قُبيل صالون أغسطس، وكان يتحدث عن (الأخلاق)، نشرتُ على صفحتى صورة «ماعت» وكتبتُ تحتها «دستور أمى ماعِت». فوجدتُ من يسألنى من القراء.

 
- من صاحبة الصورة؟ وكيف ماعت أمك؟
 
- البوست واضح وشارح يا عزيزى. اقرأ قليلا فى «المصريات»، علم أجدادك.
 
- ‫يا أستاذة أنا أعرف إن (ماعت) يعنى (انحرفت)….
 
هكذا قرأ السائلُ (الاسمَ) (فعلا): (ماع يميع ميوعةً، فهو مائع). والمعنى المعجمى الفيزيائى هو: (تحويل الجامد إلى سائل)، والمعنى الاصطلاحى الشعبى معروف فى الدارجة المصرية. وكان السائلُ يريد أن يعرف كيف (ماعت أمى)!
 
ولم أدرِ هل أضحك من التباس الاسم مع فعل، أم أحزن على جهل رجل بتاريخ بلاده، أم أغضب للتطاول على أمى. كظمتُ غيظى وأجبتُه.
 
- ‫لا يا عزيزى. «ماعِت»: اسم، عَلَم، وليست الفعل الماضى: «ماعَت». وهى ربّة العدالة فى الميثولوجيا المصرية. ‫وهى المحفورة على كل محاكم العالم معصوبة العينين تحمل ميزانها وتقفُ فى سموّ وحزم، كنايةً عن (العدل المرجو). ‫ماعِت جدتك وجدتى، إن كنت مصريا مثلى.
 
- أشكرك جدًا على الرد يا أستاذة. أنا عمرى ٢٦ سنة. وأول مرة أسمع الكلام ده. ياريت لو مفيهاش تعب تتكلمى أكثر عن الموضوع ده لأنى حابب أعرفه جدا.
 
هنا تذكّرتُ حكمة الشاعر الإغريقى سيمونيدس حين قال فى مرثيات ذكرى المحاربين اليونانيين الذين سقطوا فى معركة ثرموبيلاى: (هزمناهم، ليس حين غزَوناهم، بل حين أنسيناهم تاريخَهم).
 
الفصل ١٢٥ من (كتاب الخروج إلى النهار)، الشهير بـ(كتاب الموتى)، وهو أقدم كتاب فى التاريخ، ويضمُّ مجموعة من الوثائق الدينية والنصوص الجنائزية لتكون دليلاً للميت فى رحلته إلى العالم الآخر، ولاتزال نسخة منه محفوظة فى المتحف البريطانى، ذكر «ماعت» ربَّةُ الحقيقة والعدالة والنظام والانسجام فى الكون. وكانت على هيئة امرأة جميلة تضعُ ريشة على رأسها: ريشة الضمير. يقفُ المتوفّى يُقرُّ باثنين وأربعين اعترافًا إيجابيًّا: (كنتُ- فعلتُ)، واثنين وأربعين اعترافًا سلبيًّا: (لم أكن- لم أفعل). نبدأ بالسلبى:
 
1- لم أقتل، ولم أُحرّض أى أحدٍ على القتل.
 
2- لم أرتكب خطيئتى الزنى أو الاغتصاب.
 
3- لم أنتقم لنفسى.
 
4- لم أتسبب فى الإرهاب.
 
5- لم اعتدِ على أى إنسان، ولا كنتُ سببًا فى ألم إنسان.
 
6- لم أكن سببًا فى بؤس إنسان أو شقائه.
 
7- لم أتسبّب فى عذاب حيوان، ولا فى شقاء نبات بأن نسيت أن أسقيه.
 
8- لم أتسبب فى دموع إنسان.
 
9- لم أظلم ولم أضمر نيةً فى أى شر.
 
10- لم أسرق.
 
11- لم آخذ من بلادى أكثر من حصتى العادلة فى الطعام.
 
12- لم أُتلِف المحاصيل والحقول، ولم أقطع الأشجار.
 
13- لم أحرم إنسانًا من حقّ له.
 
14- لم استدعِ شاهد زور، ولم أتوسّل ادعاءات كاذبة.
 
15- لم أكذب، ولم أجرح شخصا آخر بالكلمات.
 
16- لم أستخدم الكلمات الحماسية من أجل إثارة الصراعات.
 
17- لم أتحدث بمكر، ولا تصرفت على نحو مخادع من أجل إيذاء الآخرين.
 
18- لم أتكلم بازدراء عن أحد.
 
19- لم أتنصّت على أى إنسان.
 
20- لم أتجاهل الحقيقة ولم أجاوز الصواب فى كلامى.
 
21- لم أحكم على أى إنسان فى تعجّل أو بقسوة.
 
22- لم أدنّس الأماكن المقدسة.
 
23- لم أكن سببًا فى أى خطأ يتعيّن إصلاحُه جهدُ عمّال أو سجناء.
 
24- لم أغضب دون سبب وجيه للغضب.
 
25- أنا لم أعرقل تدفق المياه الجارية فى النهر.
 
26- أنا لم أهدر المياه الجارية.
 
27- لم ألوّث مياه النهر أو تراب الأرض.
 
28- لم اتخذ اسم الله هزوًا.
 
29- لم احتقر الآلهة ولا اغضبتُها.
 
30- لم أسرق من الله.
 
31- لم أُمنح عطايا أكثر ولا أقل مما هو مُستحق لى.
 
32- لم أطمع فى ممتلكات جارى.
 
33- لم أسرق من الموتى ولم أزدرهم.
 
34- لم أنس ولم أغفل عما هو مشار إليه فى الأيام المقدسة.
 
35- لم أمنع القرابين الموجهة إلى الآلهة.
 
36- لم أتدخل فى الشعائر المقدسة.
 
37- لم أذبح بقصد الشر ولم أعذّب أى حيوان.
 
38- لم أتصرف بمكر أو وقاحة.
 
39- لم أكن فخورًا أو مغرورًا على نحو لا يليق، ولا تصرفت بغطرسة.
 
40- لم أُضخّم نفسى.
نقلا عن المصرى اليوم
 
41- لم أُخلّ بالتزاماتى اليومية.
 
42- أطعتُ القانون ولم أرتكب الخيانة.
 
فى مقال (الخميس القادم)، نتكلم عن (الاعترافات الإيجابية) ولماذا عددها ٤٢ أيضًا، ونتحدث عن (كا)، و(با) فى أدبيات أجدادنا المصريين: السلف الصالح. «الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».