سليمان شفيق
في اطار ما ننشر حول الاباء والاخوة الذين تركوا اوطانهم وجاؤا الي الصعيد لخدمة الفقراء والمحتاجين ، نوالي نشر قصة حياة وجهاد لليان تراشر .. مؤسسة ملجأ ليليان تراشر للأيتام بأسيوط ـ مصر ـ سنة1911 .

القبطية  تحت عنوان : ليليان تراشر .. الروح الملائكية: CTVنشرت قناة 

كانت مخطوبة لشاب أمريكى وكانت تصلى دائماً ماذا تريد يارب أن أفعل؟)
وعندما فتحت الإنجيل وجدت تلك الكلمات ”لأني قد رأيت مشقة شعبي في مصر وسمعت أنينهم ونزلت لأنقذهم فالآن هلم فأرسلك الى مصر” ( أع 7 : 20 )، فشعرت أن الله يريدها أن تسافر إلى مصر .. ولكن خطيبها رفض الفكرة، ولكنها اختارت خدمة الفقراء ونزلت الى مصر سنة1910 ، وفى بداية خدمتها كانت تسافر بين القرى وهى تركب على حمار لأنها كانت وسيلة المواصلات الوحيدة فى تلك الايام، وكانت تخاطر بحياتها كل يوم وتركب مراكب شراعية وقت الفيضان، وفي إحدى المرات كادت تغرق لولا كومة حطب قعدت عليها وقت طويل حتى عدت مركب أخرى وأنقذتها.

وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية في أواخر 1939 طلبوا منها أن تغادر أسيوط لتختبىء مع باقي الأجانب وتكون في مأمن لكنها رفضت أن تترك أبنائها الذين زاد عددهم زيادة هائلة

وتقول فى مذكراتها: زادت المتاعب عندما علمنا أنه لا سبيل لوصول أي مساعدات إلينا، يا إلهي كيف أدبر لقمة العيش أمام سيل من الأيتام يتراكم أمامي وسط ارتفاع الأسعار؟

ظن الجميع أننا سنتخلص من الأطفال كما تفعل المؤسسات الأخرى، لكن شكرا لله الذي أعاننا فلم نفعل ذلك، وفي الشهر الخامس من بداية الحرب وصلت لنا معونات هائلة، حقا إنه يعطي بسخاء ولا يعير، وتروي أيضاً: "وضع الرب على قلب أحد أولاده المؤمنين من ولاية كنساس في أميركا أن يرسل لنا تبرّعًا فذهب إلى البنك وكتب شيكًا ووضعه في خطاب، إلا أنه أخطأ في كتابة العنوان فكتب: "أسيوط – الهند" بدلاً من أن يكتب "أسيوط – مصر، ورجل البريد أخطأ أيضًا فوضع الخطاب بين الخطابات المرسلة إلى مصر .. بدلاً من المرسلة الى الهند


الله يستجيب قبل أن ندعوه:
تقول ليليان: حدث أنه لم يكن معي مليم واحد. وكان هناك أحد العمال يحتاج إلى أجرته احتياجًا عاجلاً، وكان اليوم الأربعاء. وهو يريد أن يزور زوجته المريضة في المستشفى يوم الخميس التالي، ويريد أن يشتري لها لوازمها ..

وصليت إلى الله .. وإذا بي أستلم في بريد بعد الظهر خطابًا من اسكتلندا مكتوبًا عليه: "عاجل جدًا" وبداخله شيك بمبلغ جنيه ..

ويقول الأخ الراسل أنه شعر بلزوم إرسال هذا الخطاب بأسرع ما يمكن، وأن المبلغ الصغير الذي أرسله بداخله هو لي شخصيًا ..

فالله دفع هذا الأخ إلى إرسال هذا المبلغ في خطاب "عاجل جدًا" قبل أن أحتاج إليه بعشرة أيام لكي يصلني في اللحظة التي احتاجه فيها بالضبط ..!!..

وكانت هنالك فتاة شريرة جدًا .. جمعت حولها بعض الفتيات الأخريات، وكوّنت شبه عصابة لإيذاء الأيتام الآخرين ولسرقة بعض الأشياء من الملجأ أو من خارجه ..

وعندما حصلت هذه الفتاة على نعمة المسيح وتحررت اصبحت بركة كبيرة لبقية أفراد العصابة فجذبتهم إلى المسيح واعترفن جميعًا بخطاياهن من سرقة وكذب وأصبحت هذه الفتاة تدعو إلى اجتماعات الصلاة وتجيد الترنيم، وتبشر باسم المسيح.

زار الرئيس محمد نجيب ليليان وكتب لها:
(العزيزة مس ليليان، لم يسعدني شيئاً بقدر ما شاهدته اليوم حتى تصورت إني أحلم بجنة الإنسانية التي أتخيلها دائما حتى رأيتها اليوم حقيقة رائعة ، فالعناية بالضعفاء من أطفال وأيتام وعجزة ، بنين وبنات ، رجال ونساء ، تتجلى هنا بكل ما في معاني الإنسانية من قوة ، فشكرا لمس ليليان ولجميع العاملين بهذه المؤسسة ..
الرئيس اللواء أركان حرب محمد نجيب)


زارها ايضاً الرئيس جمال عبد الناصر وكتب لها:
أكتب لك شاكرا وأريد أن أخبرك إن عملك مع الأيتام يقدره كل مواطن في هذا البلد وأتمنى لك استمرارية النجاح في خدمتك الإجتماعية .
 الرئيس جمال عبد الناصر)

 ، ولكن تكتب لليان تراشر في مذكراتها  1960:Ctv  انتهي حديث قناة

تقول: (ها قد مضى الزمن بسرعة – وانا ارجع اليوم بذاكرتي الى الماضي منذ خمسين عاما استعرض فيها عملي مع المصريين – وعمل المصريين معي ثم عمل الله معنا اجمعين.

نعم.. قد قدمتم لي اجل مساعدة ووقفتم معي واشتركتم معي في تشييد هذا الصرح الكبير الذي سيبقى مع الزمن… يؤدي رسالة جليلة.

لقد برهنتم انكم اوليتم من الانسانية ونبل الشعور وحب الخير ما جعلني اؤمن ايمانا قويا بنجاح العمل بصفة مستمرة. فلكم جميعا عظيم شكري. واليكم اهدي هذا الحديث


دعوتي للعمل:
كنت ابلغ الثالثة والعشرين من عمري – وكان عملي في ذلك الحين مساعدة سيدة تدعى “ماتي بيري” في ادارة ملجأ في “مارليون في كارولينا بامريكا” وحدث ان ذهبت في احد الليالي لسماع عظة تلقيها احدى المرسلات عقب رجوعها من الهند – وما ان بدأت تسرد في حديثها عن احتياج الانسانية المعذبة الى من يمد يد العون ويقف بجوارها .. حتى شعرت بان جاذبا خاصا يشدني للذهاب الى افريقيا، وظننت انه في الامكان ان اوفق في حل وسط.. فعرضت على خطيبي ان يرافقني للعمل في افريقيا.. ولكنه رفض.. وعندها تركته.. واذعنت لامر الله

انه نداء من اعماقي للخدمة والعمل – وزادت حيرتي – لا ادري اي سبيل اسلك، لقد صرفت كل ما املك استعدادا لحفلة زفافي التي لم يبق عليها سوى عشرة ايام ولم يعد معي سوى جنيها واحدا.. وماذا يفيدني هذا المبلغ الزهيد.. وهب انه افاد.. فكيف اسافر..؟ انني محصورة بين امرين – هل افضل الزواج، ام افضل الله واطيع هذا النداء الصريح منه للخدمة في هذه البلاد.

واعددت حقيبتي استعدادا للرحيل واخبرت اصدقائي بعزمي على الرحيل فقدم لي بعضهم مبلغ مئتين وستين قرشا واخبروني عن مؤتمر للمرسلات يقام في بتسبرج. فكرت ان اذهب اليه – للالمام بمعلومات عن طبيعة الخدمة في هذا المجال.. وقلت لنفسي “لعلني اصل الى الجهة التي يريدني الله ان اذهب اليها في افريقيا"، اودعت نقودي عند مس “ماتي بيري” صاحبة الملجأ في ماريون، وبدورها حفظته في درج مكتبها".

ولما كانت اختها تجهل ان هذا المبلغ يخصني ، فقد اخذته وسددت بها ديونها ولم اسمع بما حدث الا عند الرحيل.. وحاول اصدقائي مساعدتي ولكن لم يكن لديهم ما يكفي لتغطية المبلغ المطلوب وما قدم لي لم يكن كافيا لوصولي الى بتسبرج.

وبينما كان الجميع قد خرجوا لتوديعي عند رحيلي. لم اشأ ان ابعث الضيق بعدولي عن الرحيل. لذلك قررت ان اقطع المسافة التي تسمح بها النقود التي معي والتي كانت لا تكفي الا لذهابي الى واشنطن. وكانت مس بيري اخبرتني بانها ستعطيني خطاب توصية الى صديقتها هناك لامكث عندها حتى تتمكن من ارسال باقي المبلغ الذي يكفيني للسفر الى بيتسبرج

وفي الوقت المناسب وصلت الى واشنطن – ووجدت صديقة مس بيري والتي ما ان فضت جواب التوصية حتى قالت لي: “معذرة يا عزيزتي، كان يسعدني ان تنزلي ضيفة علينا لولا انه نزلت في ضيافتنا عائلة مرسلة تعمل بمدينة اسيوط بمصر ولكن تفضلي لتناول طعام الغداء معنا".

وكان المرسل الذي تكلمت عنه السيدة والذي تعرفت عليه على المائدة هو القس “برلسفورد” وقد قدمتني السيدة اليه كمرسلة للخدمة في افريقيا. عندها سألني:
اي جهة تقصدين في افريقيا؟
انا؟ .. لست ادري..
حسنا، ما هي الهيئة التي تتبعينها؟ ـ لست اتبع اي جهة على الاطلاق

اذا فعائلتك هي التي ارسلتك

– كلا.. بل ان عائلتي لم توافق على رحيلي البتة
اذا هل معك اجرة السفر؟ـ  معي ريال واحد.

وربما يكون من الافضل الا اسرد عليكم كل ما قاله او فكر فيه القس برلسفورد..

ولكنني لم ارجع الى عائلتي بل ذهبت الى افريقيا.. “امين هو الله الذي دعاكم. الذي سيفعل ايضا".

لقد اعارتني احدى السيدات غرفتها فمكثت معهم يومين. وقبل مغادرتي طلب مني القس ان اصحبه الى العمل في اسيوط. فاجبته حسنا . لقد كانت هي ارادة الله التي قادتني الى مقابلتك

حضرت المؤتمر وعند انتهاؤه سمح لي الرب ان اجتاز امتحانا اخر

بداية العمل في كرم الرب:
ان الطفولة هي صانعة المستقبل، ومن واجب الاجيال العاملة ان توفر لها ما يمكن لها من تحمل مسئولية العمل بنجاح)

تستطرد ليليان في مذكراتها فتقول:
 (سارت الباخرة تعبر المحيطات .. حتى وصلا الى ارض النيل الخالدة، بلاد الفراعنة الامجاد. وعند وصولي توجهت الى اسيوط حيث وصلت هناك في 26 اكتوبر 1910م، وقصدت جمعية القس برلسفورد ولم يمض وقت طويل حتى شعرت بالحنين الى وطني واسرتي، ولكن سرعان ما تبدلت مشاعري فانني اليوم افضل البقاء في مصر، وبعد ثلاثة شهور من وصولي، طلب مني ان ازور ارملة فقيرة تشرف على الموت وذهبت لاجدها طريحة الفراش وهي تحتضر في غرفة مظلمة، لا يشاركها فيها سوى طفلتها التي لم تبلغ من العمر سوى شهورا قليلة، وهي تجرع اللبن من اناء من الصفيح متسخ وقد انتن اللبن واخضر لونه، والطفلة لا تزال تحاول ان تشرب منه، وما برحت الام ان لفظت انفاسها الاخيرة، وسلمت الطفلة الي فحملتها الى البيت.. ان  جسم الطفلة بدى كما لو تستحم منذ ولادتها، وبدت كما لو كانت ملابسها قد حيكت عليها .. لا يمكنكم ان تتخيلوا الروائح الكريهة التي انبعثت من تلك المخلوقة المسكينة، وعلت صيحات الطفلة وزادت مما اقلق راحة المرسلات ليلا.. فما كان مني الا ان استأجرت منزلا بجنيهين ونصف شهريا، واشتريت بالقليل الباقي من النقود بعض الاثاث).

هكذا بدات القديسة لليان تراشر رائدة العمل الاجتماعي رعايتها للايتام ، حتي رحلت الي السماء ولازال الملجأ يعمل تحت رعاية الكنيسة القبطية الانجيلية .