربعينيات تبلور قرار هيئة كبار العلماء ضد الشيخ على عبد الرازق فى صورة حزب إسلامى هو جماعة الإخوان المسلمين. يقول المنظّر لهذا الحزب سيد قطب فى كتابه المعنون «معالم الطريق»: الإسلام لا يعرف إلا نوعين من المجتمعات: إسلامى وجاهلى. المجتمع الإسلامى هو المجتمع الذى يطبق فيه الإسلام عقيدة وعبادة. والمجتمع الجاهلى هو المجتمع الذى لا يطبق فيه الإسلام ولا تحكمه تصوراته ونظامه. والمجتمع الجاهلى قد يتمثل فى صورة مجتمع ينكر وجود الله ويفسر التاريخ تفسيراً مادياً جدلياً، ويطلق ما يسميه الاشتراكية العلمية نظاماً. وقد يتمثل فى مجتمع لا ينكر وجود الله، ولكن يجعل له ملكوت السموات ويعزله عن ملكوت الأرض فلا يطبق شريعته فى نظام الحياة، ويبيح للناس أن يعبدوا الله فى الكنائس والمساجد ولكنه يحرم عليهم أن يطالبوا بتحكيم شريعة الله فى حياتهم. وهو بعد ذلك ينكر أو يعطل ألوهية الله فى الأرض.

وواكب ظهور الإخوان المسلمين تأسيس حزب البعث فى دمشق عام 1940، وقد انتشر بعد ذلك فى الأردن والعراق ولبنان. وفى بداية تأسيسه كان مضمونه إسلامياً عربياً، بمعنى أن الإسلام هو الثقافة القومية للعرب.

وكان ينكر فصل الدين عن القومية كما حدث فى أوروبا ولكن بعد انضمام الحزب الاشتراكى بقيادة أكرم الحورانى إلى حزب البعث أصبح مضمون القومية الثورة الاشتراكية، بمعنى إعادة توزيع الثروة، ووضع حد أقصى للملكية الزراعية، وضمان حد أدنى للمعيشة، إلا أن الحزب فى وضعه المتطور اعتمد على قوة الجيش فى تحقيق أبعاد الثورة الاجتماعية فتحالف مع جمال عبدالناصر وأقاما وحدة بين مصر وسوريا، ودخلا فى صراع مع كل من الحزب الشيوعى السورى والحزب الشيوعى المصرى فانتكست الثورة الاجتماعية وتبخرت الوحدة فى عام 1961. وأفاد جمال عبدالناصر من هذه التجربة المريرة فأصدر قوانين يوليو الاشتراكية عام 1961 وأغسطس 1963 ومارس 1964، وهى كلها تدور على نقل وسائل الإنتاج إلى الملكية العامة للشعب، وخلق قطاع عام يتحمل مسؤولية التنمية ويصنع التقدم.

وواكب كل هذه الإجراءات العملية تنظير لم يرق إلى حد النظرية، إنما وقف عند حد ما يسمى «دليل عمل» متمثل فى «الميثاق». وخُطب جمال عبدالناصر تتخذ من الاشتراكية العلمية منهجاً لمواجهة التطور الاجتماعى، وتقرر التناقضات الطبقية وتزعم حلها سلمياً، ومن ثم تقترب من الماركسية وتبتعد عنها، وتمزجها ببراجماتية، وتغلفها بقيم روحية فتقف فى الوسط بين يسار ماركسى ويمين دينى مناهض للعلمانية. وتجسد هذا الوسط فى «الاتحاد الاشتراكى» وهو عبارة عن تحالف بين قوى الشعب العاملة، وهو تحالف يُعرَف سلباً بأنه ضد تحالف الإقطاع والرأسمالية ولكن التعريف بالسلب ليس هو التعريف المنشود، إذ لا بد من أن يكون التعريف بالإيجاب. والتعريف بالإيجاب يستلزم معرفة «ماهية» الشىء المَعرف بتحديد هويته فأنشئ داخل الاتحاد الاشتراكى ما سمى بـ «التنظيم الطليعى»، وهو تنظيم يضم العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين. وراح هؤلاء المثقفون الثوريون يبحثون عن «نظرية ثورية» تتجاوز «دليل العمل الثورى»، إذ إن دليل العمل ليس بديلاً عن النظرية.
نقلا عن المصري اليوم