عادل نعمان
ربما كان قرار السيد رئيس الوزراء بتعيين ألف وخمسمائة موثق وكاتب وموظف لسد العجز فى مكاتب الشهر العقارى له صلة بما كتبته فى «الوطن» يوم الجمعة الماضى وغيرى كثير، عن معاناة الناس فى مكاتبه المنتشرة فى أنحاء المعمورة، إلا القليل منها، عند قضاء مصالحهم أو توثيق عقودهم، تحت عنوان «الشهر العقارى يا وزارة العدل 2»، وربما كان الأمر محدداً ومقرراً من قبل، على أى الأحوال هذه بادرة طيبة نسعد بها، وبشرى خير نتمنى دوامها، فإذا وصلت شكاوى الناس إلى المسئول وجب عليه دراستها فوراً، وتلبية احتياجات الناس ورفع الظلم والأذى عنهم، وفى نظرى أن هذا الإنجاز الملموس من دعائم الانتماء للبلد والحب لها، وهى قاعدة بسيطة ومنطقية، فلا يشغل المسئول نفسه بخطط الدولة المستقبلية والمشروعات العملاقة، وسد العجز فى الموازنة العامة، وزيادة الاحتياطى النقدى، والفائض والبطالة وميزان المدفوعات والميزان التجارى، عن المشاكل اليومية والحياتية التى يتنفسها ويهضمها المواطن يومياً، فربما تسبب له اختناقاً أو عسر هضم، وتغلق عينيه وقلبه فلا يرى منهم إنجازاً أو نجاحاً مما يعدون، فإذا كانت المعاناة والفوضى تنغص عليه يومه فلا حافز عنده أن يرى غده، وإذا ضاق صدره بما أثقل عليه من أزمات وفساد أدار ظهره وانصرف، فإذا جاء موعد مشاركته وتحمله المسئولية بحثنا عنه فلن نجده، فإما يائس أو بائس أو تائه أو متطرف أو منصرف بلا عودة. خطوات الحكم يا سادة تسير خطوطها بالتوازى، بين بناء المستقبل واستعدال اليوم الذى نعيشه، نرفع طموح الغد ونزيح بلاوى اليوم، نهتم بصحة أبناء المستقبل والمشرفين على المغادرة، الوطن هو وطن اليوم والغد، وليس وطن الغد فقط، أمان الناس وأمنهم، راحة الناس فى الشوارع وفى بيوتهم، انضباط المرور وعدم التعدى على حرمة الطريق العام، الحفاظ على أرواح الناس وأموالهم، محاربة المفسدين الصغار جنباً إلى جنب مع الكبار، وأشبال المرتشين مع النمور المفترسة، وعدم التعدى على حق الغير فى ملبسه ومظهره وصلاته وعبادته، احترام المواطن، وما كان من التعدى على بنت من بنات الوطن وقص شعرها فى المترو لسفورها وكشف شعرها إلا تعدياً على هيبة الدولة وكرامتها، ولو كان هذا الأمر فى بلد آخر لقامت الدنيا كلها ولم تقعد حتى تقف هذه المرأة المخبولة أمام القضاء، إلا أننا دولة يستطيع من يشاء أن يخترق القانون ويعتدى على هيبة الدولة، ولا أدرى كيف مر هذا الحادث مرور الكرام، إلا إذا كان الأمر مغازلة التيار السلفى واللعب والتهدئة معه، وهو مخطط مقصود، وجريمة منظمة، تدفع السلفية هؤلاء النسوة المنتقبات لاختبار الدولة وجس نبضها، وكشف نواياها، ولقد حذرنا من قبل من هذه المداعبة والملاعبة بين الطرفين، التى ستتحول يوماً ما إلى ملاعنة، وهذا عهدنا بهم وتاريخهم العامر الزاخر، إلا أننا قوم لا نقرأ وإذا قرأنا لا نفهم، وإذا فهمنا كان الناس نياماً أو موتى، أنتم يا سادتى مسئولون عن دواب هذه الأمة وسلامتها وليس البشر فقط.

بقى الأهم هو أن الدولة المصرية على جلال قدرها ومكانتها، وتاريخها الممتد عبر التاريخ، ما زالت ثابتة جامدة، لا تتحرك، ولا تدب فيها الحياة ولا تخرج عن حالة الركود والكسل، إلا إذا حركها المسئول الكبير بمقام رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، فتنتفض عن بكرة أبيها، وتشتد عزيمتها، ويصلب طولها وعرضها، وتزمجر مركباتها، وتبطش جحافلها، وتتمدد خطوات رجالها، وتدبدب وقع أقدامهم، فيختبئ السايب والمربوط، وتنفذ التعليمات بحذافيرها، فتزيل وتبطش وتلم وتفرش ما شاءت واستطاعت، فإذا انتهت عاد كل شىء إلى ثكناته، ورصت الرجال على الأرفف كما كانوا من قبل، وخبئت المجنزرات فى مخابئها، وطوى الكتاب وعاد من حيث أتى، وفتحت الأبواب وعاد اللصوص والبلطجية إلى سابق عهدهم، وكأنك يا أبوزيد «لا رُحت ولا جيت»، وهى آفة مصرية خالصة، ورثناها وأورثناها للأسف للأجيال المقبلة، نحن فى حاجة إلى كبير يلف معنا شوارعنا من أول النهار، ويدور بعينيه فى كل اتجاه، فى المصالح الحكومية كيف نعامل وكيف نعمل، وفى شوارعنا كيف نسير وكيف نبرطع ونخالف، وفى بيوتنا كيف نأكل ونتكاثر كالأرانب، وحتى أبواب مقابرنا كيف ندفن، فيصلح أحوالنا، ويعدل المعوج منا، ويصحح ما أفسده قومنا، حتى فى فراشنا يباعد بين رجالنا ونسائنا، هكذا نحن وهو، فإذا غفلت عيناه تركناه، وإذا سكت ضللناه، وإذا غاب عنا تركنا له الجمل بما حمل، معنا وبين ضلوعنا وأيدينا من الميلاد حتى الممات.

ليس بكثير على هذه الأمة أن تغير سلوكها، وتحترم تاريخها، وترفع مقامها، وتبدأ مرحلة الاعتماد على الذات، ويتحرك المسئولون فيها دون تعليمات أو إرشادات أو توجيهات، وننسى بناء على توجيهات السيد المحافظ أو السيد الوزير أو السيد الرئيس، وليس من سبيل سوى أن نوزع العمل والمسئوليات ونحاسب الصغير والكبير دون توجيهات، وإلى أن يأذن لنا أولو الأمر، انتبهوا أيها السادة ما زالت الناس تئن وتتوجع.
نقلا عن الوطن