منى مكرم عبيد
استعداد الحكومة لنقل الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة فى يوليو ٢٠٢٠ خطوة جيدة، حيث سيتم تخفيف العبء عن القاهرة، ووضع حد للتكدس السكانى والزحف المتواصل على الوزارات والمؤسسات من الأقاليم، ولكن.. كثير من الخطط والأفكار تم وضعها على الأوراق، وحينما يأتى وقت التنفيذ يظهر كثير من العقبات، وهو ما يؤدى إلى انحراف مسار الخطة عن مكانها الطبيعى أو إرجاء تنفيذها، وفى موضوع العاصمة الإدارية تكرر الأمر من قبل حينما ظهرت محاولة لبناء مدينة «السادات» ولم تنجح خطة تأسيسها، الآن يجرى العمل على قدم وساق فى العاصمة الإدارية، وشجعت الجهود المبذولة من الدولة فى تنمية وتعمير المكان كثيرا من شركات الاستثمار العقارى، حتى أصبحت هناك مناطق سكنية كاملة تم تشييدها من قبل هذه الشركات، لتكون بالتوازى مع الحى الحكومى والمؤسسات الرسمية بالدولة. واطلعت على أفكار الحكومة للنقل والخطط المتبعة خلال الفترة المقبلة، وتوقفت عند عدد من الملاحظات، ومنها «عدم تأثر الموظفين إداريًا وماليًا بالنقل»، وهذا أمر غريب للغاية، ففى سياق طمأنة الموظفين فهو مقبول، ولكن القلق يعم القطاع الأوسع من المجتمع، لأن العاصمة الإدارية تم تشييدها للتماشى مع احتياجات العصر، فهل الموظف تم تأهيله للعمل فى مكان كهذا أم لا، هل تمت تنمية أفكاره وقدراته أم لا؟ هل هناك استعداد لكى يتبع عملية النقل تطوير العمل الحكومى ككل والاتجاه للتعامل الرقمى أم لا؟ كلها تساؤلات تفرض نفسها اليوم فى ضوء التقدم التكنولوجى الذى يفيد الموظفين والمواطنين معا، ويمنع نقل التكدس من القاهرة للعاصمة الجديدة.

.. لا يهمنى النقل هنا ما لم يتبعه تطوير قدرات وإمكانيات الموظفين، وإلا سيكون نقل مكتبه فقط، ويذهب الموظف بكل أفكاره (البيروقراطية، ضيق الأفق، قلة الحيلة، غياب اللامركزية، غياب التكنولوجيا الحديثة)، إلى المكان الجديد، الذى سيتحول حتما إلى مقر قديم بمرور الوقت، وتغيب معه الملامح الرئيسية والحقيقية لنقل الوزارات.

ومن الملاحظات أيضا، الاطلاع على جمع الحكومة لعناوين وبيانات الموظفين الذين سيتم نقلهم، مع الاعتماد على شركة متخصصة فى دمج المؤسسات الحكومية مع عدم دمج الوزارات، وهى ملاحظة مهمة ولكن غير مفهومة، حيث لن يتم دمج أى وزارة مع أخرى ولكن هل يُسمح بدمج بعض المؤسسات مع بعضها؟ هل قطاعات الزراعة سيتم جمعها فى مؤسسة واحدة مثلا؟ هل قطاعات الصحة سيتم دمجها فى مكان واحد؟ هل المقصود تخفيف العبء على المواطن بحيث يذهب لمكان واحد يقوم بالحصول من خلاله على كل الخدمات أم هناك نية أخرى؟

تحضرنى هنا فكرة «الشباك الواحد» الذى نفذته وزارة الاستثمار، ومن خلاله يمكن للمستثمر الحصول على كل الموافقات اللازمة لمشروعه، ولكن كثيرا من العراقيل ظهرت بعد ذلك، وتمكن الروتين من التغلب على أفكار الوزارات الطموحة والراغبة فى التماشى مع لغة العصر، وهو ما أخشاه فى أمر العاصمة الإدارية.

أعتقد أنه من المهم البدء الآن فى تطوير وتنمية قدرات الموظفين، وتأهيلهم على نمط جديد ومختلف تماما عما كانوا يتبعونه من قبل، وتقييم هذه التجربة وتعميمها مستقبلا، وبنجاحها ستكون الفوائد أكبر، من خلال ربط شبكات المحافظات والأقاليم بالمركز فى العاصمة الإدارية، بدلا من العمل بنفس المنطق والأفكار القديمة، لتتحول إلى مكان جديد يتكدس حوله المواطنون من مختلف المحافظات، ثم نفكر مستقبلا فى عاصمة أخرى بديلة!

النقل وحده خطوة، ولكن المهم تأهيل القدرات وتنميتها، تطوير الأدوات المستخدمة، مسايرة لغة العصر فى التطور التكنولوجى والاستفادة من تجارب الدول الأوروبية فى تقليل العنصر البشرى وتوسيع استخدام التكنولوجيا، حتى يتم القضاء من المنبع على الفساد والرشوة والمحسوبية، وإطلاق إبداع وطاقات الأجيال الجديدة فى الالتحاق بمهن وكليات مختلفة، بدلا من البحث عن «واسطة» للالتحاق بالجهاز الحكومى للدولة!

برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
نقلا عن المصرى اليوم