عبد المنعم بدوى
بمناسبة قرب ذكرى حرب أكتوبر 73 ... سأقوم بالكتابه عنها نقلا من مذكراتى التى كتبتها عن هذه الحرب ، وأنوى طباعتها فى كتاب لطرحه فى الأسواق ... وسوف أنقلها لكم على حلقات حتى حلول ذكرى الحرب فى 6 أكتوبرالقادم .

1 يوليو 1968
تخرجت من كلية التجاره جامعة القاهره عام 1966 ، وكان عمرى 20 عاما ، عملت بالبنك المركزى المصرى فور تخرجى كمحلل مالى ... تم أستدعائى لأداء الخدمه العسكريه ( التجنيد ) ، وتم تجنيدى كضابط أحتياط فى الدفعه ( 22 ) ، التحقت بكلية الضباط الأحتياط فى 1 يوليو 1968 وكان مقرها فى الكيلو 4.5 طريق السويس .

يصف العسكريون عادة كلياتهم ومعاهدهم العسكريه بأنها مصانع الرجال ، ولعل هذا الوصف يتجاهل إضافه هامه لاينبغى إغفالها ، وهى أن تلك المؤسسات بالفعل هى مصانع للرجال الذين ينفذون التعليمات الى حدها الأقصى ومداها الأقسى ( من القسوه ) .

بالطبع أن تنفيذ التعليمات ليس أمرا سيئا أو غير مرغوب فيه سواء كان العمل مدنى أو عمل عسكرى ، لكن الفرق هو أن تنفيذ التعليمات للإنتاج والتنميه ، وليس للتدمير والقتال ، والأخير مكروه بالنظره الأنسانيه السويه مصداقا لقوله تعالى : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم ... " صدق الله العظيم .

لذلك تتجه المعاهد العسكريه الى تطويع وتشكيل نفسية الطلاب المقاتلين ، لكى تتقبل الضرورات القتاليه والأوزار الحربيه بدون تململ أو عصيان أو تأنيب ضمير من خلال مسارين :

المسار الأول : كسر الأراده لغرس صفات ومسالك السمع والطاعه والأزعان وتنفيذ الأوامر عن طريق برنامج تدريبى يتضمن القهر والتنكيل وإساءه المعامله والتخويف على الطلاب من أول قص الشعر زيرو وإنتهاء بالتدريبات البدنيه والنفسيه الشاقه ، فاليوم يبدأ الساعه 5 صباحا على صوت البروجى ( نوبة الصحيان ) نقوم بحلاقة الزقن وأرتداء الملابس الرياضيه والتجمع فى أرض الطابور للجرى وأداء التمارين الرياضيه ، ثم تغيير الملابس وتناول الأفطار ثم التوجه إلى ارض الطابور مرة ثانيه ثم إلى قاعات التمرين والمحاضرات حتى الساعه الثانيه ظهرا ، ثم طابور المساء الساعه 5 عصرا .

المسار الثانى : العزل والتهميش لغرس صفات الولاء والأستعلاء والكبرياء عن طريق الأقامه الداخليه لإنسلاخ الطلبه عن دوائرهم الإجتماعيه بإعتبارهم ينتمون إلى مؤسسه ذات حيثيه إستثنائيه ، وأهميه حيويه من خلال مهمتها الساميه فى الدفاع والتضحيه عن المصالح الوطنيه للمجتمع ، فكانت فترة الإقامه الأولى 45 يوما لانغادر فيها الكليه تحت أى ظرف من الظروف ، وبعد أنتهاء تلك الفتره يسمح لنا بالنزول 24 ساعه كل أسبوع ( النزول مساء الخميس والعوده مساء الجمعه ) ، وفى حالة أرتكاب أى خطأ تكون العقوبه حبس خميس وجمعه .

كانت الضغوط علينا كطلاب جدد ثقيله ... التدريبات قاسيه وحياة العزل عن المجتمع صعب تحملها ، وكانت حالة الأنكسار والهزيمه الساحقه التى منيت بها القوات المسلحه عام 67 ( النكسه ) ، تلقى بعبء أضافى على كاهلنا لرد الأعتبار والكرامه للقوات المسلحه عن ذنب لم نرتكبه .

كل ذلك كان يمثل ضغوط هائله علينا كطلاب مقاتلين فى مقتبل العمر ... " ضغوط يصعب تحملها "...

وإلى لقاء فى الحلقه : 2