بقلم مايسترو بيشوى عوض 
أكتب مقالى مضطرا نظرا لما سببه هذا المصطلح من إضطراب فى الصف القبطى، بما إنه مصطلح غير موفق ويحمل فى طياته ما يخالف المعنى المراد به، بمعنى أنه فشل لغويا فى التعبير عن الفكرة المراده. 
 
ولشرح الموضوع بموضوعية لابد من الرجوع إلى الثوابت و البديهيات والتى هى ملازنا جميعا : 
أولا : التراث 
فى اللغة العربية من إرث أو ميراث وهو مجموع مايرثه الأبناء عن أبائهم، سواء كان الإرث عائليا أم مجتمعيا. Pater ومشتقان من اللاتينية Patrimony و فى اللغة الإنجليزية Patrimoineفى اللغة الفرنسية فتحوى بذلك المعنى الأبوى أو كل ما يتعلق بما يورثه الأباء لأبنائهم عائليا أو مجتمعيا و هنا أضع خطين تحت فكرة إنساب الأرث للأشخاص. 
 
ثانيا : وظفت كلمة التراث عالميا فى المنتصف الأول للقرن التاسع عشر لتحديد و الحفاظ على كل ما له قيمة معمارية و أثرية تاريخيا، ثم أتى مطلع القرن العشرين بإتساع دائرة ما يخص التراث لتشمل كل الأعمال الإنسانية ذات القيمة من منشآت و أعمال يدوية و مؤلفات فكرية ثقافية و مخطوطات يدوية ذات قيمة تاريخية وهنا أضع خطين تحت فكرة نسب التراث إلى الأعمال الإنسانية. نلاحظ إذن من النقطتين السابقتين أن التراث هو ما يورثه الأباء 
 
( الأشخاص ) للأبناء ( الأشخاص ) من أعمال إنسانية ( مادة ) فنصل بذلك إلى أننا كيما نتحدث عن التراث لابد من ذكر أمرين مهمين : نسب التراث للأشخاص أو مجموع أشخاص. العمل الإنسانى المورث. 
 
أمثلة نسب التراث 
الأهرامات تراث مصرى، حتى لو كان من قاموا ببنائه بأياديهم مصريون أو عبيد من جنسيات مختلفة ( زنوج أو أفارقة أو يهود )، إذن ننسب التراث لأصحابه وليس لبعض المشاركين فى إنتاجه من جنسيات أخرى. 
 
مؤلفات موزارت الاوبرالية باللغة الألمانية : لا تجعل منها تراث ألمانى إنما تظل مؤلفاته تراث نمساوى، فلا ننسب التراث هنا للغة التعبير عن الفكر أو الفن . 
إن ألف أحد الأقباط المسيحيون مؤلفات دينية مسيحية و لكن بلغة أجنبية مثل الفرنسية، لا نستطيع إنساب مؤلفاته هذه إلى تلك اللغة التى عبر بها عن فكره، بل تظل مؤلفاته تراثا قبطيا باللغة الفرنسية، و لتأكيد المعنى، ما يستخدم فى كنيسة الأقباط فى فرنسا من ليتورجيات مكتوبة بالفرنسية مثلا، لا يعد تراثا فرنسيا إنما تراثا قبطيا باللغة الفرنسية. 
 
تحليل لفظة التراث العربى المسيحى من خلال ما سبق: 
لا يخل و لايقل تحليلى هذا من قدر الشخصيات التى سبق و استخدمت هذه اللفظة ولا بالمراجع التى أدرج بها، علما بأن علوم الإنسان لا عصمة لها، فكم من مرات إعتقدنا بأشياء تخلينا عنها بعد إثبات عدم صحتها. لا يقل هذا التحليل من شأن مؤسسة معهد الدراسات القبطية ولا الباحثين بالقسم الذى يحمل إسم المصطلح، فالمؤسسة مؤسستنا و الباحثون هم أولادنا الكرام و هم قرة أعيننا الغالية. 
 
تصحيح الأخطاء اللغوية هو أمر سام جدا و لا علاقة له بالإتهام الغير السامى بالعداء للغة العربية. 
 
المعنى المراد ، هناك مخطوطات و مكتوبات تراثية مسيحية فى منطقة الشرق و مكتوبة باللغة العربية. 
 
صيغة التعبير التراث العربى المسيحى المعنى المراد مفهوم و منضبط فهناك فعلا مكاتيب و مخطوطات تراثية مهمة فى منطقة الشرق و قد كتبها مؤلفيها أو مترجميها باللغة العربية، أما صيغة التعبير عن هذا المعنى فقد فشلت فى التعبير من حيث الدقة اللغوية، وإذا رجعنا إلى ما سبقت ووضعت تحته خطين فى النقاط أولا و ثانيا يلزم علينا أمرين: تعيين الأشخاص كمورثين و ورثه ثم تعيين المادة أو العمل المورث. 
 
فى لفظة التراث العربى المسيحى نجد شخصين " العرب " و " المسيحيين " ولكن لا يوجد ذكر للمادة المورثة، ولا نستطيع الإستنتاج منها أنه تراث مكتوب باللغة العربية، بل نحويا و لغويا نفهم فقط أنه تراث العرب المسيحيون، إن كان هذا ما أراد الباحثون التعبير عنه فهو منضبط المعنى و التعبير اللغوى إلى حد كبير. أما إذا أردنا القول الأصح بإنساب التراث إلى مسيحيو الشرق باللغة العربية فوجب تغيير المصطلح بدون شك، و أقترح مصطلحات التغيير الآتية كأمثلة لا للحصر: التراث المسيحى الشرقى باللغة العربية ، المواريث المسيحية الشرقية باللغة العربية ، تراث مسيحيو الشرق بلغة العرب. 
 
كلها تعبيرات أدق فى التعبير اللغوى عن المعنى المراد، و تجنب الإلتباس و الإضطراب فى صفوف الناس، خاصة و أن العلوم الإنسانية هدفها الرقى بالناس و خدمتهم، و عكس ذلك تفقد العلوم قيمتها.
 
مايسترو بيشوى عوض 
 
مؤلف موسيقى و عضو المؤسسة العالمية للمؤلفين الموسيقيين مدرس الموسيقى بمعاهد الكونسرفتوار و مدارس باريس قائد الكورالات و الاوركسترات مهتم بألحان الكنيسة القبطية